الاكاديمي والاعلامي حسن السوداني.. يخرج عن صمته:
العمر أقصر من طموحي.. وهذه رؤيتي للتعليم المفتوح؟!
بانوراما / كوبنهاكن – رعد اليوسف
ربع قرن، ربما اكثر، تأريخ معرفتي به.. كان شابا متوهجا، سيماءه التوثب والاندفاع.. لم يتسلل الشك لعقل من تقع عيناه عليه، انه سيكون من اصحاب الشأن في العلوم والثقافة والاعلام.. كان ذلك في منزله يوم اصطحبنا لزيارته نسيبه الزميل الدكتور عبد الامير الفيصل عندما كنا نعمل سوية في جريدة القادسية.. انه حسن السوداني الاكاديمي والصحفي البارز.. الصديق والزميل الذي اخلص للعلم واحب الصحافة، حد التفاني، حتى صار من عشاقها.. يغار عليها، من الدخلاء غيرة الحبيب على حبيبته.. ويدافع عنها دفاع الاسد عن عرينه. سنوات طويلة خلت، كان السوداني فيها، حالما وعاملا بحيوية لتجسيد احلامه حتى تمكن من تحقيق منجزات متنوعة على المستويين الاكاديمي والصحفي.. وشاءت الصدفة ان التقيه في ديار تقاسمنا فيها الغربة، واللوعة على وطن سرق عنوة منا، هو في السويد وانا في الدنمارك.
باحساسي الصحفي الذي افقد السيطرة عليه، ولست كارها احساسي هذا، طلبت اليه اجراء مقابلة صحفية، كاكاديمي وصحفي جذره راسخ في ارض الوطن، واوراق ابداعاته وارفة في سماء المهجر.. فكانت هذه الحصيلة:
- مازحته في البداية، فقلت لو اردت ان اقدمك للقارىء.. واسألك من هو حسن السوداني.. بماذا تجيب ؟
حسن السوداني عراقي غادر العراق ولم يغادره العراق.. بداية جميلة.. اذن لندخل في ميدان التخصص:
- حسن السوداني الصحفي والأكاديمي.. كيف ينظر الى الاختصاصين.. وهل ان التوفيق بينهما محال؟
هما غير منفصلان فالصحافة علم قائم بذاته فيه فتوح واكتشافات وعلاج بأنواعه حتى الكي منه ومن يمتلك ناصية العلم الحقيقي فسينبت له جناح واحد لا يطير به الا اذا امتلك جناح الخبرة العملية والممارسة الميدانية.. فيصبح بجناحين.
- ماذا عن بدايات حسن السوداني في العراق وكيف ولج أبواب الصحافة ؟
دخلت الصحافة من باب النقد الفني عندما كنت في المرحلة الأخيرة من البكلوريوس ثم شاءت الصدف ان اعمل في القسم الثقافي في جريدة القادسية وفيه تبلورت خبرتي العملية عندما اشترط رئيس القسم انذاك (الناقد صفاء صنكور) ان يكون القسم (مطبخا) للمقالات وليس شئ اخر ولا اذكر ان هناك مقالا نشرناه لم تكن ايدينا قد عجنته جيدا!!
واتذكر جيدا ان مقالا للراحل الكبير جلال الحنفي كنت قد حررت الكثير من اجزائه وغيرت عددا من العنوانات الفرعية فيه ونشر المقال في صبيحة اليوم التالي ولم تمر ساعات حتى جاء البحاثة الكبير هائجا ومتوعدا ضاربا الارض بعصاه لا للاتكاء بل لتفرغ الغضب!! وجلس امامي صائحا: كيف غيرت المقال ومن سمح لك؟ عندها اجبته بهدوء عال: وهل قرأته سيدي؟
سكت برهة ثم قال لا!
ضحكت وقلت له اقرأه وان اكتشفت فيه خطأ فلك ان تعاتبني بما تحب!
وبعد انتهائه من القراءة التفت الي قائلا: لقد علمتني ما كنت اجهل وانا لك من الشاكرين..
قلت له أذن حصلت اليوم على شهادتي المهنية من عالم جليل.. وكرمني في ذات اليوم باصطحابي معه والراحل مكي البدري والعلامة نعيم بدوي مترجم ”كتاب الصابئة المندئيون“ في امسية بنادي التعارف تحدث فيها بروحه الاسلامية الرفيعة عن علاقة الاسلام بالصابئة وقدمني للداعين بصفتي (بمثابة ولده) رحمه الله واسكنه فسيح الجنان.
