د. غيـلان / سيدني
الدول التي انتقلت من أنظمة شمولية إلى أنظمة ديمقراطية تحتاج أول ما تحتاج إعادة هيكلة المؤسسات وتقوية أجهزة تنفيذ القانون وهي أمور أساسية مرت بها دول كثيرة ومنها دول الخط المسمى بالنظم الاشتراكية وهي نظم حققت الكثير من المنجزات على صعيد الضمان الاجتماعي ليس على صعيدها فحسب بل على صعيد الدول الرأسمالية وقد اضطرت الأخيرة إلى تقديم الكثير من التنازلات خلال الحرب الباردة وهو الأمر الذي تم توصيفه نقدياً بالعدالة الاجتماعية التي ترافق النظام الديمقراطي.
هذه الدول أدركت صعوبة الانتقال الفوري فقررت صياغة البرامج التي توفر التدرج الآمن في الانتقال إلى الديمقراطية ونظام السوق، فنهضت بذلك الأمر اللجان القانونية والاقتصادية، حدث هذا في بولونيا وهنغاريا تتقدمهم روسيا، فحققوا طفرات في توجهاتهم الجديدة دون أن يقفلوا الباب على ما يمكن استثماره من قوانين سابقة في التحول الجديد.
يتخيل الكثير من العراقيين وللأسف بأن النظام الديمقراطي هو الانتخابات وهذا غير صحيح فالانتخابات والاحتكام إلى صناديق الاقتراع جزء من العملية الديمقراطية، هذا التخيل لم يقتصر على المواطن البسيط بل تعداه إلى الوزراء، المدراء،أعضاء البرلمان، فنشأ جراء ذلك سياق لا صلة له بالديمقراطية وهو أقرب إلى الشمولية فنشوء الجزر الوزارية رافق ما نتوهمه تحولاً نحو الديمقراطية ونظام السوق، وصرنا نسمع الرد على أي اعتراض بأن الحكومة مُنتخبة وهكذا البرلمان، في الوقت الذي نعترض فيه على غياب القانون وهو العمود الفقري للديمقراطية وغياب العمل المؤسساتي الصحيح وهو جسد الديمقراطية.
في الولايتين السابقتين انتشرت ظاهرة الجزر الوزارية التي يبدو ارتباطها بمجلس الوزراء يأتي في سياق علاقة رئيس الوزراء بالكتلة التي رشحت هذا الوزير أو ذاك، وكنا في كل عملية للبدء بالتشكيل الحكومي نكتب بأن ولاء الوزير للبرنامج الحكومي ولمجلس الوزراء فعلاقته بالكتلة التي رشحته تنتهي ما أن يقسم اليمين، ولكن الذي حصل هو ارتباط الوزير بكتلته وتنفيذه لأجندتها فشاع الارتباك في الأداء الحكومي. وانتشرت مزاجية تتحرك وفقها قرارات المؤسسات ومديرياتها فمزاج المدير أو الموظف هو الذي يتحكم وليس السياقات والضوابط القانونية وكان الضحية المواطن، فالفوضى أخطر حاضنة للفساد وتغييب الضوابط والقوانين يمثل سجادة حمراء يتبختر فوقها الفاسدون، فكانت الضحية الدولة ومؤسساتها التي ينخرها الفساد وتعبث فيها جرذان الفوضى.
وعادت إلى الواجهة ممارسات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، سطوة مرافق وسائق الرئيس والمدير وصولاً إلى موزع الشاي وهكذا أنشأ الفاسدون مافيات على المواطن الخضوع لرغباتها وإلا فلا قيمة قانونية ملزمة لأفاعي الدوائر فهم في حل من القانون واللائحة وحتى وصايا الدين الحنيف.
الحل لهذه الفوضى يبدأ بتشكيل اللجان المتخصصة لإعادة هيكلة المؤسسات وفقاً للنظام الديمقراطي والذي مادة القياس الأساسية فيه هي مستوى الخدمات التي يقدمها الموظف للمواطنين وليس ما يقدمه المواطن للموظف.