ابراهيم علي/ سيدني
تعتبر التقاليد الإجتماعية السائدة في العراق من أكثر التكوينات إنتشاراً من الناحية التأريخية نتيجة الصراعات الدينية التي أدت إلى مقتل العديد من الصحابة ودور الدولة في تكريس هذه الظاهرة وإعادة إنتاجها وفق الأسس التي تستهدف ديمومة بقائها في صياغة الطابع المثالي للمجتمع الذي يتخذ من الحياة الواقعية موقف سلبي إرتباطا بالمعتقدات الاخرويةً ومخلفات الماضي السحيق في وعي وسلوك الناس وخلق أفكار ورؤى محددة لا تتوافق مع قوانين التطور الموضوعية للمجتمع، هذه الأفكار تحولت إلى عقبة في وجه التطور للمجتمع العراقي، في الوقت الذي تنصرف المعرفة فيه بالدرجة الأولى إلى تجذير الأفكار المرتبطة بانتشار المفاهيم التقليدية حول عودة المهدي المنتظر عبر المؤسسات التربوية والتعليمية التي تمثل جملة من التكوينات الغيبية وتحويلها إلى طقس ديني سحري يرتبط بفكرة قوى ما فوق الطبيعة تمهيداً لنشر النزعة اللاعقلانية في المجتمع والقلق المستديم بانتظار عودة المهدي المنتظر المخالف لكل واقع بقدر ما هو مناقض للواقع ارتباطاً بظاهرة الفساد المستشري في مفاصل المجتمع العراقي عبر منظومات الفكر الديني القائم على تزييف وعي الجماهير أداة التغيير؟ ومن المعروف إن أساس النظرية الإسلامية حول المهدي المنتظر وعودته الى الحياة هي نتاج لتغطية فشل النظام السياسي في أجراء أي تغيير أساسي ومحاولة إنتاج تكريس بديل عن الفشل الضائع قبل الكشف عن مسار العجز ومآلات تحطم المشاريع، وليس هنالك ما هو أدل على الانغلاق الفكري؟ وفي سياق التاريخ العراقي الحديث والمعاصر تكرست الخلافات الدينية والمذهبية حول فكرة الرجعة والعصمة والإمامة دون الاعتماد على يقينية مستمدة من الكتابات الموثقة التي تعكس بدقة مسارات واقع القرن السابع الميلادي.
ومثل هذا الاختبار على حافة الكارثة ،وقد اكتفت المراجع الدينية بترسيخ أسباب الاختلاف دون سبر أغوارها، وهنا يتجلى بدء إنتكاسة التجربة الإسلامية في العراق وتحول الإسلام الى معطى ثابت ومتحجر، مع أنه ليس سوى صناعة بشرية استوحت الأسس من معطيات الواقع بما يطابق حاجاتهم ووجودهم الاجتماعي، وكان لا بد من استمرار الحالة لتأمين مصالح طبقة رجال الدين بفتح الأفق أمام مشروع المهدي المنتظر بعد أن استحال التراث الديني الى مادة هشة في معركة صياغة المشاريع الدينية؟
فالإسلام دين يتضمن الحد الأعلى من المثيولوجيا والشريعة الإسلامية المنغلقة غير قادرة على تنظيم المجتمع بدليل إن ما يجري في العراق الآن من انتهاكات وتجاوزات على حقوق الإنسان أصبحت مريعة في نظر القانون الدولي، فالدين كأيديولوجية مزيفة كما أثبت وقائع الحياة الفعلية تكون في خدمة الطبقة الحاكمة يسهم في تخدير الوعي الإنساني وتحرف الجماهير عن مهام البناء في مجتمع أصبح راكداً يعاني من التفكك الداخلي جراء تفاقم منهجية الطائفية التي هي مصدر الصراعات الحالية في العراق الأمر الذي يقود إلى أخطار كبيرة محدقة بتسويغ الفقر المدقع، ورفض القيم الوطنية والديمقراطية بذريعة ان الشريعة هي التي تؤمن الضمانة ضد الفقر كأفة اجتماعية بهدف إضفاء الشرعية على نظام المحاصصة الطائفية وتأمين ديمومة النظام!! والجدير بالملاحظة ان الفكر الحر والعقلاني لا يتطابق بالضرورة مع منظومة الأفكار التي تشكلت منها الشريعة الإسلامية التي لا تسمح بتعدد الاتجاهات الفكرية وبحرية الفكر والابداع وكل رغبة تنطوي على انتظار توقع تحقق الأمل إنه لوهم ينبعث من التصورات الدينية!!
*(ان تقلص الركيزة الاجتماعية للدين مرتبط لحد كبير بسيطرة الناس الواعية على صيرورتهم الخاصة فإن الإلغاء التام لاستغلال الإنسان للإنسان هو الشرط الأساسي لهذا الأمر) والملاحظ ان الدين يفرض طريق واحد على المجتمع ويغلق كل منافذ الحياة وبالرغم من انسداد الأفق تعالت موجة صعود من الاحتجاجات الجماهيرية التي تشق عنان السماء مطالبة بالتغيير الجذري لأسس الحياة وتحجيم دور الدين في الحياة السياسية إن المنهج الصحيح الوحيد يكمن في تدمير الأسس التحتية للدين أي بتقويض أساسه المادي.
المصادر * وضعية الدين عند ماركس وانجلز