طباعة
المجموعة: حوارات
الزيارات: 3800

Amna Alhalabyاجرى الحوار الاعلامية آمنة بدر الدين الحلبي / جدة

عندما تشع يرقة ضوء الليل، تنبعث الحياة في قلوب العاشقين، وعندما يُكمل الليل تنميق ثوب السماء بجواهره الفضية، تبتسم آلهة الحب من بين الطلول، وعندما تعود العصافير الدورية لعبق الياسمين تبدأ إيقاعات القصيدة بتراتيل شجية لتقطن حبة القلب الوردية، هذه القصيدة ترتكز على محاور أساسية في الحياة الزوجية، وتخترق مساحة كبيرة منها، كون الرجل الشرقي الثائر بطبيعته، ودائم البحث عن قصيدة جديدة بلغة تُصاغ مفرداتها برائحة الحب، وتُنمَّق عبقها بأنفاس العشق، وتُحاك أبجديتها من قلب المرأة المعطاء لتنسكب على شهد الرضاب، فهو في بحث دائم عن النحلة المختلفة، عن الشهد. "بانوراما" التقت الدكتورة ميسون دخيل سعودية الجنسية شامية الهوى، الحاصلة على ماجستير في "التربية والتنمية البشرية"، ودكتوراة "فلسفة في التربية" لتفسر هذا العشق في قلب الرجل والمرأة على حد سواء!!!

ـ هذا يعود للبيئة الاجتماعية التي نشأ فيها، والبيئة المدرسية التي تلقى العلم منها، والبيئة الثقافية التي يعيشها، والخبرات التي يمر فيها، وكلها أمور تختلف من رجل إلى آخر، وبالتالي التأثيرات تختلف من شخص إلى آخر منها بيولوجية، والبعض الآخر بيئية، وعلى سبيل المثال لا الحصر لو عاش الطفل حياة أسرية جافة خالية من الحب والحنان والاحتضان، لكبُر يحمل بين أعماقه حرمانًا عاطفيًا كبيرًا، وأول مواجهة مع الحياة الطبيعية، يقيسها من منظاره الخاص بثقافة العيب التي ارتبطت طفوليًا بعقله الباطني، وثار عليها، لأنها حرمته احتضان حقيقي من الوالدين، لتأتي الزوجة وتصطدم بواقع مرير، وكأنها مرهونة وحدها للعطاء.

ـ هذا صحيح، ولكن كيف لامرأة تحمل في أعماقها ثقافة العيب أن تحتضن زوجها الرجل الشرقي وتقدم له الحب والحنان، لذا يثور على الواقع، غير مبالي بما تربت عليه الزوجة، منتظرًا منها العطاء!! وفاقد الشيء لا يعطيه.

ـ ثقافة العيب تحدها، والخجل يمنعها من إعطاء الغذاء الروحي لزوجها، ابتسامتها محجوبة، ومشاعرها مكبوتة، وكلمتها معتقلة، تنتظر خط المبادرة من "سي السيد" وهو الرجل الشرقي الثائر دائمًا لا يحرك نبض المشاعر بين جدران الحياة الأسرية لأنه لم يألفها من والديه، فيبحث عن فراشة غريبة تعطيه بلسم الحب، بتراتيل شجية، دون أن يدرك أن فراشته الحقيقية هي زوجته تستطيع أن تجعل الحياة تبتسم من بين الطلول بإشارة واحدة منه.

ـ الاثنان معًا ـ الزوج والزوجة ـ يقع على عاتقهما بناء القصيدة الزوجية التي تدوم بحرارة البراكين.

ـ الثورة أتت نتيجة الحرمان الروحي والعاطفي، يريد خط المبادرة من زوجته، ويمارس لغة الصمت المقيت، ولغة الغياب عن الواقع لذلك نسبة الطلاق في المملكة العربية السعودية بارتفاع مستمر.

ـ الأسرة والمجتمع بأكمله عن ثقافة العيب أولا وأخيرًا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "لا حياء في الدين" من أجل بناء القصيدة التي ترتكز على محاور أساسية في الحياة الزوجية، ولإعمار الأرض يجب أن نبني علاقات أسرية سليمة.

ـ الثقافة الأسرية المبنية على الحب والمحبة الحاضر الغائب في مناهجنا المدرسية، وكأن المرأة خُلقت فقط للإنجاب ولدخول المطبخ، متناسين أن الزوجة هي الحبيبة والعشيقة أيضًا، فكلمة الحب والمودة والرحمة وردت في القرآن الكريم بأكثر من موضع فلماذا ننكرها على الأزواج لنرويهم منها قبل أن يضرب الفاس بالراس وتنهار الأسرة بالطلاق أبغض الحلال.

