الشاعـرة العراقيـة المغتربـة ضحى الحداد في ضيافـة "بانورامـا"
صنعت لنفسي من الكلمات كوخا، وأثثته بما وقع تحت طموحاتي من أحلام
بانوراما - عدنان راشد القريشي
ربما هي الصدفة التي جمعتنا بالزميلة الشاعرة العراقية المغتربة ضحى الحداد اثناء زيارتها لمدينة بغداد استثمرنا وجودها لإجراء حوار حصري لجريدة بانوراما.
ضيفتنا خريجة جامعة بغداد كلية الإعلام َقسم الإذاعة والتلفزيون عملت مراسلة تلفزيونية في عدة قنوات وعملت ايضآ مذيعة اخبار ومقدمة برامج، كتبت في عدة صحف ومجلات إلكترونية، كتبت الشعر والقصيدة النثرية تناولت فيها قضايا المرأة وقصائد عاطفية ووجدانية لاقت التشجيع من قبل استاتذتها في اللغة العربية التي أحبتها حبآ جما مع اجادتها للغة الإنكليزية والفرنسية.
اصدرت مجموعتها البكر ((المنسي في الكولاج)).
غادرت العراق عام 2010 إلى دولة قطر بعد اختطاف ومقتل ابيها على أيدي العصابات الاجرامية دعونا ننهل من معين ضيفتنا الذي لا ينضب من خلال اجابتها الجميلة على اسئلتنا.
- ·الغربة وجع شاسع الألم، كيف أقتحمت خلوتك كفقد وكفراق؟
- يقول دويستفسكي الكاتب الروسي الشهير:
(إن الزمن الذي يخاف فيه أهلنا علينا من الغربة انتهى، وجاء زمنٌ نحن في غربتنا نخاف عليهم من الوطن.)!!
هذا هو الهاجس الذي كان ومايزال هاجسي الاكبر في الغربة رغم انها كانت مصنعا للالم واختبارا حقيقيا للذات، تختبر فيه روحك بينما يجلدك الاغتراب دون هوادة، حتى تصبح كالقهوة تطحن ليخرج اجمل ما فيها، أو مثل عود البخور الذي يحترق ليضيف للجو رائحة عبقة، وهذا ما حصل معي بالضبط، فأجمل الاشعار واعذب الاحاسيس تخرج من تلك البوتقة التي تسمى "الغربة".
- · للمرأة روح التحدي، رغم ما يداهمها من انكسارات، كيف توظفين هذا التحدي كقصيدة ربما ينتمي لها جيل بأكمله؟
- المرأة وقضاياها تأخذ حيزا كبيرا من داخلي دافعت عنها بكتاباتي وقصائدي وسأبقى أدافع حتى نهاية الحرف. فلطالما كنت اكابر بالانوثة وقوتها في وجه المجتمع الذكوري، كما اكابر بنفسي وبما أواجهه من تحديات مجتمعية او على صعيد الكتابة، وكما يقال ان المعادن تختبر بالنار لمعرفة قوتها، فانا كنت اختبر نفسي بما الاقيه من شدائد او صعوبات.
- ·تحديتي الموت في احدى قصائدك، الاتخشين من مباغتته لك؟
- في العراق صرنا نراوغ الموت والقتل والفجيعة، فالموت الذي نعتبره نحن الأدباء الوجه الآخر لعملة الحياة، صار صديقنا ولا نشعر بالغربة معه، ومؤكد مرد ذلك للجثث التي ملأت شوارع بلدي والتي اصبحت ضيفا على كل نهاراتنا وليالينا، صرت انا من يبحث عنه في الازقة والشوارع من فرط ما لهث وراءنا!!
في كل مرة كنت انجو منه وهو على بعد شعرة، ولذا أخيرا قررت مصادقته كما هو في هذا النص..
( دوما تمر امامي
كزائر عابث تذرع المكان
وماتلبث أن ترحلَ بعيدا
تاركاً عنفوانك
كالمنسي في كولاج
لكنك الان
تسكننا.. دون جدوى
حاولتُ لقياكَ
مرةً..
اقتربت مني
كدت تلمسني
وهربتَ..
تختار نزواتك بعناية
تعاشر غيري
دعني لمرةٍ واحدة
المسك
احضنك
دعني..
أيها الموت
انحن أصدقاء الآن؟)
- ·للكتابة في ظل ظروف ندرك أنها فوضوية بكل معطياتها، هل منحتك القوة على تجاوز ذلك؟
- سأعود للإستشهاد بقول عالمي، هناك قول انا مؤمنة به للفيلسوف الالماني ثيودور ادورنو حيث يقول "بالنسبة للإنسان الذي لم يعد لديه وطن، تصبح الكتابة مكاناً له ليعيش فيه".
