ارمينوهي اسطيفان/ سكرتيرة رابطة المرأة العراقية – استراليا
من اواخر اكتوبر 2016 وحتى اواخر شباط 2017 كنا ان وزوجي د سعيد في بغداد وتعايشنا معها.
كان تواجدنا حافلا بالنشاط والعلاقات المثمرة والاطلاع المعمق على وطننا واهلنا وشعبنا. كما ورافق وجودنا هناك الحملة العسكرية لتحرير الموصل من براثن داعش ودولتها الاسلامية بفعل عمل وتضحيات بواسل القوات المسلحة والبشمركة والحشد ووحدات سهل نينوى وابناء العشائر وغيرهم من ابناء وبنات العراق الغيارى. بالمقارنة مع سفرتنا المطولة الاخرى قبل حوالي ثلاث سنوات لمسنا وشاهدنا تحسنا واضحا في الاحوال والاوضاع بشكل عام ومع ذلك فلا زال هناك الكثير من الامور السلبية والسيئة في مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الخ. اول ما استرعى انتباهنا تحسن ملحوظ في الجانب الامني حيث انخفاض نسبي كبير في العمليات الارهابية مثل المفخخات والتفجيرات والاختطاف وان كان لا زال يحصل مثل هذه الجرائم بين حين واخر ومن مكان الى اخر ولكن بتواتر اقل من السابق. مما دفع السلطات الى رفع العديد من السيطرات والحواجز الامنية ونقاط التفتيش وبذلك تحسنت حالة المرور والسير في الشوارع وتقاطعاتها وخف الازدحام واختناقات الطرق مقارنة بما قبل. وكان باديا للعيان تحسن ملحوظ في حركة السوق والبيع والشراء حيث يتوافر الكثير من المخازن والمولات والمطاعم والمقاهي والباعة المتجولين مما يدل على وجود قوة شرائية لا بأس بها. ولكن جنبا الى جنب ذلك هناك كثرة من الاطفال بعمر الدراسة يعملون كباعة متجولين للمأكولات والمشروبات وامور استهلاكية اخرى او صباغين احذية وغير ذلك. وهذا محزن جدا فالمفروض تواجد هؤلاء في المدارس بدل الكد المضني لاعالة انفسهم وعوائلهم. كما لاحظنا كثرة تواجد الشباب في المقاهي والشايخانات بسبب البطالة الواسعة في صفوفهم وانعكاس ذلك بشكل سلبي وضارعلى الاحوال الاجتماعية والاقتصادية لهولاء الشباب وعوائلهم. والامر المحزن اكثر وجود الشحاذين والمتسولين من الكبار والصغار ذكورا واناثا.
اعلاه يعكس التناقض في الحالة الراهنة في الوطن. فمع التحسن الامني لا زال هناك اعمال ارهابية ومع القوة الشرائية الظاهرة هناك فقر وعوز وبطالة سواءا ظاهرة او مقنعة على شكل تضخم واضح في عدد العاملين في دوائر الدولة يفوق كثيرا عن حاجتها مما يسبب عبئ على الميزانية وتطويل وتاخير في معاملات المواطنين. وبالارتباط مع ذلك لاحظنا تحسن في دخول المراجعين الى الدوائر وفي طريقة استقبال وتعامل الموظفين معهم ومع ذلك فالروتين لا زال متخلفا وبطيئا مما يدفع بالكثير الى دفع الرشوة الخ. كما ان وضع الخدمات وبخاصة توفر الكهرباء لا زال سيئا ومن دون حل منظور في الافق. في الجانب الاجتماعي وخاصة في الموقف من المرأة لا زال الوضع يشوبه الكثير من الخلل والنواقص. فالى جانب الظاهرة الطاغية لتحجب المرأة فهي بشكل عام لا تستطيع مغادرة المنزل مفردا وفي حالة لا تحجبها عليها التحشم فيما تلبس والتغطية الشبه كاملة. وهي عند ذهابها الى الاسواق او المطاعم وغير ذلك ان تكون برفقة ذكر مثل الزوج او الاب او الاخ او برفقة عدد من زميلاتها او قريباتها الخ. لقد وجدنا امرا غريبا لم يكن موجودا في العقود السبقة ولا يتماشى مع عالم القرن الراهن.