- كيف ينظر الدكتور السوداني الى واقع الصحافة خصوصا والاعلام العراقي عموما.. وما هو تقييمه لذلك بعد الاحتلال؟
الصحافة في المجتمع العربي عموما وفي العراق خصوصا تعمل ضمن مفهوم الاستهلاك وليس الإنتاج ..
الاستهلاك في كل شئ حتى في الموت فأكثر الموتى الآن هم من عالمنا العربي, حروب في العراق وسوريا واليمن والبحرين وليبيا وقبلها في الجزائر والصومال وجيبوتي اما بقية الدول العربية فلها مشاركون فاعلون في هذه الحروب..
بعد ذلك كيف ستكون الصورة الإعلامية وإنتاجها.. نستطيع ان نغير مصطلح الإنتاج الى التصدير..
ممكن ان نصدر صورنا الإعلامية ولكننا أبدا لا نستطيع إنتاجها! لذلك وكوني من الحالمين بإنتاج الصورة الإعلامية الحقيقية فالحياة لدي ما هي الا صور متتابعة ملونة أحيانا وبلا ألوان في كثير من الأحيان..
ربما تفقد ألوانها في بلادنا حيث تزدحم الحكايات بالرايات والهتافات والنواح وأصوات الأذان وصراخ المفخخات والفقدانات السريعة بل والسريعة جدا التي تخلف ردحا من الانتظارات..
امهات لاولاد وزوجات لازواج وحبيبات لاحبة واطفال لاباء واخوات لاخوة.
وعن تقييمي للإعلام بعد الاحتلال الأمريكي او الغزو او التغيير او السقوط وما الى ذلك من تسميات فهو قد عاش الفوضى التي ربح فيها الغشمة وخسر فيها الصحفي الحقيقي كل شئ وحياته ايضا في كثير من الاحيان.
- ما هو دور الدكتور حسن أكاديميا وإعلاميا في المهجر..؟ وما هي ابرز نشاطاته ؟
كنت وما زلت باذرا للقمح تاكل الطير منه وكذلك الديدان وليس بفارق لدي مادام الجميع يملأ بطنه من ذلك الزاد حتى لو طمع بلدغي فاحسبه جائعا لم يشبعه بذاري ..
بعد شهور قليلة اكمل عقدين من حياتي وانا في المهجر وما زلت احلم ان اكون كسولا او ملولا ولو الى حين لكن كل خلاياي ترفض ذلك وتقف بالضد من الفكرة!!
ترأست تحرير مجلات علمية وثقافية وكتبت عشرات البحوث والمقالات وساهمت بإعداد الكثير والكثير من النشاطات الثقافية واشتركت في مؤتمرات داخل وخارج السويد وكان الوطن نصب عيني حتى وان استدعى ذلك (الشتم) وهو ما حدا بالصحفي الجميل طه جزاع ان يكتب مقالا مهما عن (شتيمة) أطلقتها بحالة غضب شديد بحق جنرال امريكي طالب بتقسيم العراق!! حمل المقال عنوان(ادريانو وحسن السوداني).
- كأكاديمي كيف تنظر الى اتهامات البعض من الأكاديميين الى تجارب أكاديميين اخرين يعملون ضمن سياق واحد.. التعليم المفتوح في الدنمارك وخارجه ..؟ وهل تؤمن بان يكون ذلك حكرا لشخص ام هناك شرعية لتعدد الأشخاص؟
الاتهامات مهنة يجيدها البقالون لإشاعة السوس في بضاعة منافسيهم أما البناءون فيتنافسون على شاهق البناء وجماله.. الاتهامات مهنة يجيدها العسس ورجال الامن لإثبات انهم خدم حقيقيون لأسيادهم....
مشكلة التعليم المفتوح (وقد كنت جزء منه) انه طفل يتيم بيد عم محتال يستجدي باليتيم ليأكل مال السحت..
العلم يا صديقي كيتيم بثياب تسف بها الرياح وما يزيد من ثقوبها أكثر هم الكدائون الذين افتتحوا دكاكين ب(كبنكات) صدئة واقفال متعددة لذلك لن تصمد هذه التجارب ولا يصمد معها من (تمرغل) بفن الاحتيال وما سيستمر منها فقط هي تلك التي تعمل بشفافية الزهاد وحكمة المعلمين.. وهم ندرة!!
