خرج حزب الاتحاد الوطني الكردستاني من رحم الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق عندما قاد الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني تيارا ضمن الأخير ثم أعلن عن تشكيل حزب الاتحاد عام 1975.
جاء تشكيل الحزب في أعقاب إتفاقية الجزائر بين العراق وإيران التي توسط فيها وزير الخارجية الامريكي وقتها هنري كيسينجر وهي الإتفاقية التي أنهت "الانتفاضة الكردية" في شمالي البلاد.
وظلت العلاقة بين الحزبين منذ البداية يغلب عليها طابع التنافس والتوتر والصراع، ولم يتردد الطرفان في الاحتكام إلى السلاح إذا لزم الأمر.
ساعد وجود عدد كبير من النخب اليسارية والعلمانية في قيادة الإتحاد في توسيع قاعدته الجماهيرية في أوساط المتعلمين وأبناء المدن بينما حافظ الديمقراطي على قاعدته الواسعة في أوساط الطبقات المحافظة والريفيين والمتدينين.
كما أن مناطق نفوذ الحزبين لم تتغير كثيرا، فمعقل الاتحاد ظل محافظة السليمانية وكركوك والمناطق الشرقية من الإقليم، بينما حافظ الديمقراطي على مناطق نفوذه التقليدية في زاخو ودهوك وغيرها من المدن والبلدات غربي الإقليم وأضاف إليها أربيل في التسعينيات. وينظر بعض الأكراد إلى ما جرى في كركوك مؤخرا باعتباره فصلا جديدا من المنافسة بين الحزبين الذين ربطا مصير الإقليم بهما.
منذ إنشاء الحزبين ظل جلال طالباني والآمر الناهي في حزب الاتحاد حتى مرضه قبل سنوات قليلة بينما ظلت أسرة بارزاني هي التي تقود الحزب الديمقراطي دون منافس.
أولى المواجهات المسلحة بين الحزبين وقعت عام 1978 وأدت الى سقوط قتلى في صفوفهما بسبب الصراع على مناطق النفوذ في الاقليم وقتل خلالها أحد قادة الاتحاد عندما قاد الديمقراطي هجوما مسلحا على 800 من عناصر الاتحاد أثناء توجههم إلى كردستان تركيا لاستلام شحنة أسلحة فقتل 700 منهم.
خلال الأعوام الأولى من الحرب العراقية الإيرانية، استمر الصراع بين الحزبين بسبب ارتباطهما بأطراف اقليمية متصارعة وتحول كردستان الى ساحة للحرب بعد ان دخلت القوات الايرانية الى منطقة نفوذ طالباني في منطقة بنجوين رغم معارضة طالباني. وكان مقاتلو الحزبين ينصبون الكمائن لبعضهما دون الدخول في مواجهات مباشرة. خلال هذه المرحلة.
وبحلول أواسط ثمانينيات القرن الماضي وسيطرة الجمود على جبهات القتال في الحرب العراقية الايرانية عادت المواجهات بين الطرفين.
أبرم الاتحاد الوطني اتفاقا مع الحكومة العراقية عام 1984 تم بموجبه تسليح 40 ألف من مقاتلي الحزب والعمل كحراس حدود. ورفض العديد من أعضاء الحزب الاتفاق وانضموا إلى غريمه الديمقراطي الكردستاني.
عام 1987 أعلن جلال طالباني ومسعود بارزاني عن إقامة الجبهة الكردستانية مما مكن مقاتلي الحزبين من توسيع قاعدة عملياتهم وشن عمليات أكثر فعالية في مختلف أرجاء كردستان حيث تمكن البيشمركة من السيطرة على عدد من المدن مثل رواندوز وشقلاوة.
"حملة الانفال"
بنهاية الحرب العراقية الإيرانية 1988 ورغم حملة الأنفال التي أدت إلى قتل ما بين 100 الى 150 الف شخص، حسب بعض التقديرات، وإلى تدمير آلاف القرى وتهجير مليون ونصف المليون شخص، استمر الحزبان في التعاون و قاما بتجميع ما تبقى من قوات البيشمركة وأنطلق العمل العسكري مجددا في كردستان.
بعد غزو العراق للكويت سعى الحزبان للاستفاد من الإجماع الدولي على إخراج العراق من الكويت وزادا من نشاطهما مستفدين من الجنود الاكراد الفارين من الخدمة العسكرية و ما يطلق عليه "الجحوش" السابقين (وهم مسلحون أكراد عملوا الى جانب الحكومة العراقية ضد الأحزاب الكردية).