* هل تغير المفهوم الأسري مع ثورة العصر؟

ـ بالتأكيد تغير بعدما أرخت الثورة التقنية بظلالها الكئيبة على الأسر السعودية بأكملها نظرًا لعوامل عديدة منها الفضائيات السيئة التي عرضت الغث والثمين، إضافة لتعليم المرأة التي منحها الشخصية الاستقلالية وحق الفيتو في التعبير عن الرأي، مما جعلها في مواجهة مع الرجل الشرقي فكريًا وعقليًا، ووضعها في خط مواز له في الأسرة، وهذا ما يرفضه بعض الرجال السعوديين معتبرين أنهم العقل المفكر والمدبر متناسين أن أم سلمة رضي الله عنها أبدت رأيًا سياسيا صائبًا في صلح الحديبية وأخذ رسول الله عليه الصلاة والسلام به.

ـ قائمة على الحب والاحترام المتبادل قائلة: للولد "أختك سندك وأنتَ سند أختكَ" فلا ترفع صوتك بمن يكبرك سنًا واستشيرها في الرأي لأنه "أكبر منك يوم أعرف منك دوم" حسب المثل الشعبي، وناقشها بأدب، فإن أردت شيئًا فاطلبه بمحبة لتأخذ بمحبة.

ـ بالطبع أعرف كل شيء عنهما بالحب والاحتضان وآخذ برأييهما في بعض الأحيان، صداقة متكاملة ومسؤولة في حدود الاحترام.

ـ تعلمت أكثر من الحياة ومن ثقافة الحياة، ومن قراءة الحياة، ووظفته لبناء أسرة متماسكة.

ـ مدمنة قراءة فإن لم أجد ما أقرأه في السيارة أفتح ورقة الدواء لأقرأها، فالقراءة كل حياتي وليست جزءًا منها، كونها الغذاء الفكري والروحي لعقلي والراحة لجسدي، وبدون القراءة لست موجودة.

ـ والدي هذب نفوسنا على القراءة وحب المطالعة، وغرسها كشتلة لها عبق الياسمين والريحان، لتنمق حياتنا الأسرية بمفرداتها، وتحيك طوق الياسمين من أبجدياتها.

ـ "تاريخ سورية القديم" قبل الميلاد أي تاريخ سورية السرياني الذي خرج منه العالم بأسره، للدكتور أحمد داود دمشق دار الشرق للطباعة والنشر .

ـ سورية القديمة أي المركز للعالم.

ـ أعطانا المنهج التاريخ بأكمله، وقسم لنا اللغة والجيولوجيا والتحرك للشعوب من البحر الأسود إلى البحر الأحمر حتى اسبانيا والهند مع استشهاده بكل المستشرقين الذي وضحوا بأن المركز العالمي انطلق من سورية القديمة.

ـ مسؤوليتي كتربوية لا تقتصر فقط على المادة الأكاديمية بل تتعداها إلى تدريس الطالبات حياتهن ومجتمعهن وحقوقهن، وكيفية تحديهن لقدراتهن العقلية لتحقيق أهدافهن العلمية والعملية، وتوصيلهن إلى نقطة مهمة وتساؤل أهم ماذا بعد في جعبتي لهن من علوم معرفية وثقافية بعيدة عن الموضوع ومرتبطة به بآن واحد لأحثهن على طلب المزيد المعرفي لهؤلاء الطالبات اللواتي يأتين من مختلف مناطق المملكة لإرواء عطشهن الثقافي والمعرفي.

ـ هل تصدقني "بانوراما" إن قلت لها: أنا أغنى أغنياء العالم نتيجة ارتباطي الروحي بطالباتي، عندما أرى الانطباع مرسوم على وجوههن، فأدرك أن معلومتي الثقافية استوطنت في قاع الذاكرة ولن تبرحها مطلقًا .

ـ تفتحت مراهقتي في بيت الزوجية ومع زوجي الذي احتضنني بفكره الواعي، وبثقافته العالية، حيث أهّلني لمتابعة تحصيلي العلمي.

ـ كنتُ عاشقة للقراءة، وأحببت لعب دور ست البيت ولكن زوجي الدكتور وهيب صوفي وأسرته المتعلمة والمثقفة دفعوني لمتابعة دراستي ونيل الدكتوراة ومهدوا أمامي الطريق.

