في صيف عام 2016، أضرم مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية النار في واحد من اكبر حقول النفط في العراق، وهو حقل القيارة، قبل فرارهم من المدينة التي تقع الى الجنوب من مدينة الموصل.
واستغرقت عملية اخماد الحرائق التي اندلعت في آبار النفط عشرة شهور.
وسمم الدخان المتصاعد من الحرائق الجو والأرض والمياه في منطقة شاسعة من شمالي العراق.
تبين هذه الصور التي التقطها مصورون يعملون مع منظمة أوكسفام الخيرية الصعوبات التي واجهها سكان القيارة منذ فرار المسلحين منها.
يعيش علي حسن وزوجته فاطمة محمود واولادهم الثلاثة الى جوار بئر نفط تشتعل فيها النيران، وملأ الدخان الأسود مسكنهم. تقول فاطمة إنها تنظف البيت باستمرار ولكن السخام يعود دائما.
أما مسكن محمود علي فقد أصيب بأضرار بالغة جراء حريق نفطي استمر لمدة شهرين مقابله، فجدران المنزل اصطبغت بالسواد وغطى القار أرضيته.
كان محمود شرطيا قبل استيلاء تنظيم الدولة الاسلامية على القيارة مما اضطره للهرب.
وعندما عاد، وجد ان بيته قد تحول الى ركام.
تحاول منظمة أوكسفام تأمين مياه الشرب لسكان القيارة عن طريق تزويد مادة الكلور لمنشآت تصفية المياه المحلية.
قيل لموظفي أوكسفام في القيارة إن نحو 60 مسكنا في البلدة احترقت تماما جراء حرائق النفط، وان العديد من البيوت الأخرى أصبحت غير صالحة للسكن جراء تدفق النفط فيها وقربها.
في صيف عام 2016، وعندما كانت القوات العراقية والكردية تتقدم نحو القيارة، زرع مسلحو تنظيم الدولة الاسلامية عبوات في آبار النفط..
ثم قام المسلحون باطلاق النار على العبوات التي زرعوها من أسطح المنازل المجاورة، وكان هدفهم ان يتكفل الدخان المتصاعد بحجب الرؤية عن الطائرات المغيرة.
ولكن عندما انتشرت الحرائق، انهارت الآبار النفطية وتحولت الى حفر كبيرة يملأها النفط المشتعل الذي احال السماء الى سواد وأرسل الغازات السامة الى القرى القريبة.
القمر الاصطناعي "لاندسات 8" التابع لوكالة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) استشعر بالخطر في حزيران / يونيو 2016
فقد استشعر القمر الاصطناعي بوجود غمامة من الدخان الأسود وهي ترتفع في سماء شمالي العراق على مسافة 60 كيلومترا تقريبا الى الجنوب من مدينة الموصل.
وبحلول شهر تشرين الأول / أكتوبر، كان 20 بئرا تشتعل فيها النيران.
وحتى في الـ 25 من شباط / فبراير، كانت الأقمار الاصطناعية التابعة لناسا والتي تستشعر بالحرارة تظهر حرائق عدة في المنطقة.
ولكن الآن، في اوائل نيسان / ابريل، تم اخيرا اخماد كل الحرائق التي كانت مندلعة في آبار النفط في القيارة.
ولكن المنطقة ما زالت ملوثة الى حد كبير، ومن المتوقع ان تستغرق عملية تنظيفها شهورا عديدة.
مما لا شك فيه ان اخماد حريق نفطي ضخم يعد مهمة معقدة وصعبة حتى في وقت السلم.
ولكن الحكومة العراقية اضطرت الى القيام بهذا العمل قرب منطقة قتال في وقت كانت فيه معظم مواردها موجهة للمعركة مع تنظيم الدولة الاسلامية.
فقبل ان يتمكن المهندسون العراقيون المختصون من الوصول الى مواقع الحرائق، كان عليهم تطهير المناطق المحيطة بها من المئات من العبوات المتفجرة التي زرعها مسلحو الدولة الاسلامية.
ولا يعلم أحد عدد العبوات التي ما زالت موجودة في المنطقة.
كان الرجال الذين كافحوا لاخماد النيران يعملون في حقول النفط التي تعد اساس اقتصاد القيارة.
ولكن في السنة الأخيرة كانوا يعملون مناوبة لمدة 8 ساعات يوميا على حافات الحفر المليئة بالنفط الخام ويعانون من الحرارة المرتفعة ويستنشقون هواء برائحة القار المحترق.
فبالقرب من حافات هذه الحفر، كان النفط والغاز يشتعل دون انذار.
واستخدمت فرق الاطفاء آلات الحفر لطمر السنة اللهيب بالتراب الرطب، بينما كان رجال مزودون بخراطيم المياه ذات الضغط العالي يقومون بتبريد تلك الآلات وابقاءها قابلة للعمل.
وفي بعض الأيام، كان الدخان في سماء القيارة من الكثافة بمكان بحيث حجب الشمس تماما.
ووسط الدخان اللاذع، بدأ الاطفال الذين يلعبون خارج مساكنهم يعانون من صعوبات في التنفس ومن طفح في الجلد.
فقد أحمرت عيونهم، واحترقت رئاتهم جراء الدخان الكثيف الذي يحتوي على ثاني أكسيد الكربون وأحماض غازية ومعادن سامة كالرصاص والزئبق.
وترسبت على ملابس الناس وشعورهم طبقة من الدهن اللاذع المؤذي.
كان الأولاد يلهون فوق بقايا الحرائق المخمدة، كما كانوا يقذفون الحصى في بحيرات النفط الخام الذي تسرب الى سطح الأرض.
فقد أثرت الحرائق على الأطفال بشكل خاص، إذ كانوا يبصقون معجون اسنان اسود اللون عندما كانوا ينظفون اسنانهم.
وتفاقمت الأزمة الصحية في تشرين الأول / أكتوبر الماضي، عندما أضرم مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية النار في منشأة الكبريت في المشراق الواقعة الى الشمال من القيارة بمسافة قصيرة.
أدى ذلك الى انتشار غمامة من ثاني أكسيد الكبريت وحامض الكبريتيك في سماء العراق وصلت الى العاصمة بغداد جنوبا والى تركيا وسوريا شمالا.
وخلص تقرير نشرته الأمم المتحدة الى ان اكثر من الف شخص عولجوا لصعوبات في التنفس والتهابات جلدية في شهر تشرين الأول / اكتوبر فقط جراء الحريق الذي اضرمه تنظيم الدولة الاسلامية في منشأة كبريت المشراق.
في تشرين الأول / أكتوبر قالت الطبيبة باسمة محمد التي تعمل في قرية حجي علي المجاورة للقيارة لأوكسفام إنها تعالج نحو 20 طفلا يوميا يعانون من صعوبات في التنفس والتهابات في الجهاز الهضمي جراء شرب المياه الملوثة.
وقالت الطبيبة لأوكسفام "إنهم بحاجة الى مرهم الستيرويد لجلودهم، ولكننا نعاني من شح في الأدوية."
وتأثرت الماشية التي يعتمد عليها سكان القيارة سلبا بالهواء الملوث الذي اصابها بالامراض.