بعد هزيمة العراق في الكويت اندلعت انتفاضة آذار 1991 في جنوب العراق وشماله ضد حكم صدام حسين. وخلال أيام قليلة خرجت أغلب مدن كردستان عن سيطرة الحكومة العراقية بما في ذلك مدينة كركوك.
استعادت القوات العراقية السيطرة على كردستان بسرعة بعد إخماد التمرد في الجنوب بعنف وفر مئات الآلاف من المدنيين من مدنهم خوفا من انتقام الحكومة العراقية وسط ظروف جوية بالغة القسوة ورفض الحكومة التركية فتح الحدود أماهم.
قامت فرنسا وبريطانيا وأميركا بإنشاء منطقة آمنة في 23 أبريل/نيسان 1991 في منطقة عرضها 15 كم على الحدود التركية العراقية، وفي وادي نهر دجلة لمسافة 40 كم وطول 60 كم على الحدود بمساحة قدرها 2400 كم مربع، كما فرضت حظرا جويا عراقيا عليها عند خط عرض 36 شمالا.
وبعد فشل المفاوضات بين الأكراد وصدام حسين اتفق الحزبان على إقامة حكومة في الاقليم بعد إجراء انتخابات برلمانية وتوحيد قوات البيشمركة التي كانت تضم 80 ألف مقاتل. فشل الحزبان في توحيد قواتهما بسبب حرص كل طرف على السيطرة على مقاتليه والاحتفاظ بها رغم تشكيل قيادة موحدة.
وظل التوتر بين الحزبين وبرزت ظاهرة بيع الولاء بين تشكيلات البيشمركة لمن يدفع أكثر.
"حرب الأخوة"
في مايو/ايار 1994 اندلع قتال بين الحزبين بسبب خلاف على أرض في بلدة "قلعة دزة" فانتشر إلى العديد من المدن والبلدات وأسفر عن سقوط ما بين 600 وألف قتيل، وتوقف القتال بعد أن تم التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في إغسطس/آب 1994.
بحلول 1995 كان الحزبان يمتلكان ترسانة كبيرة من الأسلحة وكانا على أتم الاستعداد للدخول فيما بات يسمى في التاريخ الكردي "حرب الأخوة". أدت المعارك والأشتباكات بين الطرفين إلى مقتل المئات وتشريد الألاف. وبعد كل إتفاق لوقف إطلاق النار كانت الحرب تعود إشد عنفا وضراوة من السابق بعد أن يعزز كل طرف مواقعه وتحالفاته الاقليمة والمحلية. فبينما كان طالباني يتلقى الدعم من سوريا وإيران كان بارزاني يتلقى الدعم من الحاكم في بغداد صدام حسين.
في أغسطس/أب 1996 في أوج الصراع بين الحزبين استنجد بارزاني بالرئيس العراقي آنذاك، صدام حسين، الذي أرسل قوات من الحرس الجمهوري. ودخلت تلك القوات لطرد مقاتلي الإتحاد الوطني من مدينة أربيل وساعدت الحزب الديمقراطي على ملاحقة جماعة الاتحاد الوطني حتى الحدود الإيرانية إلى إن تدخلت إيران وساعدت الإتحاد على استعادة معظم المناطق التي خسرها باستثناء اربيل. وما زالت مناطق نفوذ الحزبين في الاقليم الحالية كما هي تقريبا منذ ذلك الوقت.
استمرت المواجهات بين الجانبين حتى أواسط 1998 إلى أن تم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين برعاية أمريكية حيث أصرت واشنطن على وقف المعارك بين الطرفين إذا كانا يريدان أن يكونا من الجماعات التي ستتعاون معها في غزو العراق.
ورغم إبرام وقف إطلاق النار في إطار ما بات يسمى باتفافية واشنطن ظل التوتر يسود الشارع الكردي لمدة طويلة وتركت الحرب آثارا سلبية على المجتمع حيث قتل فيها ما بين 3 آلاف الى 5 آلاف شخص وتبادل الطرفان تهجير عشرات الآلاف من المدنيين.
