د. غيـلان / سيدني
تتضاءل قيمة المثقف إذا كانت الحقائق التي يتداولها عامة الشعب تعادل الحقائق التي في جعبته، ومثل هذا الأمر يقود إلى ركود ثقافي يؤدي إلى نفي الثقافي إلى الهامش، ويتصدر كامل المشهد السياسيون، وهذه أبرز علامات الانحطاط. مرة كنت وصديقي الألماني البروفسور هانز مدرس مادة الفلسفة في جامعات "تايلند" حيث اعتدنا اللقاء خلال العطل الجامعية في مدينة "بالي "الاندونيسية" كنا نتمشى في الشارع السياحي قاصدين مقهى اعتدنا الجلوس فيه وحين حاذينا إحدى المكتبات أوقفني صديقي وقال – أنظر - كانت صورة لأوباما وهو يعتمر قبعة تشي غيفارا أو ما يشابهها، وكانت حينذاك الانتخابات الأميركية على أشدها ليس بين الحزبين الرئيسيين، بل بين مرشحي كل حزب وكانت المعركة على أشدها بين أوباما وهيلاري كلينتون داخل الحزب الديمقراطي، سألني صاحبي – ماذا تعني لي الصورة؟
فأجبت بتقليدية لا تخلو من سذاجة بأن "أوباما يريد أن يستميل الأميركيين من أصول لاتينية إلى جانبه" لم يرق جوابي البسيط لصديقي هانز فأخذني من يدي مؤكداً أن الأمر يحتاج إلى جلسة، وحين جلسنا بقيت أنا على محاولة أوباما استمالة الأميركيين من أصول لاتينية أما صاحبي فقال - أنا على يقين بأن كلينتون ستخلي الساحة لأوباما، وعن هذه الصورة فدلالتها تشير بأن أوباما وادارته لن يستخدموا الجيش الأميركي في جولاتهم القادمة، بل سيلجئون إلى الشعوب!..
هذا الحديث حصل قبل أن تبدأ ولاية أوباما، وتفاصيله تشير إلى ما يحدث الآن خصوصاً في المحيط العربي.
هذا هو حال المثقف الغربي ببساطة وحال مثقفنا لا يحتاج إلى إشارة أمام كل هذا الركام.
نكثر في الحديث عن المثقف العضوي ودليله غرامشي دون التأثير في هذا الركام الذي كشفت الحاجة للعمل عليه ليلة رأس السنة حيث ملأت الشبيبة حدائق الزوراء وشوارع بغداد ومارست الاحتفال بهذا العيد خارج توقعات المثقف الذي تخيل أن أمر الاحتفال بهذا العيد ذهب مع الريح وحلت محله أعياد ومناسبات أخرى، وفي الوقت الذي صار فيه التلون ممارسة ثقافية جاعلاً من الثقافة العراقية واضحة في استبدال توجهاتها الأصيلة بتوجهات آنية ساهمت في توسيع الشرخ بين الخلفيات الدينية للمجتمع الذي بفعل هامشية الثقافي والمثقف أصبح قدره بيد من يقود هذه الموجة المذهبية وتلك الموجة المدفوعة من دول الجوار بقوة.
والسؤال الذي يطرح نفسه على المثقف يتمثل بـ من يقود العراق الراهن، وما هو حجم التأثير الذي تمارسه المذهبية القومية التي تقودها السعودية وما هي علاقة ايران باهتزاز التوجهات الثقافية، وكيف تمدد الحلم العثماني وصار يتحكم بمفاصل داخل الدولة العراقية، وما دور كل ذلك بطمر الهوية الوطنية؟