د. غيـلان / سيدني
قراء الوضع العراقي يربكهم حجم التقاطعات فيه وضياع البوصلة فالملفات تراوح في نبضها وتتفاوت في سرعتها، ملف دول الجوار العراقي يتنفس في سبات فكل واحد من الجيران بلع من الكيلومترات وما عليها وفي وضح النهار تارة وتارة أخرى بالرشوة المادية أو المذهبية، ولم تتوقف همة الجيران عند هذا الحد فشطروا الهوية الوطنية إلى شطرين بائسين، شيعي وسني ويضاف إليهما ما هو قومي وديني وغير ذلك ودول الجوار تلعب بعد التشطير على راحتها في كسب هذا وطرد ذاك مع ثبوت الجارين المؤثرين على فرض تأثيرهما باختلاف نسبي تمليه موازين القوى فالعربية السعودية لا تتوانى عن استخدام أي وسيلة تجعل منها رقماً صعباً في المعادلة العراقية، والجمهورية الإسلامية لا تحتاج إلى جواز مرور للعراق فهي تتمدد في كل المفاصل منتحلة مشروعيتها في هذا الدخول الحر والصريح على وجود التحالف الشيعي في سدة الحكم، تركيا تريد لها موقعاً مؤثراً في العراق ووجودها على الأراضي العراقية خير دليل على ذلك، وسوريا تتفاعل افقياً مع عمقها العراقي وعمودياً هي الخط الأحمر الروسي الذي لا يسمح إلا ما ندر بالاقتراب منه، هذه دول الجوار وملف الأمن مرتبط تفصيلياً بها، وملف الفساد والذي تفوق فيه الفاسدون في العراق على تاريخ الفساد في كل المعمورة، بل تحولنا إلى نكتة ترددها مقاهي العالم الأول والثاني والثالث.
الإشكالات المستمرة بين المركز الاتحادي واقليم كردستان مستمرة تشبه تمرينات لمنازلة بين ملاكمين بالريموت كونترول فلا الأقليم يقوى على تنفيذ تصريحات كاكا مسعود النارية ولا المركز من القوة بحيث يؤشر عليها بالممنوع وكلاهما يسعى إلى استشارة تركيا وايران ومنذ 2003 وحتى الآن تيتي تيتي منين ما رحتي جيتي.
أمريكا وهي الصانع الأمهر لا يهمها الشعب النائم بل أخطر ما يستفزها الشعب الحي فهو وحده الذي يجبرها على تغيير سياستها، وكيف يمكن ذلك وصناع السياسة الأمريكية في العراق قاموا بأستنساخ الآلاف من صدام حسين وبطريقة محسنة وكوميدية هذه المرة حيث أرسوا النظام الديمقراطي وفتحوا الحدود وقاموا بتنشيط الطائفية واتفقوا ضمنياً مع دول الجوار على جعل الاستقرار من المستحيلات.
أما اليسار العراقي والتيار الديمقراطي فليسا من الشجاعة بحيث يلجأون إلى روسيا فأن لم يستطع يحاور الإدارة الأمريكية حواراً واضحاً وصريحاً من أجل تغيير آليات العملية السياسية فأن لم يجد توافقاً يختارون الانسحاب من العملية السياسية فهذا أشرف من بقائهم شهود زور على ديمقراطية مهلهلة لاقيمة لها ولا مؤسسات حيوية تحرسها ولا قانون يحصنها.
ولعل أخطر ما يربك المراقب هو الكيفية التي إنتقل فيها هذا الشعب الجموح والمتعلم، هذا البحر العظيم يتحول إلى شعب نائم وليس في الختام إلا القول..
حسافة يابحر نايم بتابوت..