طباعة
المجموعة: الكاتب جمال علي الحلاق
الزيارات: 1586

آليّات تهريب الحقيقة التاريخية

  

( فرانكشتاين في بغداد )*

" – أنت مجرّد ممرّ يا هادي. كم من الآباء والأمهات الأغبياء أنجبوا عباقرة وعظماء في التاريخ، ليس الفضل لهم، وإنّما لظروف وأحوال وأمور أخرى خارجة عن سيطرتهم. أنت مجرّد أداة، أو قفّاز طبّي شفّاف ألبسه القدر ليده الخفيّة حتى يُحرّك من خلالها بيادق على رقعة شطرنج الحياة " ( فرانكشتاين في بغداد : 142 ).

إنتباهات بدئية

أريد أن أقول هنا أنّ صرامة القصديّة – حيثما كانت - لا تمنع القارئ من أن يكون له ركنه الخاص أو زاويته غير المضاءة في النصّ، وهذا جزء آخر من الثعلبية التي تمتلكها المفردة والجملة في جرّ القارئ بعيداً عن الكاتب من أجل توسيع دائرة النصّ ذاته، إنّها نهاية مساحة المؤلف وبداية مساحة القارئ، أو نهاية زمن المؤلف وبداية زمن القارئ، في كلّ الأحوال، النصّ هو الذي ينمو ويتّسع، وكأنّني أتحدّث تماثل غامض بين النص والكون.

ذكاء سعداوي تجلّى في جعل الأحداث تتمّ بسطحية تامّة بعيداً عن محرّكاتها العميقة، كإِن يتحدّث عن خفوت واضمحلال شخصيّة إزاء توهّج وصعود شخصيّة أخرى، مثل إضمحلال شخصيّة (أبو أنمار) إزاء توهّج شخصيّة ( فرج الدلال)، لقد تحاشى سعداوي بذكائه المدهش أيّ حوار إيديولوجي بين الشخصيّتين، لكنّه كرّس شراهة (فرج الدلال) في امتلاك كلّ ما يمكن أن تقع عليه يده من بيوت وفنادق، سواء عن طريق شرائها أو التجاوز عليها، مثلّما كرّس إحباط (أبو أنمار) من إنكماش عدد زبائن أو روّاد فندقه.

لعبة سعداوي الذكيّة كمنت في إختزال الحوار الجدلي الى عنوانين متواجهين، (مكتب دلالية الرسول) مقابل (فندق العروبة) على الضفة الأخرى من الشارع ( فرانكشتاين في بغداد: 18 )، بل إنّه بدأ بهذين العنوانين قبل أن يجرّنا الى شخصية "الشسمه: الذي لا يعرف له إسم"، أي أنّه كشف لنا منذ البدء إتّجاه الصراع دون أن يدخل في تفاصيله، إنّه صراع بين (حسّ ديني) إزاء (حسّ قومي)، سيتنامى الصراع مع صعود شراهة ( فرج الدلال ) في التملّك والإحتلال، وضمور واضمحلال قدرة (أبو أنمار) على إعادة تأثيث فندقه القديم، الأمر الذي يدفعه في النهاية الى بيع الفندق الى مكتب دلالية الرسول والنزوح بعيداً عن بغداد.

ومرّة أخرى تجلّى ذكاء أحمد سعداوي في أنّه جعل حضور المكان القديم لا بأهله ، بل بما تبقّى من رموزه المعمارية.

سنرى أيضا عبر إشارات وأحداث وردت في صلب الرواية كيف يساهم الجميع (ضحايا ومافيات) في عملية تهريب الحقيقة التاريخية من زمان الى آخر، أو من مكان الى آخر، بعضهم يفعل ذلك عن قصد، وبعضهم يؤدّي دوره في عملية الحفاظ باعتباطية بعيدة عن القصد، أو حتى دون أن يدري.

آليّات تهريب الحقيقة التاريخية

علينا أن ننتبه بدءاً الى أنّ عملية تهريب الحقيقة التاريخية قد تتمّ بقصدية تامّة، وأنّها قد تتمّ بدون قصد تماماً، وبشكل إعتباطي، لكن، سواء أكانت العملية قد تمّت بقصد أو بغيره فإنّها تقود الى نتيجة واحدة.