- دكتور مارست العمل الأكاديمي في المهجر ضمن التعليم المفتوح.. هل ان الشهادات التي تصدرها الأكاديميات معترف بها رسميا ام لا؟ خاصة وان اتهامات وتراشقات يتبادلها الان في مواقع الفيس معنيون في هذا المجال؟!
طريق الاعتراف بالشهادة المفتوحة ليس وعرا لكنه بحاجة الى شجاعة وصدق وهما خصلتان لا تتوفر لقيادات الجامعات المفتوحة في المهجر ولو توفر جزء منهما لكانت هذه ال(الدكاكين الان) صروح جامعية يشاد بها..
وهو سر اختلافي الشخصي مع كل إدارات التعليم المفتوح.. عفوا اقصد الدكاكين! لسنوات طويلة كان الاختلاف يصعد الى وتيرة الصراخ لضياع الفرصة تلو الأخرى وقد وثقت كل تلك الاختلافات ووزعتها على زملائي في الإدارات المفتوحة وهم يعلمون جيدا أين يكمن صوت الحق لكن للأسف الكثير منهم ينخ كالبعير لمصالحه الشخصية على حساب المبدأ!!
التجربة كشفت لي الكثير وجعلتني فخورا بنفسي جدا.
- إذن انت تشخص الخلل الان.. فلم لا تعالجه وانت الذي لم يتصالح يوما مع الاستكانة، وعرفناك لا تخشى في الله لومة لائم؟
نعم، فلو تبحث عني الان تجدني في خضم مشروع عظيم سيحدث مفاجأة كبيرة في الوسط وسيستفيد منه الكثير من العراقيين والعرب في كل العالم، وقد اتممت الاجراءات القانونية والرسمية والاعترافات.. وسنعلن عن ذلك حصريا عن طريق شبكة الاعلام في الدنمارك.. قريبا.
- لو اردنا الانتقال في الحديث الى نخب الثقافة والعلم في المهجر.. ما هو المطلوب منهم في رأيك؟
المطلوب من النخب ان تكون نخب! وان تعتني بناصع ما لديها وتترك السفاسف وحديث الحمامات!!
فالعمر (اقصر من ان نغامر به في روليت الانتظار) كما تقول احلام مستغماتي او كما يقول دنقل (العمر اقصر من طموحي)..
اقولها وانا اجد البعض من يظن نفسه نخبويا قد ترك نفسه للبحث داخل ازبال الاخرين واعتادت عيناه الوشل فبات اعمى بحكم المبصر!!
لكن البعض الاخر تلمع عيناك فرحا وانت تتابع منجزاته المتتالية كعداء تجاوز شريط النهاية فبات بعيدا لا يلحقه احد.
وأخيرا انصح(النخب) بشرب ملعقة من الحب كل صباح وان يزيدوا من مساحة الابتسامة وترك التجهم في التواليت!
- بين دعوة الدكتور حسن الى الاستعانة بملعقة حب كل صباح.. وترك التجهم في.. برز سؤال كان هو الاخير في الحوار الجميل معه عن الطموحات.. ترى ما هو طموحك الان؟ قلت له.. فقال:
طموحي مبلل بالامنيات حيث اصحوا من الجاثوم الذي يمر به العراق وان لا اسمع مطلقا كلمة داعش وان تختفي كلمة المذهب من بطاقة التعريف وتحل محلها كلمة انسان!.. كلمة عراقي فقط. كما كانت.
صولة فارس.. وجولة محترف.. رسم ملامحها بقدرة فائقة وهو يجيب على الاسئلة بدقة فائقة، وعناية باستخدام المفردة.. حسن السوداني مدير مركز تطوير طرائق التدريس والتدريب الجامعي في الجامعة المستنصرية 1992-1998 ورئيس قسم الاعلام والاتصال في الاكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك للفترة 2005-2014 والمستشار الفني لاكاديمية علوم الرياضة في السويد 2014 ورئيس مؤسسة المجال الثقافي في السويد لغاية 2015 .. تمنينا ان يتسع المجال لنمر في ازقة ثقافية اخرى .. ونتوقف في محطات صحفية جديدة.