وبسبب ذلك لم اكن شخصيا اخرج الا مرتدية بتحشم لم اعتده والا برفقة زوجي او بعض الصديقات والرابطيات اللواتي تعرفت عليهن. ومع ذلك هناك ظواهر مشجعة بهذا الخصوص. فهناك نشاط ملحوظ لرابطة المرأة العراقية ومنظمة امل واتحاد النساء الاشوري والعديد من منظمات المجتمع المدني. وكذلك هناك مشاركة متزايدة من شبيبة كلا الجنسين في الدورات وورشات العمل التي تقيمها هذه المنظمات لنشر ثقافة وتقليد المساوات بين الجنسين. وهناك مشاركة واسعة للمرأة في مجالات عمل عديدة مثل دوائر الدولة ومولات التسوق والمخازن وحتى في بعض المطاعم والمقاهي. كما تقوم هذه المنظمات بتنظيم وعقد ندوات ودورات تأهيل توعية للمرأة بما يخص حقوقها ورفع ادراكها لدورها وقدراتها. خلال وجودنا شاركنا في مسيرة ضد العنف نحو المرأة التي نظمتها الرابطة وكذلك في الوقفات الاحتجاجية ضد اختطاف الناشطة النسائية والصحفية المعروفة افراح شوقي بسبب جرأتها وشجاعتها المشهودة في نصرة المرأة وقضيتها. ولقد كان لهذه الاحتجاجات وموقف وتحرك السلطات المعنية دورا في انهاء اختطاف افراح وعودتها الى بيتها واطفالها. وكنت ضمن وفد الرابطة لزيارتها لمساندة افراح والاطمئنان عليها. وهنا لا بد ان اشير الى المحاولات الدنيئة للاساءة الى افراح وتخريب سمعتها من جهات معادية لقضية المرأة وحقوقها وجهات ذات علاقة بالخاطفين بنشر دعايات مغرضة بان لها يد في تدبير الاختطاف. ومن المشجع بهذا الخصوص فعالية ركوب الدراجات في مسيرة في شوارع بغداد يشارك فيها العديد من الشباب والشابات سواءا من السافرات او من المحجبات وذلك كتحد ملموس وفعال للقوى المعادية لحقوق المرأة والساعية الى المزيد من قمعها وسلب حريتها واهانة انسانيتها. والاهم من ذلك هو المساهمة الواسعة والنشطة للكثير من النساء والشابات قي مظاهرات ايام الجمع في ساحة التحرير والتي اصبحت تقليدا اسبوعيا بداء بمبادرة من القوى المدنية والان يشمل الالاف من مختلف الاتجاهات وبخاصة قوى التيار الصدري. والامل معقود على هذا التحرك الجماهيري لتحقيق المطاليب الضرورية والملحة في القضاء على التطرف والفساد والطائفية والمحاصصة والاقصاء وتحقيق الدولة المدنية الخ. وهنا لا بد ان اذكر العديد من النساء الجبارات اللواتي رأيت مواظبة حضورهن كل اسبوع في ساحة التحرير: الزميلات شميران مروكل؛ نضال توما؛ سهيلة الاعسم؛ نقية اسكندر؛ د. خيال الجواهري؛ كوريا؛ باسمة شاجا؛ عفيفة وزميلات كثيرات لا تحضر لي اسمائهن الان.