سأحاول هنا أن أركّز على الطرق التي أثارتها رواية (فرانكشاتين في بغداد) لأحمد سعداوي سواء أكان ذلك بقصد من المؤلف أو بغيره، رغم أنّني أرى أنّ الرواية مكتوبة بقصدية تامّة، بل تبدو لي أنّها مُتْقَنة كمعادلة رياضية.  

لقد عثر (هادي العتّاك) بمحض الصدفة على آيقونة شجرة محفورة بإزميل على حجر، وهي رمز يهودي، ولأنّ هادي يعمل بائع خردة أو أشياء عتيقة، ولأنّ الآيقونة تشير الى الساكنين الأوائل للخرابة التي يعيش فيها أو الى منطقة البتاويين، فإنّه يفكّر في بيعها، أقول: يتصاعد الإنفتاح التأويلي للنصّ حين يفكّر (هادي العتّاك) في بيع آيقونة الشجرة" لقد سمع عن أشخاص يشترون متعلّقات يهودية ويهرّبونها خارج العراق" ( ص 241 )، الإنفتاح هنا يكمن في الكشف عن واحدة من الآليات التي يتمّ بها الحفاظ على التاريخ العيني للموجودات حين تتفرّغ من حضورها المعنوي.

عمق الحدث هنا يكمن في لا قصدية الفعل، البائع لا يقصد الحفاظ على التاريخ، أو حتى الحفاظ على جزء من حقيقته الضائعة، إنّه يبيع ما يجد من أجل أن يعيش ليس إلا. لقد رأى هادي كيف هشّم المحقّقون رأس آيقونة العذراء فلم يعد بالإمكان بيعها والاستفادة منها، فلماذا لا يستعجل في بيع آيقونة الشجرة قبل أن يتمّ إتلافها هي الأخرى فيخسر طعام وشراب يوم آخر!؟

يسكت سعداوي عن هويّة المشتري، ربّما محاولة منه في توسيع رقعة الإحتمال، فقد تتماثل قصدية الشراء مع قصدية البيع، بأن تخلو من أيّ قصدية تخصّ عملية الحفاظ على التاريخ، يشتري ليبيع وهكذا، أي أنّ عملية البيع والشراء قد تستمر ولا تقف، رغم أنّ فعل الشراء هنا يعادل من حيث أهميّته التاريخية فعل الحفاظ على التاريخ ذاته، أريد القول هنا أنّ (القيمة النقدية) هي التي تُديم بقاء الشيء أو الأثر عندما تتحوّل الحقيقة التاريخية الى سلعة ليس إلا. لكن، وهذا ما سكت عنه سعداوي أيضا، رغم أنّه ترك لنا إشارة بسيطة "يهرّبونها خارج العراق"، كما لو أنّه يقول خارج دائرة الصراع، لكنّنا لم نعرف المصير الذي ستؤول إليه الآيقونة بعد البيع، لأنّ عملية الشراء قد تكون لا بقصد الحفاظ، بل بقصد تدمير الأثر ذاته، لقد رأيت كيف كان يحدث ذلك في تسعينيات القرن الماضي في شارع المتنبي في بغداد، كانت بعض الكتب الدينية المستنسخة تباع بأسعار باهظة، مثل كتاب (فلسفتنا) لمحمد باقر الصدر، عندما تحقّقت من الأمر يومها وجدتُ أنّه كان يُشترى من قبل بعض الوهابيين ليتمّ إتلافه بالحرق، وقد إستثمر باعة الكتب هذا الصراع الطائفي - المسكوت عنه يومذاك - بتصعيد سعر الكتاب!

هذه النافذة كانت واضحة جداً في الفصل الثامن عشر من الرواية في عملية ردم هوّة الإنفجار الكبير في منطقة البتاويين تحديدا، الهوّة التي كشفت عن جزء من "سور بغداد العباسية" فما كان من أمانة بغداد إلا أنّ تقوم بردمها بالتراب بعد أن صرّح ناطقها الاعلامي "إنّنا لا نفعل شيئا سيّئا.

