لا يزال الشارع العراقي يتساءل عن سبب وفاة الدكتور أحمد الجلبي الرجل الذي ينقسم كثيرون في بلده والخارج حيال شخصية كانت في مقدم وجوه المعارضة التي وقفت ضد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وتعاونت من اوسع الابواب مع الادارة الاميركية. وعندما تراجع مستوى اتصالاته مع واشنطن، أقدم في الاعوام الاخيرة على فتح صفحة جديدة مع ايران. وشكل هذا الرجل لغزاً للكثيرين سواء الذين أحبوه أو كرهوه وهم كثر، ولا يقتصرون على العراقيين.
ويبدو ان الجلبي سواء كان حياً أو ميتاً يشكل مادة للنقاش والاخذ والرد في الحالتين بسبب التراكمات السياسية والاقتصادية التي خلفها في اكثر من ملف. وتراود أسرته شكوكاً عدة حيال وفاته، وتوضح انه كان يتمتع بصحة جيدة ولم يكن يعاني اي امراض. هذا ما يقوله لـ"النهار" شقيقه رئيس "الجامعة الاسلامية" الدكتور حسن الجلبي.
ويروي ان شقيقه أحمد كان مدعواً الى عشاء في السفارة البريطانية في بغداد وعاد الى منزله من دون ان يشعر من معه تعرضه لعارض صحي. وفي الرابعة فجر الليلة التي توفي فيها تلقى اتصالاً من احد مساعديه، ولم يبدُ على الجلبي اي ازمة في النطق ،لا بل انه استرسل في الكلام وأعطى تعليمات لمُحدِّثه. وبعد ساعتين على هذه المخابرة توفي الجلبي، الخبر الذي سقط كالصاعقة على افراد عائلته في العراق ولبنان والخارج. وهو متأهل من السيدة ليلى ابنة الرئيس الراحل عادل عسيران.
وتعتقد اسرة الجلبي أن ثمة جهة اقدمت على تسميمه بغية التخلص منه، لذلك اقدمت على تكليف ثلاثة اطباء اخذوا خزعة من جسمه وارسالها الى المختبر لاخضاعها لسلسلة من الفحوص لمعرفة الاسباب الكامنة وراء موته. والاطباء الثلاثة من ايران وبريطانيا واميركا ويتولون الاشراف على هذه المهمة من دون اي تدخل عراقي بناء على طلب اسرته، ولا سيما اولاده تمارا، مريم، هاشم وعبد الهادي.
وكان الجلبي قبل وفاته قد صرح ان مسؤولين عراقيين اقدموا على تبييض اموال وتهريبها الى مصارف في الخليج. وطالب بفتح تحقيق في البرلمان.
ويقول شقيقه حسن "لدينا شك كبير في ظروف موت أحمد خصوصاً أنه كان في صحة جيدة. ولم توح حركة نشاطه انه يعاني امراضاً. ولذك طلبنا من لجنة من الاطباء الاختصاصيين من خارج العراق لمعرفة أسباب وفاته وسيصدرون تقريراً مفصلاً في الايام العشرة المقبلة".
وفي سؤال عما إذا كان لديه شك في ان شقيقه لم يُتوفَّ في ظروف طبيعية، أجاب: "نعم لدينا هذا الشك. وثمة جهات عدة لم تكن ترتاح الى سياسته والقرارات التي يتخذها".
وإلى مَن يوجّه أصابع الاتهام، يقول: "انها اصابع عراقية".
وعلى الرغم من هذا الموقف الذي أطلقه حسن الجلبي، غير أنه يشير إلى أن المسؤولين العراقيين من رئيس الجمهورية فؤاد معصوم الى رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي وسائر المسؤولين واعضاء مجلس النواب والشخصيات "تعاطوا معنا بكل ايجابية وتقدير، ولا سيما ان الفقيد هو خسارة للعراق الذي احبه وعاش معه طوال مسيرته ".
وتناقلت وسال اعلام محلية وعربية ، تصريحا منسوبا الى مصدر سياسي، قال فيه إن تقريرا عن وفاة أحمد الجلبي زعيم المؤتمر الوطني العراقي وصل الى رئيس الوزراء حيدر العبادي والمخابرات والامن الوطني، فيما عتمت الجهات المذكورة عن التقرير الذي يؤكد ان الجلبي مات مسموما.
وبحسب المصدر “فان رئيس الوزراء حيدر العبادي والمخابرات العراقية والامن الوطني تسلموا تقرير المعهد الطبي الاميركي في نيويورك والذي كشف ان سبب وفاة النائب الجلبي هو تناوله جرعة من السم دست له في فنجانين قهوة قبل وفاته بست ساعات والتي ادت الى مضاعفات وتخثر الدم الشديد ثم السكتة الدماغية ومن ثم السكتة القلبيه والوفاة مباشرة”.
واضاف المصدر الذي طلب عدم كشف هويته ان”الجهات المذكورة تسلمت خلال الـ”24″ ساعة الماضية هذا التقرير وتم التعتيم عليه ولم تصدر أي تصريحات حول ذلك، فضلا عن فتحها تحقيقات سرية في الموضوع″.
ولم يصدر عن الحكومة العراقية ، حتى الان ، ما يثبت صحة او كذب هذه المعلومات ،وسبق لاسرة الجلبي كلفت المعهد الطبي الاميركي في نيويورك بعد ان اعلنت جهات طبية عراقية ان سبب وفاته طبيعي .
وكان أحمد الجلبي مؤسس المؤتمر الوطني العراقي وزعيمه، توفي مساء 3 تشرين الثاني/نوفمبر بعد نوبة قلبية حسب بيان بثته قناة العراقية الرسمية. وفور إعلان نبأ وفاته، توالت النعايا والمقالات الصحفية التي رثته ومدحته ؛ أما العراقيون، فلم يكن بمقدور الكثير منهم سوى الربط بين قرب وفاته المفاجئ من ما كان يوشك على كشفه من تفاصيل حول “عصابات الدولار” التي حذر من مغبة التغاضي عن نشاطاتها في آخر لقاءاته المتلفزة. وفي المقابلة التي أجراها قبل شهر من وفاته، قال الجلبي إن الحملة الإعلامية ضده والتهديدات التي تعرض لها لن تمنعانه من “الوصول إلى مكامن الفساد وفضح العصابات” التي استأثرت بثروات الشعب، خاصاً بالذكر “عصابات الدولار”،وكان يقصد بهم ” بعض المتنفذين في البنك المركزي العراقي وبعض البنوك الأهلية” ، حسبما ورد في المقابلة ؛ الذين ربحوا أموالاً طائلة من خلال شرائهم الدولار بأسعار زهيدة وتهريب مئات المليارات من الدولارات خارج البلاد، جنوا خلال ثلاثة أعوام 10 تريليون و880 مليار دينار عراقي على الأقل وفق الكشوفات التي وضع الجلبي يده عليها وسلم نسخ منها الى اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي.