جيبي الفارغ لم يمنعني من الكتابة
زين خضور: أنا مطمئنة لموهبتي الشعرية التي هي أسبق بالوجود
حاورها: عزيز البزوني/ العراق
زين محمد خضور شاعرة سورية من مواليد عام 1979م، صدر لها ديوان شعري (حتى ترضى)، لها العديد من المشاركات والمساهمات في أمسيات شعرية داخل سوريا، التقينا بها فكان هذا الحوار معها:
- الدراسة الأكاديمية والموهبة هما توأمان الشاعر اللذان يوصلان إلى مديات وعالم الشعر الواسع لكنك تحملين شهادة خارج مجالات انشغالاتك الأدبية
- أن تكون الدراسة الأكاديمية والموهبة توأمان للشاعر هذا صحيح في حال اجتمعا معا ولكن!؟ في حال لم يجتمعا فهل هناك من مشكله، بمعنى هل الدراسة الأكاديمية تفضي حكما لخلق شاعر! ما أثبته الواقع أن الذات الشاعرة هي الأسبق في الوجود بحكم طبيعة الخلق وهي ذات مبدعة أثبتت وجودها بعيدا عن التخصص الأكاديمي، فالشاعر متأثر ببيئته وموروثة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني قبل تخصصه الأكاديمي ومن تأثره لاحقا (بيئته وموروثه) وهذا التأثر محكوم بتجاربه وعمقها ونضجها وجدته والمثابرة بطريقه، على الأرض تتفتح شاعريته وتبدأ تجربته الخاصة هذا ما يحدث وها نحن جميعا نرى بأم العين نظم الشعر ولا نرى حركة إبداعية شعرية رائده مؤثره تحلق فيها الروح الإبداعية وتضفي بعطائها على مرحلة تاريخية أو حقبة زمنية معينة تعيد صياغتها وتخرجها مخرجا جديدا يحمل سمات شعب وأرض وأمة رغم وفرة الأكاديميين وهذا ما نحن عليه حاليا نعم أنا لا أحمل شهادة أكاديمية متخصصة تؤهلني بحسب ما تقدمت به لأكون شاعرة ولكن! أنا شاعرة ولي حضوري واشكالياتي والكثير من الأسئلة التي ما وجدت لها جوابا رغم سعي الحثيث عموما لطالما سبق الإبداع والعقل المبدع، التنظير والبحث والتأطير وكلها أمور لاحقة ودورها تالي لما تجود به علينا هذه الروح المبدعة، شاعرية كانت أم غير شاعرية أنا مطمئنة لموهبتي الشعرية التي هي أسبق بالوجود والتواجد وكل ما عدا ذلك كلام له ماله وعلية ما عليه.
التحولات الحاصلة على المشهد الثقافي وسيطرة الوسائل الحديثة في كل مكان على المتلقي والأوضاع الحياتية للبيت العربي أثر بشكل ملحوظ في تراجع الجمهور الأدبي والمؤسسات الثقافية لتجدنا في عالمنا العربي نبحث عن القارئ والمال وكل شيء؟
وسنبقى نبحث عن القارئ والمال والمقر وكل شيء لأن ثمة مشكلة في بنية المتلقي عموما والعربي خصوصا. ألمسها من نفسي وأجدني أغفر لهذا المتلقي العربي وللبيت العربي ما يعانيه من مشكلات ومعضلات معرفية، قوامها ضياع الهوية وتهويد سماتها كباعثة للروح الحضارية ومتجددة من ذاتها وخالقة من جذورها الضاربة عمق هذا التراب العربي فلا تكاد تفرق بينهما أو تراهما بحالة انفصال هذه المشكلة المعرفية ستستمر سقوطا والهاوية لا قاع لها مالم تقم فينا نهضة فكرية تحل مشاكلنا الاجتماعية والتربوية والتعليمية وتعيد الثقة بالإنسان فينا وبناءة من جديد على فرضية (الإنسان وعي) قبل أن يكون، كائنا ماديا، علميا، وفردا دينيا، فقط. فالإنسان الواعي يعمل، ويتعلم ويسلم بدينه، ويعمل فكرة. ووجود مشكلة في هذه المنظومة لا يجيز لنا إسقاط تخاذلنا تجاه مجتمعنا وإنساننا على مبررات واهية. أنا شاعرة وغير أكاديمية وعاطلة عن العمل. جيبي الفارغ لم يمنعني من الكتابة وإلا لكنت ما كتت أصلا، ولن يجتاح بفراغه عقلي ووعي وروحي الشاعرة أبدا.
