د. غيـلان / سيدني
ما من بلد يعيش شعبه تحت نقمة الموارد مثل العراقيين وتحول النفط إلى عائق يحول بين انسان هذا البلد والعيش الانساني الصحيح حيث الكشف والعمل وحيث تتوضح العلاقة بين الحاجة والانتاج وبين الموارد والتطوير وبين النظام الاقتصادي ورفاهية الشعب الشغيل، ونحن خارج كل هذا فاقتصادنا لا يتماشى مع كل التعريفات الاقتصادية الشمولية والرأسمالية، الصناعية والزراعية، المنتجة وحتى الريعية، بل نحن لنا الفضل بالكشف عن نمط اقتصادي جديد يمكن تسميته باقتصاد "التنابل" بلغ مستوى الاستيراد عندنا أكثر من 75،5 مليار دولار وهو إلى زيادة وتتمفصل استيراداتنا من المواد الغذائية من الطحين والأرز والحليب بأنواعه ومشتقاته والبطاطا ومشتقاتها من انواع الشيبس، والبسكت بأنواعه المملح والمحلى، والنودل والمكرونا، ونستورد ومن غير تردد المفردات الرئيسية لأكلاتنا الشعبية كالباميا والباذنجان والفاصولياء المجففة والخضراء وكذلك اللوبياء بأصنافها وتوحدت دول الجوار في اسواقنا فهذه طماطم "أحوالي شما خوبي" وتلك "نسسن آبي" وهكذا الرمان المصري ومياه البحر المحلاة من حبيبتنا جداً جداً السعودية واللهانة والكراث والبصل من الأردن واللحوم البرازيلية البيضاء والهندية الحمراء والويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع، كأن الشاعر كتبها خصيصاً لنا نحن الذين اكتشفنا "اقتصاد التنابل".
في هذا المناخ الاقتصادي الغريب ستتوج البطاقة التموينية ملكة تتحكم بهواجس المواطن وتدفع القائمين على استيراد مفرداتها إلى التفنن في تقطيعها والتحكم بنوعيتها وعدم التردد في الغاء بعضها، فنشأت ازمة بين مواطن يريد "حار ومكسب وبلاش" وبين مستورد يريد ربحاً سريعاً وخارج الرقابة وهذا يحتاج إلى غطاء حكومي فكان له ذلك ويحتاج إلى استمرار المواطن في غابة الكسل وهو الحاصل فطاب له الغناء "هيعونج ويالبيتج على الشط منين ماملتي غرفتي" .
وفي هذا المناخ يستعر النقاش حول ماذا سنصنع بالموازنة التي تفتقر إلى الجوهر الذي تقوم دلالتها عليه "التوازن" و في برلمان غير متوازن وعاجز عن ايجاد حلول لما تراكم من قوانين لم تزل تنتظر التشريع، ومجلس الاتحاد مازال تكوينه خارج الإرادة البرلمانية، وهو المجلس الذي تعتمده الدول الديمقراطية من أجل فلترة مشاريع القوانين، وتأسيسه أو تشريعه يُلزم البرلمان بشروط عضوية هذا المجلس وأولها الكفاءة في التخصص والمسبوقة بالسيرة النزيهة للمرشح.
في النظام الديمقراطي واقتصاد السوق تتحكم المؤسسات وليست الكتل والأحزاب وتنتقل اموال الموازنة من الدولة إلى الشعب عبر المؤسسات لتديرها علمياً في اطاري الانتاج والتشغيل، وفي الديمقراطية تخضع الدولة للقانون، ونقول الدولة لأنه التعبير الدستوري السليم والذي لا يفسح للسياسيين المجال بصناعة الثغرات في نص القانون والتهرب منه بحجة سيادية هذه الوزارة أو تلك فالدولة بكل سيادتها وتفاصيل مؤسساتها تخضع للقانون. يبدو ان مقالي خرج عن المسار الواقعي فلو قامت الحكومة والبرلمان وسلطة القضاء بتطبيق ما ذكرت سيكون في ذلك انحراف عن خصوصيتنا الاقتصادية و"اقتصاد التنابل" الذي يميزنا عن العالم!!.