"كومبه ميلا" الذي يعرف بأنه أكبر تجمع بشري في العالم، هو أيضاً نوع من الاستعراض الديني، حيث تتنافس طوائف الديانة الهندوسية المختلفة على الفوز بأتباع جدد.
ربما تبدو صور الهندوس الذين يصل عددهم إلى 100 مليون، مألوفة لدى الكثيرين وهم يؤدون طقوس الحج على ضفاف نهر الغانج المقدس، لكن "كومبه ميلا " هو أكثر من مجرد طقس ديني، إنه حدث أشبه بعرض للمنتجات الإلكترونية على المستهلكين، كالذي جرى في لاس فيغاس الشهر الماضي بحضور 4500 شركة و 1100 متحدث و 180 ألف زائر.
ويتجمع هنا القادة الدينيون والمجتمعات المحلية لعرض خدماتهم تحت علم أصفر ويتنافسون على كسب المزيد من المريدين.
ويجتمع هناك أيضا الرهبان الهندوس وعبدة البراهما ومختلف الطوائف ومدراء المعابد والقديسون للترويج لتفسيراتهم الفريدة للتعاليم الهندوسية. والفائز هو من يتقن فن الترويج أكثر.
كيف يبدو موقع الحج؟
ترتفع خيمة "سوامي أفدزهاناند وجيريجي" الشبيهة بحصن في السماء، في برايغراج شمالي الهند ، وسط مدينة مترامية الأطراف من الخيام.
ولديها نظام صرف صحي خاص بها ، ومعبد ، وقاعة عرض ، وشرفة مراقبة لزعيم الطائفة التي تطل على الحديقة وقاعات للطعام المزينة بثريات خفيفة خيالية، وغرف استقبال، وقاعات للصلاة، وغرف تتسع لـ 3000 شخص ومستشفى.
أما في الفناء الأمامي، يوجد عرش على شكل طاووس يحمل "سواميجي" وموكبه إلى غاتس، (البقعة المخصصة للغطس المقدس).
ويقول نيخيل أغاروال، صاحب الشركة التي عملت على إنشاء خمسة آلاف خيمة لهذا الموسم: " جميعهم يريدون خياماً مميزة تجذب المزيد من الناس". ويضيف: "إنهم يستأجرون مهندسي الديكور حسب حاجتهم، فهم ينفقون بشكل مختلف".
بعض تلك الخيام مزخرفة بالمخمل، وبعضها تتميز بأضواء مذهلة ، وتُتوج بعضها الآخر بأباريق خاصة، أو مشاعل نحاسية أو القواقع البحرية، وجميعها رموز دينية مقدسة لدى الهندوس.
رؤى مختلفة
يطلب سوامي سارسواتي، رئيس الملاذ الروحي "بارمارث نيكتين"، من القادة الدينيين تحمل مسؤولياتهم الاجتماعية.
وقال وهو يجلس على عشب اصطناعي في مخيمه: "غاندي وغانجا وجيريراج، (غاندي ونهر الغانج والجبال)، هذه هي رسالتي الى الحجاج".
رسالته هي البساطة، وإعادة استخدام مادة القنب في بناء جدران خيمته، وسلال للفوانيس ، والخيزران الذي يرفع السقوف المصنوعة من القش. إنها رسالة التقشف من خلال المحافظة على الشيء.
أما رسالة سوامي أفدزهاناند فهي "الغذاء والدواء والتعليم" ، في حين يدافع بيلوت بابا عن " النهر والنساء والعدالة".
وفي أماكن أخرى، يتلو الخطباء المعروفون قصصاً ملحمية عن المعتقدات الهندوسية، ويعرض آخرون مهاراتهم في السحر لمن لديه الرغبة في رؤية السحر والمعجزات.
ديانة حسب الأهواء
لا يزال البابا الذهبي الذي يرتدي 20 كيلوغراما من الذهب لأسباب غامضة في بداياته، ويكتفي بالظهور على مسرح المعتقد الهندوسي المزدحم.
وهناك آخر يستخدم مهارات شاربه الراقص ويرتدي غطاء رأسٍ شبيهاً بالمعبد، ولكن لا يُؤخذ ذلك على محمل الجد من قبل الزوار.
ففي دين يترك الكثير من الخيارات لأهواء وميول أتباعه، المظهر، والكاريزما وطاقة رجال الدين هي التي تلهم المتعبدين وتحثهم على نشر أفكارهم وكسب المزيد من المريدين لدعوتهم.
توسيع "قاعدة المستهلك"
إذا كان هناك دير هندوسي في موسم الحج، يجب أن يترك بصمته وتصل أفكاره إلى أولئك الذين لم يسمعوا به من قبل إن أمكن، يتوجب العمل على كسب مؤيدين جدد لدعوته.
وجميع الحجاج يقومون بممارسة الطقوس وإطعام الآلاف واستضافة العروض والخطابات ومحاضرات والمناظرات السياسية.
يشرعون في إطلاق الحملات، ويشاركون في النقاشات السياسية، ويصدرون البيانات الصحفية ويغردون على تويتر.
لذلك، التميّز أمر هام، فبعض القاعات تستضيف نجوما من بوليوود ومدربي اليوغا المشهورين، حتى أن أحدهم استضاف رئيس الهند.
لكن العديد يظهر امتعاضه من مقارنة الحج الهندوسي بالمواسم التجارية كون الأولى يتميز بالروحانيات والمعتقدات الدينية.
ويشرح سونيل بانديا ، أحد الزائرين المعتادين من كوجارات إلى الحج: "إنه أيضاً الابتهاج بالحج، وكزائر، لا تعرف من قد تقابله هناك، أو بنعمة من قد تتبارك، دع مجالاً لبعض السحر!" وهكذا، يرسم الحج صورة للورع والفضوليين.
وسيستمر الناس في المجيء إلى موقع الحج (كومبه ميلا) من جميع أنحاء العالم، السوق الذي يفيض بالآلهة المذهلين والقديسين.