طباعة
المجموعة: حوارات
الزيارات: 1842

"بانورامـا" في ضيافـة الاديبـة الناقدة الدكتورة حـذام بـدر

حاورها علاء الماجد/ بغدادalaa almajid

ولدت في بغداد واكملت دراستها الاعدادية فيها، بكلوريوس لغة عربية/ كلية التربية للبنات/ جامعة بغداد، ماجستير لغة عربية/ أدب/ كلية التربية للبنات/ جامعة بغداد، دكتوراه في الأدب الحديث/ كلية التربية للبنات/ جامعة بغداد عن أطروحتها الموسومة(حداثة الشعر في مجلة حوار) 2011م.

صدر لها :

لها مقالات وبحوث نشرت في الصحف والمجلات العراقية منها:

انها الاديبة الناقدة الدكتورة حذام بدر التي التقيناها واجرينا معها حوارا شاملا، هذا نصه:

- يجب التمييز دائما ما بين اللغة الشعرية واللغة العادية او المعيارية فالشعر في أساسه فن لغوي أدائه الكلمة لذا فجوهر الشعرية قائم على اللغة بكل مساراتها ابتداء بالصوت ومرورواً بالمفردة وانتهاء بالتركيب، وإذا أمنا أن الشعر تجربة فالكلام هو تجل لتلك التجربة ولعواطف الشاعر وأحاسيسهفالشعر بنية لغوية معرفية جمالية ونحن بالدرس النقدي نقوم بتحليل بنية اللغة الشعريةوإذا كانت اللغة المعيارية وسيلة للتعبير المباشر عن مقولة ترغب في إيصالها أو توضيحها فإن اللغة في الشعر غاية فنية تقوم بتأدية المعنى وخلق فن وعلى هذا فان اللغة الشعرية غالبا ماتنزاح عن اللغة المعيارية لأن هذا بالضرورة شرط من شروط الشعر كما يرى كوهن .

- عموما هناك خلط كبير بين المصطلحين إلا أن فقه اللغة بشكل عام يقوم بدراسة الحضارة والأدب عبر اللغة فهو يحاول الكشف عن اسرار اللغة ويبين القوانين التي تسير عليها وتطورها، في حين أن علم اللغة يقوم بدراسة اللغة لذاتها من ناحية الاصوات وبناء الكلمة وبناء الجملة والدلالة، ففقه اللغة أوسع من علم اللغة لانه يمثل حلقة الوصل بين علم اللغة والدراسات الأدبية والإنسانية.

- هناك تدني كبير بمستوى الكتابة والتعبير بشكل عام، وهذا بالتأكيد ينعكس على المؤسسة الثقافية بوصفها جزء من مجتمع يعاني من هذه المشكلة.

فقد وجدت عبر عملي بالتدريس في الجامعات العراقية أن هناك تدني لدى الطلبة فكتابتهم تشتمل على الكثير من الأخطاء الإملائية والنحوية فضلا عن الأسلوبية وهذا كله بسبب قله القراءة، فوسائل الاتصال الحديثة الآن تقوم على تبديد الوقت، ولاتجعل هناك وقت للقراءة حتى لمن هم متعودون على القراءة، فكيف بأجيال لم تعرف أصلا هذه المتعة ولم تتعود عليها، المشكلة هي أن الأجيال الجديدة ليس لديهم مصادر معرفة غير الاختلاط باقرانهم الذين يعانون من المشكلة نفسها لذا هم يتعودون على الكتابة الركيكة المليئة بالأخطاء.

-أنا لست مع نمط معين بكتابة القصيدة بقدر ما أنا مع القصيدة نفسها، والتسيد دائما للإبداع بغض النظر عن الطريقة التي تكتب فيه، فسواء كتبت القصيدة بالطريقة العمودية أم التفعيلة أم بشكل قصيدة نثر وكانت قصيدة معبرة فستفرض حضورها والعكس صحيح.

- كل ما كتبته هو عن الحداثة، لأن هذا جزء من تخصصي أولا، ولأني ميالة للبحث عن التيارات التجديدية التي انحرفت عن المسار التقليدي، لأن البصمة غالبا لمن ينحرف عن التيار، فما الجديد في أن نكرر ما يفعله الآخرون.