وسط الفوضى التي سألتني عنها جنابك، صنعت لنفسي من الكلمات كوخا، وأثثته بما وقع تحت طموحاتي من أحلام، وسكنت فيه كوطن آنيّ لحين معافاة الوطن الأم، فكانت الكتابة بالنسبة لي عكازي الذي استند اليه ولولاها.. لاصابني الشلل!!
دوما هي الوطن والملاذ، ساعدتني كثيرا ومازالت افيوني الذي ادمنه بعيدا عن يوميات العراق وهمومه التي تعادل كل مسرّات الدنيا.
- ·يقول عنك البروفيسور عبد الرضا علي بأن (بوح ضحى الحداد جريء وغير مغطى بالحشمة لذا تترك بطلات نصوصها حرات في التعبير عن المسكون عنه من غير الالتفات الى الرقيب الذي عشش في الداخل طوال تلك الازمنة القهرية التي عاشتها الانثى تحت طائلة القوانين الذكورية)؟
- دعني اتساءل مع الناقد الكبير، شيخ النقاد العراقيين والعرب البروف عبد الرضا علي، أما يكفي الأنثى هذا التغييب القسري لعواطفها احتراما لمجتمع يتفنن في اضطهاد الأنثى، وفي اخضاعها للرغبات التي تملك من الدونية احيانا بما لا يرضاه المنطق او العقل او الدين حتى؟!!
أما يكفي..؟
بالنسبة لي لا حدود او تابوهات عندي في الكتابة، ما اود التعبير عنه اقوله بكل صراحة، بعيدا عن الاعتراف بمصطلحات الرجولة والانوثة، لأني اؤمن بالانسان وحده، فليس للاختلافات البيولوجية تأثير في كوننا من طين واحد، ولنا الحق في التعبير بالمساواة مع الجنس الاخر.
- · قلت في الحب:
(حين لا اسكر.. بك
أتخذ شكل الكأس.. واثمل)
وهو ما اعتبره النقاد جرأة غير معهودة عند الشاعرات.
مثلما أعلنت احتجاجي البعيد عن الحب هذه المرّة على الوضع السياسي العراقي والعربي بشكل عام:
(يا زمن المومسات
لأستر عري الشرف،
احتاج تاريخا من الشراشف
أعضو ذكري كل ما يميز امتنا؟؟
عندما ننقاد الى المرآة
تلد المروءة صورة لقيطة)
- ·أزعم إن هناك ديوان ستقوم قيامته، هل ستوظفيه لفقدك الأب؟
- ها انت تعيدني الى الموضع الفاجع داخل الروح..
وأعني "موت الأب".
الذي اغتيل ظلما وقربانا لعراق اجتاحته الطائفية في سنوات المحنة منتصف العقد الماضي علما ان والدي لم يمت، وان اغتياله كانت بداية لحياته الخصبة الجديدة.
الفقدان هو ما اشعل فتيل شرارة الشعر بقوة في داخلي اذ لم استطع ان اعبر عن الحزن لا بالدموع ولا بالبوح، لم اجد غير الكتابة عزاءاً وطريقة للتربيت على النفس، فكان لهول ما رأيت من اختطاف والدي ومقتله في ايام الحرب الموجعة عام 2007-2008 ودخولي الطب العدلي الذي مازالت رائحة الجثث المتفسخة تنخر ذاكرتي حتى اللحظة لأخرج بجثته الطاهرة، دور كبير في تفريغ شحنات الروح المسلوبة بالفقدان، على شكل قصائد وكتابات نثرية ومشروع رواية مازالت احداثها تتنامى بين الحرب والحب والفجائع المتناثرة على طول امتداد خارطة الوطن.
- ·أي عالم تنظرين اليه الآن بعد هذه الانكسارات غير المتوقعة؟
- اعتبر نفسي متفائلة جدا تجدني اضحك في احلك الظروف لم اسمح للحزن ان يسيطر علي اتغلب عليه بالقراءة أتلاوى معه اطرحه ارضا ودوما يهرب مني يستجمع قواه ليحاربني مرة خرى ويجدني مستعدة له..
ألم نذكر دائما بأن لا يأس مع الحياة، ونقول ان على الأديب ان يكون كوّة خضراء نطلّ منها على الربيع، الربيع الشعري وليس ذاك الربيع الذي كانت وراءه قوى مجنونة..
الربيع الذي أطالب به وأرنو اليه هو ربيع الكلمات، فان في الكلام السحر الحلال.