ابراهيم علي/ سيدني
إن السلطة القائمة في العراق هي سلطة بيروقراطية استبدادية ذات طبيعة دينية تعتمد أساليب طائفية في الحكم حيث يسوغ الوضع القائم والفقر من منطلق أحكام الشريعة الإسلامية التي لم تعد تلائم الظروف الجديدة ومعطيات الواقع المباشرة التي تتقاطع مع عناصر الوعي التقليدي الغارق في أتون العالم السفلي ومفرداته السوداوية كمحصلة نهائية ناتجة عن غباء تأريخ متراكم في نفق العقل الديني المغلق ومن أقوال محمد (كاد الفقر أن يكو ن كفراً) (لا يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائها بخمسمائة عام) وبالرغم من التغييرات الي طرأت على العالم ما زال النظام لا يتجرأ حتى اللحظة الراهنة على إحداث القطيعة المعرفية مع نتائج العصور الوسطى!! فالمشكلة تكمن في الدولة التي تجير الطائفية لصالحها بإقامة مجتمع يعتمد منطق شبه الجزيرة العربية مجتمع صحراوي مرت على مفاهيمه المغلفة قرون طويلة.. والجدير بالملاحظة إن فشل النظام السياسي في العراق يكمن في تغريب الواقع الذي يصل إلى حد إلغائه من حساب التأريخ عبر تكريس بنية الوعي التقليدي نتيجة جهله بقوانين التطور الاجتماعي والمراحل التاريخية التي قطعتها
إن الذي يجري في العراق الآن هو اصطفاف طائفي يرتبط بحث الدستور على المحاصصة الطائفية نتيجة الصراع الدائر بين الكتل السياسية من أجل النفوذ والسلطة والمال إذ ليس من قبيل المصادفة أن يتم التغيير عن هذه الرهانات السياسية في سجال لاهوتي؟ كما أثبتت تجربة 13 عاماً الماضية فشل النظام حيث العملية السياسية انهارت برمتها في العراق وفشلت العملية الديمقراطية واستبدلت بسياسة التهميش وإقصاء القوى التقدمية بناًءً على تلميحات قوى الاحتلال خشية الإضرار بمصالحها الاستراتيجية لأن السلطة الجديدة ولدت من الخارج من رحم الاحتلال!!
لقد أسهم النظام الطائفي على نمو التطرف الديني والإرهاب من خلال طبيعة نظام المحاصصة الطائفية الذي رسخ الانقسامات الحادة في المجتمع أضافة إلى وجود خروقات وانتهاكات في الحقوق السياسية والاقتصادية والتفريق في الهوية الوطنية والعمل على اخصاء طاقات الفكر الحر على التعبير وفي تدمير بديهيات المنطق وفقاً لأهواء الجمود والتخلف والأطر الدينية التقليدية التي أدت الى خلق أمراض عقدية جديدة لاتوفر المناخ الصحي داخل المجتمع العراقي!! أن الحديث عن الديمقراطية الحقيقية لا ينبع من الشعار بل من التوجه الحقيقي ارتباطًاً بمنظومة القيم الأخلاقية والفكرية التي تلامس جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية فالديمقراطية لا يمكن أن تنجح بتوفير القرار السياسي والأهم ان يتوفر الأساس الثقافي والذهنية التي تتقبل النقد والاختلاف وإلغاء الأخر !!
إن قيام الدستور على أساس من المحاصصة الطائفية هو دستور غير ديمقراطي يمنح امتيازات للكتل السياسية الإسلامية ضد الكل يشكل بالضرورة أداة تمزيق العراق وتدمير وحدته الوطنية وتفككيك نسيجه الاجتماعي فالدولة في العراق تمارس التدمير المنهجي لبنية المجتمع الذي ما زال يعيش مراحل تتسم بغياب مبدأ المواطنة ونفوذ الولاءات العشائرية والقبلية والطائفية والمذهبية والموروث الديني والنظرة الدونية الى المرأة باعتبارها ناقصة عقل ودين في حين أنها استطاعت أن تغير موازين القوى في العالم الغربي الذي أتاح لها الفرصة في مواجهة المجتمع وأن تتطلق العنان لمبادراتها التاريخية وتحظى بالمواقع الحساسة في الدولة.
فالدستور بصيغه المتعددة جاءت بناءً على رغبات طائفية عرقية ليس ضامناً لوحدة العراق فهناك الكثير من الدساتير كانت توضع من قبل عتاة التاريخ بعد أن اضيف إليها صبغة الديمقراطية بهدف تزييف وعي الجماهير، فامتلاك الوعي ضروري للسيطرة على زمام المبادرة التاريخية ولأنها لا تستطيع امتلاك الوعي الضروري لذلك تفشل في أن تكون مبادرة على المستوى السياسي فللوعي السياسي حقاً دور كبير في عملية التغيير وامتلاك ناصية المعرفة
ومما يستوقف النظر ما جاء في المادة الأولى من الدستور العراقي أن النظام القائم في العراق هو نظام نيابي - برلماني - اتحادي - ديمقراطي في حين أن النظام لا يمت بصلة للديمقراطية فالديمقراطية لا تتحقق فجأة من خلال الدساتير والقوانين الإدارية والقرارات الفوقية وهي ليس قالباً جاهزاً يمكن استيرادها فالديمقراطية التي تؤمن بها السلطة الطائفية هي الديمقراطية الشكلية التي تقوم على احتكار السلطة السياسية واحتكار الحقيقة المطلقة المرتبطة بالمشيئة الإلهية التي لا تدحض؟
أن إجراءات السلطة الطائفية على الأصعدة كافة تثبت على أنها غير قادرة على أن تحقق أكثر من بيروقراطية فضة.