وبتقييم عالي اذكر النشاط الكبير الذي تقوم به الناشطة النسائية كوريا للاهتمام بالنساء والاطفال المشردين والدفاع عنهم وطرح قضاياهم وتوفير العناية لهم رغم العراقيل الكثيرة التي تواجهها ورغم محدودية امكانياتها. وكذلك اشير لنشاط الزميلة سهيلة الاعسم في جمعية "فرح العطاء" ودورها في تأهيل كنيسة مار يوسف التي تبرع بها غبطة البطريرك مار لويس ساكو والتي كانت قد خربتها عصابات القاعدة عندما سيطرت على منطقة الدورة. وتقوم هذه الجمعية في تعليم وتدريب الشباب والاطفال وتسليتهم وتعريفهم بقيم ومبادئ المجتمع المدني الخ. كما اود ان اشير الى نشاط الزميلة نقية اسكندر في مجالات حقوق الانسان وفي جمع التبرعات لمساعدة نازحي الموصل والهاربين من مناطق المعارك في هذه المدينة وجوارها.واود ان اقيم عاليا دور الزميلة شميران مروكل. فبالاضافة الى دورها الفاعل في توجيه وقيادة الرابطة في اوضاع وظروف سياسية واجتماعية وامنية خطرة وصعبة ومعقدة فهي ايضا عضو فاعل في المكتب السياسي للحزب الشيوعي وايضا هي رئيسة كتلة الوركاء البرلمانية واضافة الى ذلك فهي صحفية وفوتوغرافية مشهود لها. وهنا حالفنا الحظ ان نحضر معرضا للصور الفوتوغرافية للزميلة شميران وقد كان معرضا جيدا وقيما في كل المقاييس. كما واشير الى دور الرابطة في تسلية وتعليم الاطفال من خلال مكتبات الطفل في مقر الرابطة وفي مدينة الثورة التي يعمل فيها ناشطات شابات منهن: سهيلة الاعصم، مروة فاضل، كريمة الساعدي وساجدة واخريات وهنا اذكر وبتقييم عالي تبرعات الزميلات الرابطيات في استراليا لدعم مكتبات الطفل مثل الزميلات: الهام داوود؛ وداد فرحان؛ سميرة علي؛ احلام صفار، اغنار، فاطمة، ندى، فوزية واخريات اضافة الى تبرعاتي الشخصية اثناء وجودي هناك. هذا دليل على سخاء جميع الرابطيات في استراليا في دعم تبرعاتنا المتواصلة للرابطة في الوطن. ولقد زرت وشاركت في فعاليات هذه المكتبات ومنها العمل المسرحي لاطفال مكتبة مدينة الثورة والذي عرض في اتحاد الادباء وكان عملا ملهما وناجحا. ومن نشاطات حضرت معرضا للاعمال اليدوية للاطفال في كنيسة العذراء في النعيرية وكان معرضا جميلا وناجحا. كما التقيت العديد من المرات مع ناشطات من هذا الاتحاد اذكر منهن الزميلات جانيت رشو وبهيجة نيشو واخريات. ومن نشاطات الزميلات الرابطيات التي حضرتها كان توقيع ديوان الشاعرة خديجة وكتاب د خيال الجواهري اللذان اقيما في قاعة بيتنا الثقافي في ساحة الاندلس. وفي هذه القاعة ايضا حضرنا مناسبات اخرى مثل يوم الشهيد الشيوعي ومحاضرات ثقافية وسياسية. كما وحضرنا عددا من معارض فنية لفنانين مشهورين. ويجدر ان اذكر دعوتنا لجضور افتتاح المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي والذي كان حفلا سياسيا بامتياز حضرته وحيته جهات الدولة الرسمية مثل رئيس مجلس النواب وممثل رئيس الجمهورية وممثل رئيس الوزراء وممثلين عن القوى السياسية الرئيسية. والقى الجميع كلمات قيمة تدعو الى التعاون والتكاتف لدحر الارهاب وتحقيق الاستقرار والسير قدما بعيدا عن المحاصصة والطائفية ونحو ترسيخ الديمقراطية والوحدة الوطنية الخ.ولدى تواجدنا في الكرادة سرنا الى موقع التفجير الرهيب وشاهدنا الاضرارالبليغة لهذا العمل الاجرامي ويؤسفني عدم التمكن من تصوير الموقع لاسباب امنية. كما وزرت كنيسة النجاة التي كانت بدورها ضحية عمل ارهابي هائل قبل عدة سنين. لقد تم اعادة تعمير وتأهيل هذه الكنيسة الا ان اثار التفجير الاجرامي لازالت موجودة. ان التأثير السلبي العميق لهذا الاجرام سيبقى لسنوات طويلة.