- إن ثمة اتفاقا حول مصطلح قصيدة النثر وحول غياب المعايير التي تحكم هذه القصيدة. فهناك من يرى أنها شعر خالص وهناك من يرى أنها نثر خالص وهناك رأي ثالث يرى أنها جنس أدبي ثالث مستقل. ما هو رأيك؟
قصيدة النثر شعر مستقل بذاته، عن تراثنا وتاريخنا ود ذلك عائد لولادتها من رحم ثقافة وحضارة أخرى ومنارات حملت لواءها بعيدا عن الحضارة والبيئة والثقافة والإنسان في الشرق عموما والعربي منه خصوصا، ونحن بدورنا الفطري الطبيعي البحت (الإنسان عدو ما يجهل) لم نفهم أو مارسنا إرهاب الخروج عن المألوف واقتحام مجاهل المجهول، على الفكر والصيرورة الفلسفية والصيرورة التاريخية ووحدة الروح الإنسانية والتحلي بالنظرة الاستشرافية والثقة بها والثبات والوقوف عليها وكلها من مقومات قصيدة النثر، فلجمنا انبعاثنا. وربما لو كتبت لهذه (الفلذة) في فقرة سابقة الديمومة والتفلسف لكنا تجاوزنا قصيدة النثر ولأبدعنا قصيدة أخرى ولخرجنا من واقعنا الحالي المأزوم.
- إن اتجاه القصيدة العمودية كتراث عميق في أغوار تراثنا الإبداعي تحدد وتأطر وفق معايير ومقاييس شكليه معينة بخلاف (قصيدة النثر) المصطلح الأكثر شيوعا في النقد المعاصر.
القصيدة العمودية التي تأطرت وفق معايير ومقاييس شكلية بين أبياتها تاريخنا ومنجزاتنا وتراثنا وأحداثنا التاريخية وهي المؤرخ وشاهد العيان وماعون المعاني وهذا ما حفظ لها مكانتها ورونقها وخاصيتها. وأنا من المسلمين والحافظين لهذا التراث ولمكانته (فمن لا ماض له لا حاضر له ولا مستقبل بالضرورة) ولكن أنا أيضا مع نقد هذا التراث ومحاكمته وفلسفته وتحليله وتركيبة وإعادة قراءته مرارا وتكرارا وفقا لأحدث النظريات لاستكشاف وكشف الستار عما حوته مفرداتها من معاني بين صدر وعجز. وجلاء خباياها وهذه المهمة العظيمة مهمتنا. فهذه القصائد لم تأتي من فراغ هي ابداع عربي إسلامي. وأنا لست مع القائل بأن تأطيرها (شكلي) مع العلم بأن هذا التأطير أتى في مرحلة لاحقه مع عصر الانحطاط الذي مرت به أمتنا العربية أما ما قبل ذلك لو كتب لهذه الحضارة الديمومة والاستمرار إذا لشهدنا عصر ما بعد القصيدة العمودية ولكن هذا ما حدث.
عموما أرجو أن لا يغيب عن بال أحد أن قصيدة النثر وقعت في اشكالية دخولها ثقافة أخرى مغايرة للثقافة التي ولدت ونشأت وازدهرت بها وهذا أمر مهم فرغم وجود قامات عربية كتبت قصيدة النثر ولكن كان لا بد لها من تتابع أجيال متلاحقة وخلق صيرورتها وهذا ما لم يحدث يكفينا أن نذكر هنا أنها أي قصيدة النثر أول ما ظهرت وحركة الشعوب العربية للاستقلال والسيادة وفي حاضنة شعب فذ مقاوم هو الشعب العربي الفلسطيني. شعلة الإبداع لا تعرف جنسا ولا لوننا ولا ديننا هي هبة إلهية ننالها بطبيعة الخلق وما عدا ذلك متوقف على قدراتنا بإثراء هذه الهبة.
- الموروث الاجتماعي المعوق لدور المرأة وبنظرة الرجل التسلطية وبرضوخ الشاعرة لهذا الموروث وذلك التسلط
الموروث الاجتماعي لم يكن بالنسبة إلي الخط ألصدامي الأول، في الحقيقة ما نتج عن أخطاء وممارسات وسوء إدارة وطريقة معالجة ومحاكاة ومعاملة المؤسسات الأمنية والمؤسسات الحكومية والشريحة الاجتماعية المنبثقة عنها بالضرورة هو ما اصطدمت به.
