طباعة
المجموعة: الكاتب عبد الزهره زكي
الزيارات: 948

توسع قدامى النقاد العرب في باب السرقات حتى بات المرء يشك أن يكون هناك بيت واحد من الشعر لا تطله شبهة السرقة، لكن هؤلاء النقاد أفاضوا في التبرير والتسويغ حتى ليكاد المرء يقول إن ليس ثمة من سرقة في الشعر.     
لقد جرت التوسعة والإفاضة، بالتعسف، بحيث جرى إدخال ما ليس من السرقات في هذا الباب الذي جرت تسميته سرقات الشعر، فيما تم التوسع، بالتسامح، حتى جرى تسويغ بعض السرقات فلم تحسب على السرقة.
لم يخطئ النقاد العرب بتعسفهم، ولم يتساهلوا بتسامحهم، لكن الخطأ في هذا الحقل النقدي المهم كان يكمن في التسمية التي أُسبغت عليه: (باب السرقات)، وكان المراد به هو الأخذ).
(الأخذ) هو مفهوم تفاعلي محايد أخلاقيا؛ فهو ينطوي حينا على قيمة سلبية حين يكون (الأخذ) سرقة، سواء بالانتحال أو الغصب أو الإغارة (وهذه كلها من أصناف السرقات في لغة القدامى)، كما ينطوي حينا على قيمة إيجابية، سواء بالتوليد أو الاجتلاب أو الاتباع (وهذه أيضا من أصناف السرقات في لغتهم).
حين يقال إن (س) أخذ من (ص) شيئا؛ فإن التعبير يظل محايدا بالنسبة لسامعه، قد ينصرف باله معه إلى السرقة وربما يتوقف عند حدود التعاطي بين الناس.
(الأخذ)، وهو مفهوم قديم جرى استخدامه بسياقات مماثلة، هو الأقرب إلى مراد النقاد من مفهوم (سرقات الشعر) الذي جمع السرقة والتأثر والتفاعل في باب واحد.
وبموجب النقد العربي القديم لا تمكن الاستعانة بالمفهوم الغربي المعاصر (التناص) كبديل للسرقات؛ التناص علم آخر وثيق الصلة بجانب فقط وليس بجميع جوانب باب (سرقات الشعر).