-لقد كتبت عن القصيدة الشبابية أو قصيدة الشعر واجد أن ما قالته سوزان برنار ينطبق على ما قام به هؤلاء الشباب فهي تجد أن الإفراط في التشتت شأنه شأن الإفراط في الترتيب يخاطر بتحويل مجرى التدفق اللفظي عن اتجاهه،وإذا كانت المغالاة في الشكلية تقود إلى التصنع والتحجر، فان التشويش المنهجي، وتحطيم أي شكل يقود على النقيض إلى اللاشكل،وهذا بالنتيجة يؤدي إلى التفكك ويختفي منه كل معنى ممكن؛ وإذا ما أردنا تحطيم أي إمكانية في التنظيم الشعري، فإننا سوف نحصل على أكثر من فوضى لايمكن حل رموزها،وهذا ما وصلت إليه أكثر قصائد النثر اليوم مما جعل هناك قطيعة بين المتلقي والشاعر، ومما سبب القول بان الشاعر اليوم يكتب لنفسه، فقصيدة النثر يجب أن تكون لا مجرد قطعة نثر، فالإيجاز والكثافة والمجانية هي بالنسبة إليها ذات عناصر حقيقية مكونة لايمكن لها أن توجد من دونها؛ وأن حيويتها تنشأ من اتحاد قوتين متناقضتين، قوة فوضوية مدمرة، وقوة تنظيمية فنية. فإلى أي مدى التزم الشعراء بذلك؟

-يقوم النقد الأدبي بسبر التجارب الإبداعية واكتشاف معطياتها، وتوضيح أسرارها للقارئ خصوصاً، كما تساعد المبدع على تلمس الملامح الفنية للعمل الذي يشتغل فيه، والطريق التي يذهب إليه .وهناك من النقاد من أسهم في تطور الحركة الأدبية عموما وبدرجات متفاوته .إلا أننا في السنوات الأخيرة نشهد فجوة بين التجربة الشعرية الجديدة والدرس النقدي ربما يكون السبب وراء ذلك عدم التتبع من النقاد للنصوص الإبداعية الجديدة والنظريات النقدية الحديثة التي تتوالى بسرعة هائلة تستعصي على الكثير اللحاق بالركب، فمثلما يحاول المبدع اكتشاف أدوات جديدة في الكتابة، يجب على النقاد اكتشاف أدواته في النقد.

فالأدوات النقدية القديمة باتت تقصر عن مجاراة ما يحدث على صعيد الكتابة الأدبية.

-هذا التصنيف غير صحيح، وفضفاض ويتحمل أكثر من وجه فتاريخ العراق حافل بالمشكلات التي تكاد أن تكون كثيرة ومتشعبة أجبرت الكثير من الأدباء في ترك موطنهم والسفر إلى الخارج، منذ سبعينيات القرن الماضي ولحد الآن ولكل أسبابه المختلفة والمتقاطعة مع الآخر، والكاتب بشتى صنوف الإبداع عندما يكتب عن تجربة العراق يبقى العراق في وجدانه، وهو يصور تجربته سواء بالمنفى أم في الداخل غير أننا لا نستطع أن ننكر أن ما يكتبه عن تجربه حقيقة يختلف تماما عما يسمعه من الآخرين.

-تأثرت الثقافة العراقية بمسار التجربة السياسية العراقية، قبل التغيير وبعده، فقد عانت الثقافة العراقية من تكميم للحريات بسبب الأنظمة الشمولية والدكتاتورية بشكل عام، ثم بعد التغيير أصبح هناك تكميم وتقييد لكن بطرق أخرى مختلفة ولا يزال المثقف العراقي غير قادر على قول كل ما يريد بحرية مطلقة، وقد يعود كل ذلك لأسباب اجتماعية بالشكل العام سببتها الأمراض التي عصفت بالمجتمع العراقي جعلت منه مجتمع قائم على تهميش الآخر وقمع حرياته.