سنحفظ هذه الآثار للأجيال القادمة وهم سيتصرّفون بها حسب معرفتهم.. أما نحن فعلينا الآن تبليط الشارع" (ص 332)، الرواية هنا تكشف عن ظهور حقيقة تاريخية في لحظة غير مناسبة، يحاول سعداوي أن يجعل موقف الحكومة إزاء إكتشاف جزء من سور بغداد العباسية موقفا إيجابيا حين يورد لنا ما قاله الناطق الاعلامي: "إنّنا لا نفعل شيئا سيئا"، بل يبدو التصريح واضحاً جداً "سنحفظ هذه الآثار للأجيال القادمة".

لقد تمّ إتلاف الكثير من الحقائق التاريخية - على مرّ التاريخ البشري وفي كلّ بقاع الأرض - فقط لأنّها كانت ظاهرة للعيان في اللحظات الخطأ، في اللحظات التي لا يمكن الحفاظ فيها على الحقائق.

لعلّ ما قامت به (أم دانيال) أن يكون مثالاً نموذجياً لذلك، فقد قامت بفصل الوجه الوادع الحاني للقديس مارجورجيس عن بزّته وهيأته الحربية فهو "يرتدي درعاً فضّياً سميكاً يغطي بصفائحه اللامعة كلّ جسده مع خوذة مريّشة.. ورمح طويل مدبّب مشرع في الهواء" (ص 22 )، بل قامت أيضاً بفصله عن جسد الفرس الأبيض المهيب العضلي البنية، الذي يرفع "قائمتيه الأماميتين المطويّتين في الهواء في محاولة لتجنّب فكّي غول مفترس بشع" (ص 22)، أخذت الوداعة وتركت العنف، لقد بلغت تجربتها مع المقدّس أن تختزل كلّ تفاصيله، إنّها لا تحتاج منه سوى وجهه الملائكي الوادع، وجه فقط بلا خوذة ( ص 295 ).

أقول أنّ ما قامت به أم دانيال هنا مع صورة القديس مارجورجيس لعلّه أن يكون مثالاً صارخاً لكلّ المحاولات الإيديولوجية التي تمّت وتتمّ عبر عملية قراءة الحقيقة التاريخية قراءة إنتقائية، لا تمثّل الحقيقة التاريخية ككلّ، بل جزءاً بسيطاً فقط، لكن، يتمّ التعامل لاحقاً مع هذا الجزء البسيط باعتباره الهويّة الكلّية للحقيقة. وهذا الفعل لا ينحسر ضمن آليات تهريب الحقيقة التاريخية فقط، بل يندرج، ربّما بسعة أكبر ضمن آليات تشويه الحقيقة التاريخية أيضا.

فإذا ما إنتقت أم دانيال الوجه الوادع فقط، فإنّ أحداً ما سينتقي الدرع والرمح المدبّب والحصان المتوّثب للهجوم، لقد كان سعداوي من الذكاء بحيث جعل فرانكشتاين هو من يحتفظ بالجزء المتبقّي ( ص 299 ). وبهذا يتحوّل مارجورجيس من شخصية واحدة منسجمة مع ذاتها الى شخصيّتين متضّادتين، ولأنّنا نتحدّث هنا عن المقدّس فهذا يعني أنّ تيّاراً إجتماعياً منسجماً مع إشتراطاته الواقعية سينقسم الى تيّارين إجتماعيين، أحدهما يتّخذ العنف منهجاً، بينما يكون السلم منهج التيّار الثاني.