في أعقاب هجمات سبتمبر 2001 برزت جماعة "أنصار الاسلام" المتطرفة قرب الحدود مع ايران في منطقة نفود الإتحاد الذي فشل في إنهاء وجود الجماعة هناك رغم قلة عددهم وفي ظل عدم وجود حلفاء له طلب الاتحاد المساعدة من الحزب الديمقراطي للقضاء على هذه الجماعة.
صوت واحد
تعاون الحزبان مع القوات الأمريكية قبل غزو العراق وخلاله 2003 وساعدا القوات الامريكية في احتلال أغلب مدن كردستان. ولعب طالباني وبارزاني دورا أساسيا في إقامة "مجلس الحكم الانتقالي" ووضع دستور العراق الحالي، فتراجعت خلافات الطرفين، وكان الأكراد يتحدثون بصوت واحد خلال مفاوضات التي جرت مع القوى السياسية الأخرى لصياغة شكل الحكم والدستور وتقاسم المواد والسلطات.
في أعقاب انتخاب جلال طالباني رئيسا للعراق عام 2005 تحسنت العلاقات بين الطرفين أكثر وتولى مسعود بارزاني رئاسة الاقليم، ووقع الحزبان على اتفاقية عام 2007 من أجل تقاسم المناصب والأدارة في الاقليم.
فيما عزز بارزاني سيطرته على الاقليم كان الإتحاد يشهد توترات وتكتلات أفضت في النهاية عام 2009 إلى إنشقاق عدد كبير من قادته وأعضائه وتشكيل قوة سياسية جديدة لها حضور قوي في الاقليم، حركة التغيير، وهو الأمر الذي غير من طبيعة التحالفات السياسية في الاقليم.
اضطر الإتحاد إلى التحالف مع الديمقراطي للحفاظ على ما تبقى من قاعدته في الشارع الكردي لمواجهة منافسه الجديد الذي أخذ منه جزءا كبيرا من قاعدته الشعبية وفي معقله التاريخي.
أصيب جلال طالباني بجلطة دماغية عام 2012 وغاب عن المشهد السياسي العراقي والكردي ومنذ ذلك الحين يعيش الاتحاد صراعات على النفوذ بين عدد من الأجنحة، مما أضعف الحزب أكثر وزاد نفوذ زوجة طالباني هيرو أحمد وأبنائها على مفاصل الحزب.
شكلت الأحزاب الثلاثة حكومة الإقليم عام 2013 مع منح رئاسة البرلمان لحركة التغيير. لكن شهر العسل لم يعمر طويلا فبرزت الخلافات على السطح مع وقف الحكومة العراقية دفع مخصصات الاقليم الشهرية والبالغة مليار دولار شهريا منذ اوائل 2014 ومع تراجع أسعار النفط عالميا عجزت حكومة الاقليم عن دفع رواتب مليون ونصف مليون موظف لديها.
"خصم جديد"
تدهورت العلاقة بين الديمقراطي و حركة التغيير بعد مقتل 3 من أنصار الديمقراطي على يد أنصار التغيير خلال مظاهرات احتجاج على عدم صرف مرتبات الموظفين فرد الديمقراطي باغلاق البرلمان ومنع وزراء التغيير من دخول أربيل. فاتجه الاتحاد إلى فتح باب المفاوضات مع التغيير.
في بداية عام 2016 أعلن الإتحاد عن إنهاء اتفاق 2007 مع الديمقراطي، وفي مايو/أيار من ذات العام أعلن عن التوصل إلى اتفاقية مع حركة التغيير تحت اسم "اتفاق الشراكة" لخوض إنتخابات 2017 في قائمة واحدة وبالتالي بزرت مجددا امكانية وضع نهاية لسيطرة الديمقراطي على السلطة في الاقليم.
الحرب على "تنظيم الدولة الاسلامية" في العراق أجل انفجار الخلافات بين الطرفين، لكن مع اقتراب إنتهاء الحرب في العراق و الأزمة الناجمة عن اجراء الاستفتاء على استقلال الاقليم قبل أسابيع قليلة واستفحال الخلاف بين أربيل وبغداد، عادت الحرب الإعلامية بين الطرفين وسط مخاوف في الشارع من إمكانية تحول الخلاف الى مواجهات واقتتال.
بعض أجنحة الاتحاد وخاصة الذي تقوده أسرة طالباني اقتربت من بغداد وتركت حليف أيام الرخاء، مسعود بارزاني، لوحده يواجه عزلة داخلية ودولية واقليمة محملين إياه مسؤولية الأزمة الحالية.
BBC