فالثقافة والكتاب المعرفي لا التعليمي ارتبط بالانتماء والانتساب لتيارات وأحزاب ملاحقة من قبل الدولة. طبعا على مر مراحل وعقود طويلة هكذا كان الحال فلا ثقافة بلا انتماء سياسي، حزب أو تيار او جناح وهذا هو نموذج المثقف المأدلج. وعليه حاول البعض استغلال هذه النظرة وبحكم وجوده في أحدى مؤسسات الدولة ليعيد تكريس أخطاء مراحل سابقه وفي الحقيقة الدولة في سورية كانت قد تجاوزت هذه الممارسات والأخطاء واستدركتها بشكل ممنهج فلم تفسح المجال أبدا لمثل هؤلاء الانتهازيين والاستغلاليين اما عن الدور الاجتماعي المعوِّق للمرأة فأعتقد بأن المرأة السورية تحررت تدريجيا خلال الأربعين سنة الماضية من الممارسات وتسلط الرجل. فالمجتمع لدينا منفتح وأنا ممن يسافرون ويقطعون مسافات لإقامة أمسية شعرية.
- حدثينا عن ديوانك (حتى ترضى) من ناحية التأليف واختيار الفكرة وهل للعنوان أهمية لديك
ديواني (حتى ترضى) هو أول ديوان لي مطبوع .عانى في بلدي العزيز سورية كثيرا فلم يقرأ حتى يفهم بمهنية من قبل لجنة القراءة في الجهة التي أودعتها إياه وكان النتيجة أن رفض الديوان وتم الاعتذار عن طباعته وكم كانت صدمةً كبيرة لي وخاصة بعد اطلاعي على تقارير لجنة القراءة وتبين لي بأنها لجنة وهمية وتعمل بالمحسوبية والرشاوي.
عموما هذا ما حدث وقدر الله أن تكون ولادة هذا الديوان على يد(الأستاذ المحترم سيد وهاب) مدير مؤسسة فنون الثقافية العربية في العراق القطر العربي الشقيق. وقام (الناقد الأستاذ باسم الفضلي) بقراءته والتقديم له وعليه تمت طباعته.
(حتى ترضى) ديواني الذي عبر عن مرحلة وعيٍ معينة مررت بها فكان أن كان. (حتى ترضى) عنوان لما قبله وليس لما يليه فحتى ترضى أنا هنا وأعيش وأحيا وأستمر لي حريتي في القول والتعبير حتى ترضى لفظ مناسب بالشكل والمضمون لما حوته قصائد الديوان من بوادر قوية لشاعرة تكتب قصيدة النثر هو عنوان بسيط ومضمونه عميق، سهل ممتنع، أنا اخترت هذا العنوان وأنا اقصد كل ما قبل حتى ترضى ولست معنية بما سيئول إليه فيما لو كلن هناك ما بعد الرضى
- ما هو رأيك بمصطلح الشعر النسوي؟
الغريب أن الأدب النسوي بأساسه قام على يد أدباء ومفكرين وفلاسفة وباحثين نفسيين رجال ذكور وكان الهدف منه التعبير الفكري المدني عن خاصية المرأة وإظهار جماليات خاصيتها ورسم أبعادا لمشروع هويتها المعاصرة وليسمع صوتها وطبعا هذا الأدب في نشأ في الغرب مثله مثل قصيدة النثر والمدرسة النفسية التحليلية الحديثة. وانتبهنا بعد ماتم نقل هذا المشروع وتعريبه إلى عدة مسميات فارغة المضمون.
من الأدب النسوي ومصطلح الشعر النسوي وهو مجرد تسمية ولا اعتقد بان أحدا او إحداهن استطاعت أن تحيط به وتكتب شعرا أو أدبا نسويا. وطبعا لم يستطع الرجل في هذا الشرق أيضا أن يكتب أدبا نسويا بالمعنى الحرفي للمصطلح فأمثال هكذا مصطلحات يكتب لها ويتبناها مفكرون وباحثون ومدققون يستطيعون فعلا الإحاطة بهذا المصطلح وصبغ صيغته فما من داعي للترويج لهكذا مصطلحات ونحن لازلنا نعاني من مشكلات وإشكاليات معرفية وأخلاقية وحضارية.