ـ فتح أمامي مكتبته كاملة، وإن سألته عن موضوع علمي أو فلسفي وجهني لمكانه في المكتبة فقط.

ـ طبعًا ولكن ليس على حساب الأسرة، أو على حسابه شخصيًا، فكانت الأمور محسوبة ومنظمة.

ـ يغازلني بوردة الغاردينيا التي أحب.

ـ رسالة على الجوال منه "أي شيء أهديه إليك يا ملاكي".

ـ مهما كانت كلماتي جميلة، تبقى عاطفته الجياشة واصلة لدرجة العشق.

ـ أتمنى ذلك ولكن عشقي يبحر في اللغة العربية ومفرداتها وشعرها وأبجديتها.

* أين مرتبة أولادك بهذا العشق؟

ـ أجمل هدية قدمها زوجي لي.

ـ مطلقًا، أنا من يحب التغيير، وعدة نساء في امرأة واحدة.

ـ بل ثقة المرأة بشخصيتها.

ـ تريحني، لكنها تربك زوجي ولا يحب رؤيتها.

من يغير صهيل الأحزان الزوج أم الزوجة؟

ـ زمان كان زوجي يغير الصهيل، واليوم من بدأ في الصهيل يغير الأحزان.

ـ ولم لا!! تعلمت منه الكثير، فلِما لا أتعلم الاعتذار إن أخطأت في حقه أو في حق غيره، وطاغور قال في دعائه: "يا رب إذا أخطأت في حق الناس فامنحني شجاعة الاعتذار، وإذا أخطأ الناس في حقي فامنحني شجاعة العفو".

ـ أجل لكل إنسان أخطأت في حقه مهما كان مركزه الاجتماعي وإن كان سائقًا عندي، فإن لم ولن أفهم ثقافة الاعتذار، فلن أكون ميسون الدخيل الإنسانة.

ـ عندما يقل رصيد أحد الطرفين في العطاء على حساب الطرف الآخر، فالعلاقة الزوجية يجب أن تكون تكافؤية في كل شيء.

ـ لا ولكنها تستقبل وترسل موجات مغناطيسية للرجل كالفراشات أو كعصافير الحب.

ـ عندما تتخلى عن إنسانيتها.

ـ قوته ورقته ويفاجئني بين الفينة والفينة بعشق جديد.

ـ أنتَ قنديل حياتي..  

لا بل أنتَ موقد مشتعل في شتاء حياتي..

إن اقتربتُ منك ذاب صقيعي ورقص الدم في عروقي. وإن اخترت البقاء تجمدتُ داخل بياض ثلج العفة والتطهر.

ـ لدرجة أنني أعيش في الحلم، وأجد فيه كل ما أحتاجه في هذا العالم الموجود في خيالي.

ـ كوني أكره هذا العصر، فأنا عاشقة لدمشق أيام زمان حيث كانت الثقافة مشتعلة والشعر ملتهب في المجالس الأدبية والعلمية الرائعة، والمرأة جزء لا يتجزأ من هذه المجالس.

ـ أحب عبق البراري والحقول في الشام، وأشتاق لرائحة الصنوبر في بيروت، وتشدني رائحة الأعشاب الندية على ضفاف الأنهار، لتستوطن نسائم الغوطتين في قفص الذاكرة.

ـ طفولتي عشتها بين سوريا ولبنان، حيث درست في لبنان واشتممت رائحة الأهل في سوريا لأحضن عبق الياسمين، وأبحث عن نفسي الحقيقية.

ـ ما زلتُ أبحث عنها بين مكنونات الكتب وصفحات الروايات لأطور من قدراتي العلمية والمهارات الثقافية.

ـ أنشدُ عالمًا بين أكوام البيادر، لتدرسني حبات القمح همسًا وأغنية من بين الطلول، وتبقى رائحتها في أنفاسي.

ـ في منطقة خليص، حيث كانت الرائحة تتداخل مع أنغام صوت المياه التي تنطلق من التراكتور ليلا أثناء تجمع الأهل.

ـ ليست كلمة واحدة، تصلني المشاعر المتجددة والأحاسيس الجياشة متحدة مع الطاقة والصوت بآن واحد.

ـ قبول الآخر بإنسانيته والحوار معه، للتعرف على لغته وحضارته وثقافته.

ـ امرأة سعودية سفيرة لبلدي.

ـ أقول للزوجة اجعلي التضحية شعارك معجونة بالحب والمحبة والسعادة دون مقابل، ولا تنسي نفسك من العطاء، لتعيشي حياة زوجية سعيدة.