طباعة
المجموعة: الكاتب عبد المنعم الأعسم
الزيارات: 1281

اولا:
ما حدث بكل وضوح هو تصدع الحلقة الاساسية في نظام المحاصصة الطائفية والاثنية والفساد والفشل (اقول تصدع لا إنهيار) وذلك بفعل عوامل كثيرة كانت قد فجرتها العملية الانتخابية، وأضهرت حشوتها البغيضة، وقد عبر هذا التصدع عن نفسه في مشهدين، الاول، ما نراه من مآزق خانقة داخل التحالفات السياسية في البيوت الثلاثة، الشيعية والسنية والكردية، وثانيا، في الغضب والغليان الشعبي بين ابناء المكونات جميعا ضد الساسة والزعامات التي تعطي لنفسها حق تمثيلهم، والحال، فلم يعد هناك تكتل(زعاماتٍ واحزاب وقاعدة) في منجى من التآكل والتناحر وانعدام الثقة، فيما اخفقت (حتى الآن) كل الجهود والتدخلات المباشرة الامريكية والايرانية والخليجية في انقاذ وترميم نظام المحاصصة، وفي محاولات احياء التحالفات القديمة او إطفاء بؤر التوتر في صفوفها.
نتائج الانتخابات، باختصار، فاقمت الصراع بين جماعات المحاصصة والفساد والفشل واوصلتهم الى حالة من التخبط والشراسة والفوضى، واحسب ان النتيجة الاكثر دراماتيكية، بالنسبة لهم تتمثل في ما يلي: الكل صار اعداء الكل، والكل يحتاج الى الكل.
في تفاصيل ما حدث، هناك حالات تزوير شنيعة، متوقعة، وفاقت كل توقع، ارتكبها سياسيون ومسؤولون في المفوضية، ووكلاء محترفون بالتلاعب والتزوير، الامر الذي برر اعتراضات مبكرة طالبت باستبدال مفوضية الانتخابات (الممثلة للكتل) بفريق من القضاة وقد عارضت واحبطت هذا الخيار زعامات المحاصصة نفسها التي تفتح الآن النار الآن على مفوضية الانتخابات، وتتهمها بالتحيز والتواطؤ، وتحضّ على تجريمها وتخوينها، ويدخل حلبة العويل سياسيون ونواب لفظتهم قواعدهم وصناديق الاقتراع، واظهر الكثيرون (ممن يأملون اعادة عقارب الساعة الى مربع المحاصصة) غير ما يبطنون من المواقف خلال اجتماعات مجلس النواب، وطهي الحصا، وبعد حريق الصناديق. ما حدث بوجيز الكلام هو انهيار دفاعات المحاصصة، غير ان البديل (اقامة دولة المواطنة) لم يكن مهيئا لاقتحامها وتفليش منظومتها التحتية عبر العملية الانتخابية او من خلال التعبئة الشعبية السلمية، وكانت المقاطعة العفوية المليونية مظهر من مظاهر الخلل الذي حال دون هزيمة ناجزة للمحاصصين والفاسدين، وربما اعطتهم المقاطعة فرصة للبقاء في معادلات السياسة او اعطتهم فرصة لالتقاط الانفاس.
ثانيا:
السؤال الملح الآن هو ماذا سيحدث في لاحق الايام، وقد تجمعت مفاتيح العبور وحزمة الاحتقانات والارادات عند نقطة مصير المطاعن بالعملية الانتخابية، والصورة النهائية لنتائج التصويت؟.
يحتاج السؤال، لكي ينفتح على مقاربة واقعية، الى اعادة صياغة على الوجه التالي: هل ان حربا اهلية ستندلع يصبح معها العراق "امارات حرب" ويتقاسم امراؤها المحاصصون الدماء والارض والثروات؟ ام ان ثمة انتقال سلس ودستوري الى حكومة جديدة على وفق ما يُعلن من تعهدات وتفاهمات: حكومة كفاءات وخدمات؟.
استعجل القول، ان لا هذا ولا ذاك سيحدث، فان حربا اهلية مستبعدة، لأن زعامات المحاصصة فشلت في تأجيج المكاره والخوف بين اتباع الطوائف والقوميات ودفعها الى حمامات الدم واعمال التصفية والاستئصال ان ارضية الحرب الاهلية (الفتنة الطائفية والعداء القومي والديني) لم تتوفر بجانب الاستياء الشعبي العارم على الساسة الذين يعطون لأنفسهم موصوف تمثيل طوائفهم.
والى ذلك، فانه من المستبعد الانتقال الدستوري الهادئ والسلس الى حكومة جديدة غير مكبلة بقاعدة المحاصصة البغيضة، او ببعض تخريجاتها، فالمحاصصون الفاسدون لن يستسلموا طواعية (وبروح رياضية) لمنطق الحق، و في رأيي: ان مخاضا عسيرا سيضعنا، في نهاية المطاف، امام حكومة من الاكفاء والنزيهين، اذا لم يحدث اختراقٌ ما في حلقة ما من المعادلة.. وهو العاقبة لنيات سوداء تعمل للقبض على عقارب الساعة.. وما أدراك ما العاقبة.