لعلّ المفارقة الكبرى التي يوفّرها سعداوي لقراءتنا هذه عندما يكشف في الفصل الثامن عشر من روايته (فرانكشتاين في بغداد) أنّ المؤلف المجهول الإسم قام بعملية شراء فكرة الرواية من صحفي طموح يدعى ( محمود رياض السوادي)، الذي كان يمرّ بأزمة ماديّة جعلته يلجأ الى بيع فكرة من السهولة أن تتحوّل الى رواية عظيمة (ص 324)، وأنّ الصحفي محمود السوادي أخذ فكرة الرواية عن (هادي العتّاك) وهو بائع خردة وراوٍ لقصص عجائبية، يجلس بعد تجوال العمل في "مقهى عزيز المصري"، بينما يلتفّ حوله هواة القصص العجائبية ومحمود السوادي واحد مّمن يستمعون إليه، وإنّ هادي العتّاك ساعد الصحفي بأن جعل (فرانكشتاين / الشسمه) يسجل تفاصيله الحياتية على جهاز تسجيل ديجتال من نوع باناسونيك.

فإذا ما اعتبرنا شخصية (فرانكشتاين / الشسمه) هي مركز الرواية، فإنّ هادي العتّاك سيكون المحيط الأوّل لها، ثمّ يأتي الصحفي محمود السوادي كمحيط ثانٍ، ثمّ يأتي المؤلف المجهول كمحيط ثالث، إضافة الى محيطات جانبية أخرى.

وحين نفترض أنّ شخصية الشسمه بمثابة حقيقة تاريخية، سيكون هادي العتاك الشاهد الوحيد لها، وعليه يكون الصحفي والمؤلف نقلة أحاديث بطريقة (العنعنة) لجذر واحد، أما صوت التسجيل فهو الخيط الذي جعل الصحفي يثق بهادي العتّاك، بينما يكون وجود عزيز المصري وعلاقته بهادي العتّاك عاملاً رئيساً لثقة المؤلف المجهول بالصحفي، ويكون (المساعد الثاني) الذي يبعث برسائل خاصة الى إيميل المؤلف بمثابة راوٍ آخر آثر مبدأ التقيّة، إنّه بمثابة (قال أحدهم، أو قال بعضهم، أو قال أحد الشيوخ أو العلماء) حين يقترب المؤرخ من بوح حقيقة تاريخية مسكوت عنها.

كلّ هذه المحيطات تحاول أن تؤكّد وجود المركز، أو أن تشير إليه، لكن، هناك دائماً وقائع حياتية موازية لفعل الروي، وعليه، فأنا كقارئ، أحاول أيضاً أن أستلم الإشارات الخافتة التي تجهد كثيراً من أجل أن توصل بعض الحقيقة التاريخية.

الرواية تحاول القول أنّنا نعيش في عالم معقّد جدّاً، نعتقد أنّه واضح تماماً، لكنّه مغلّف بالأسرار، بل أنّ كمّية الأسرار التي فيه تجعلنا نعتقد لاحقاً – قبل أو بعد فوات الأوان - أنّ الوضوح الذي أعتقدناه في البدء لم يكن إلا فخّا.

إنّ الأقطاب التي تتصارع، لا يخلو كلّ قطب منها من صراع داخلي، هكذا، الموجة التي تعلو هي عبارة عن تجمّع عدد غفير من المويجات المتدافعة التي تحاول كلّ مويجة فيها أن تمتلك الدفّة الرئيسية وتحديد الإتّجاه.

لقد كان التنافس بين (أبي أنمار) - صاحب فندق العروبة - و( فرج الدلال) - صاحب محل دلالية الرسول - مصحوباً بحركة أخرى كانت على الهامش بدءاً، تنمو بموازاة هذا التنافس داخل الرواية لكن بشكل غير واضح، بل إنّها حركة ملغّزة تماما، تلك هي حركة تشكّل وولادة (فرنكشتاين) أو (الشسمه)، دلالة على غموضه وضبابيّة الجهة الداعمة.

الشخصيّة الغامضة أمام وضوح الشخصيّات الأخرى هي قراءة رمزية لتصارع القوى الكبرى وكيفية ولادة قوّة جديدة، لا يمكن الالتفات لها بدءاً، لكنّها مع الوقت، ومع خفوت القوى الأخرى وانسحابها من مشهد الصراع، ستصبح هذه القوّة الهامشيّة مركزاً وبؤرة جديدة تساهم كثيراً في انزياح الصراع بعيداً عن وجهته الأولى.