-كلاهما يمنح الآخر الطاقة المستمرة فبلا نقد لايوجد شعر كما أنه بالمقابل لايوجد شعر بلا نقد وعلى هذا فالنقد صيانة للشعر، ووسيلة لتنقيته من العيوب التي تنفر المتذوق، وأظن أن هناك تجارب شعرية يحتفي بها النقد أكثر من غيرها، فالشاعر غالبا لا يعي الجمال حينما يبلغه وهو تحت نشوة القصيدة إلا من خلال ناقدٍ يتتبّع رحلته إليه بوعي فالعلاقة بينهما علاقة نشوء وتخلّق.

-كانت القصيدة العربية في بواكيرها كالبنية الحية لكل جزء وظيفة فيها ويؤدي بعضها إلى بعض عن طريق التسلسل في التفكير والمشاعر ومن مستلزمات هذه الوحدة أن تتحرك القصيدة عن طريق التتابع المنطقي، وأن تكون الصلة بين أجزائها محكمة، وأن تترتب فيها أجزاء الفكرة وتنمو الصورة، ولكن الأمر اختلف إلى حد الانقلاب مع قصيدة الحداثة العربية المعاصرة وبخاصة ما بعد قصيدة رواد الحداثة، فهي لا تبدو بنية محكمة مترابطة في خطها الأفقي كما كانت القصيدة الكلاسيكية ولا بنية حية ذات وحدة عضوية ظاهرة كما كانت القصيدة الرومانسية، وإنما تبدو بنية مخلخلة متشظية متشذرة بفراغاتها وغياب روابطها.

وصار القارئ على وفق نظرية التلقي، هو الذي يملأ فراغاتها ويقيم روابطها ويمنحها تماسكها.

وإذا كانت الحرب سبباً لنشوء الكثير من المدارس الحديثة ولعل (كمال أبو ديب) مصيبا جدا عندما يرجع نشوء هذه الظاهرة التي تفشت في قصيدة الحداثة الى ما اسماه بـ (لغة الغياب) ويرى بأنها أي لغة الغياب تزداد بروزاً وانتشاراً كلما زادت درجة الانهيار والتفتت على مستوى المشروع السياسي – الاجتماعي - الاقتصادي لحركة التحرر، وكلما تصاعدت درجة الاختلاط والالتباس في المعطيات السياسية -الاجتماعية- وكلما ازدادت درجة الهلامية والانسيابية في التركيب الطبقي العربي، ومن التفكك الاجتماعي وتغير أنماط الحياة الاقتصادية والعلاقات القائمة بين الأنماط الإنتاجية في المجتمع.

وأظن أن هذا ينعكس ليس على مستوى الشعر فقط وإنما على كل صنوف الحياة.

- في مجتمع اقرب إلى التخلف منه إلى المحافظة تجبر المرأة المتعلمة احيانا بالاشتغال بقضايا النسوية عندما ترى الحيف الذي تعانيه الكثير من النساء اليوم، وهذا الحيف تكاد تكون الحروب المتكررة السبب الأول فيه، فالمجتمعات التي تعاني من الحروب يقع العبء الأكبر فيه على المرأة وتمارس عليها ضغوط كبيرة وحجب للحريات بشكل كبير، ولعل نصر حامد ابو زيد مصيبا عندما بين أنه عندما ينسدل ستار الركود على عقل الأمة وثقافتها يتمظهر هذا الاحتلال أول ما يتمظهر على المرأة روحا وعقلا وجسدا، وهذا يعود لكون المرأة الحلقة الأضعف التي يبدأ منها الإنكسار والتراجع الاجتماعي والفكري، كما وأن تواتر الهزائم يوقظ النعرات العرقية والطائفية ويبعثها من مرقدها، وينشط فيها خطابا سلطويا قاهرا عاجزا عن الانصات ورافضا للحوار، يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، ويزعم لنفسه مرجعية عليا، وهذا بالضبط ما يحصل اليوم، لذا أجد من واجبي بوصفي أكاديمية محاولة تسليط الضوء على بعض القضايا المهمة التي تعانيها المرأة، سواء بالحياة أو بالأدب فالكاتبة والشاعرة هي بالنهاية امرأة تحاول التنفيس عن مشكلاتها، إلا أنني أفضل دائما عدم الانجرار وراء النظريات سواء النقدية منها أم النسوية لأنها بالنهاية من صنع إنسان وهي قابلة للخطأ والصواب، لذا من الأفضل أن تكون لنا بصمتنا الخاصة بهذا الشأن.