وفي هذه الكنيسة حضرت ما سمي بيوم المسنين نظمته الكنيسة نفسها. وبهذا الخصوص لا بد ان اذكر الاهتمام الواسع في اعياد الميلاد وراس السنة الميلادية في عموم بغداد ومدن عديدة حيث انتشار توفر شجرة العيد وزينته واقامة هذه الشجرة وزينة العيد في الكثير من المناطق والمولات والمخازن والاسواق. وبمشاهدة عيانية كان احتفاء بغداد بمقدم السنة الجديدة ليلة راس السنة شبيها باية مدينة اوربية كما وحضرنا حفلة ساهرة لاحياء ليلة راس السنة. وكان هناك ايضا انتشارا واسعا للاحتفاء بعيد الحب (فالنتاين) حيث توفر مواد احياء هذا العيد والاحتفاء به في الاسواق والمخازن بشكل واسع وكبير وهنا ايضا حضرنا حفلا ساهرا للاحتفاء بهذا العيد. وبشكل عام لاحظنا ولمسنا حبا واحتراما كثيرا للمسيحيين اينما ذهبنا في بغداد وكذلك في مراجعات الدوائر الرسمية. وعندما كنا هناك تم دعوة مسيحيين لزيارة النجف واثارها من الكنائس والاديرة. وبجوار مسكننا في منطقة زيونة كان هناك مجمعا للمسيحيين النازحين من الموصل وسهل نينوى داخل مقر الحركة الديمقراطية الاشورية. كان هذا المجمع يحضى بعناية ومساعدة جهات هامة منها امانة العاصمة ووزارة الهجرة والكنائس والجمعيات والمؤسسات الخيرية الخ. وحظى اطفال هذا المجمع بزيارة وفد من النجف قدم لهم الهدايا وقضوا معهم وقتا من الالعاب وفعاليات التسلية. كل هذا يشيرا الى تقدم في مجال قبول واحترام الاخر. ومن الذكريات الجميلة زياراتنا المتكررة لشارع المتنبي شارع الكتاب والادب والثقافة وكذلك الى مقهى الشابندر العريق الموجود في هذا الشارع وتذوق شايه اللذيذ وايضا زيارة دار المدى في هذا الشارع والقشلة القريبة منه. ومن هذه الذكريات ايضا الجلسات في مقهى رضا علوان في الكرادة حيث جلسات الرفقة والزمالة للاصدقاء والصديقات بشكل مختلظ لتبادل الاحاديث والنقاشات والحوارات اضافة الى تذوق قهوة رضا علوان الطيبة. شيئ هام تغلغل في اعماقنا وقلوبنا اثناء وخلال بقاءنا في بغداد الا وهو عظم المهام التي يواجهها المخلصات والمخلصين من ابناء وبنات العراق وصعوبة لا بل استعصاء ما عليهم تحقيقه في خدمة الشعب والوطن وانقاذهم من الارهاب والتطرف المستشري ومن الفساد والمحاصصة والطائفية المقيتة وغيرها من الافات التي تعيق دربهم نحو الامن والاستقرار ودولة المواطنة الخ مما يتطلب منا نحن في بلدان المهجر ومنها استراليا ان نتفهم الحالة الخطرة والمعقدة وعظم المهام هذه وان نضاعف من جهودنا في دعمهم ومسانتدهم ومساعدتهم بجهود منسقة وموحدة بعيدا عن العقد والحساسيات والانانيات والحسابات والمصالح الشخصية.
هكذا احتضنني الوطن، هكذا عدت الى امي اربعة اشهر ذرفت فيها الدموع وتبسمت ذكريات طفولتي.