وقد تجلّى ذكاء سعداوي عندما منح (فرانكشتاين/ الشسمه) بداية تحمل جزءاً من الضوء الذي يكشف العتمة حين جعله ينتقم من (أبي زيدون الحلاق) "الرجل الحزبي الذي قاد دانيال من ياقته الى المجهول" ( ص 18 )، قاده ليكون وقوداً لحرب الخليج الأولى، حيث جاءوا فيما بعد بتابوت " فارغ لدانيال حوى بعض ملابسه وأغراضه الشخصية" (ص75 ). هذه الحكاية الجانبيّة كانت إشارة أولى لهويّة فرانكشتاين باعتباره نافذة للعدالة الاجتماعية، لكن مع إنعدام قدرة (أبي أنمار) على إدامة فندق العروبة، وتنامي شراهة (فرج الدلال) على ابتلاع الأمكنة، تكون هويّة فرانكشتاين قد تبدّلت، ولمّا كان جسد الشسمه مكوّناً من أجساد عديدة، فإنّ صراعاً داخلياً سيجعله ينضوي تحت هيمنة الجزء الذي يحرّك الكلّ، تماماً كما الموجة التي تحرّكها مويجة من داخلها.

لقد كان الشارع يتكئ على قطبين إجتماعيين رئيسيين، لكنّه بعد انسحاب أحدهما، يصبح قائماً على قطب واحد، وهنا تكون الرواية قد بلغت ذروتها الرمزية.

قصدية المؤلف التي جعلت (فرج الدلال) يصاب بشظايا الانفجار المهول الذي أصاب منطقة البتاويين بعد رحيل كلٍّ من أم دانيال وأبي أنمار، جعلته يشعر بأنّهما إنتصرا عليه ( ص 282 )، القصدية ذاتها جعلت ( فرانكشتاين / الشسمه) يُدرك أنّه وقع في حبال فخٍّ غامض، بدا ذلك واضحاً حينما بدأ يستعيض عن الاجزاء المتساقطة من جسده - نتيجة الأخذ بثأرها – بأجزاء لأجساد أخرى دون الإلتفات الى هويّة أصحابها، من هنا تداخل العنف مع السلم، لقد تحوّل ( الشسمه ) من أن يكون نافذة للعدالة الاجتماعية الى دمية متحرّكة كأداة للتصفية بيد آخرين، سيبدو ذلك جلياً في صرخة ( المنجّم العجوز ) لحظة موته على يديه: "هذه ليست معركتك.. أنت لا تفهم.. هذه ليست معركتك" ( ص321 )، وبهذا تنفتح المتاهة متقمّصة شخصية (فرانكشتاين/ الشسمه) وهي تُدار عن بعد من قبل آخرين.

في الختام سنرى (الشسمه) - الشخصية التائهة وقد إلتبس عليها القصد من وجودها - كيف تُشرف على المدينة من إحدى بناياتها (ص350 )    

الرواية تحاول أن تهرّب لنا كيفية نشوء حرب أهلية، حرب أقلُّ ما توصف به أنّ أدواتها بلا اتّجاه، حرب يكون المكان برموزه وإشاراته ضحيّتها الأولى، حرب أهلية - تُدار من الخارج - تتجلّى ضراوتها في طمس معالم وجه المدينة وحسّها المدني، لكنّنا نرى ونتحسّس - وسط كلّ القتل والتخريب - هناك أيضا حركات فردية أو جماعية تبدو ملغّزة بأسرار تعمل على إنتشال ما تبقّى، أو الحفاظ على ما تبقّى، أو حتى رسم صورة لما يحدث بطرق مبهمة وغامضة تعتمد ردّة الفعل كآلية للحركة، وقد لا تخلو من قصدية مسبقة أيضا، سنرى أنّ هناك دائماً ما يمتّ للحياة بصلة يحاول إنتشالها من التدمير الكامل وتهريبها الى لحظة قادمة.  

فرانكشتاين في بغداد، أحمد سعداوي، الطبعة الاولى – 2013، دار الجمل – بيروت – لبنان.