نورالدين مدني/سيدني
الخلاف حول الهوية السودانية خلاف مصطنع فاقمته المصالح والأطماع التي تسببت في تقسيم السودان إلى شعب واحد في دولتين' وما زال هذا الخلاف المصطنع يهدد وحدة السودان الباقي نتيجة لاستمرار السياسات الاحادية التي فشلت في حسن إدارة التنوع الخصيب. لذلك فإننا بقدر رفضنا لمحاولات إقصاء ثقافة وحقوق الاخر السوداني نرفض الإنكفاء على الذات ومحاولة النكوص إلى الوراء بدعوى العودة للجذور أو العودة لهوية البادية كما بشر بذلك السفير خالد موسى في مقاله الأحد الماضي ب" السوداني" بعنوان هوية البادية وتشظي الذات السودانية على ضفاف بحيرة جنيف. نحن نقدر جهود علماء الاثار امثال عالم الاثار السويسري شارل بونية الذي كشف الكثير من اثارنا التي كانت مطمورة في رمال الصحراء' والبروفسير الألماني فليدونج' والباحثة الانثروبولوجية الألمانية إيتكو غاجي.. لكن هذا لايجعلنا نختصر الجدل في البحث عن إتجاهات الهوية والحداثة في " الخوي" وليس في"دبي". نقول هذا دون أن نغفل جهود أساتذتنا الذين سبقوا في التوثيق لحياة البادية في السودان قبل كتاب إيتكو غاجي صاحبة كتاب"رمال في عيوني"' وفي مقدمتهم أستاذنا الجليل الصحفي والمعلم حسن نجيلة صاحب كتاب "ذكرياتي في البادية" وكتاب "ملامح من المجتمع السوداني" دون أن ننكفئ على الماضي في عالم ينطلق بسرعة البرق نحو افاق المستقبل.
إن الإعتراف بتاريخنا وحضارتنا وتراثنا المجتمعي لايتعارض مع تطلعاتنا المشروعة للحاق بركب الحضارة الإنسانية في كل ربوع العالم' والأخذ بمخرجات التقدم العلمي والبناء العمراني دون أن نغفل مراعاة متطلبات المناخ وطبيعة الإنسان السوداني. في البدء لابد من تجاوز الخلافات المصطنعة بين الهوية العربية والهوية الإفريقانية - إذا صح التعبير - وتعزيز ثقافة وقيم وسلوك التعايش الإيجابي بين كل مكونات النسيج السوداني دون تخلف عن ركب الحضارة الإنسانية.
إن الهوية السودانية المتماسكة ليست في البادية وحدها' كما أنه لايمكن محاربة السلوك الإستهلاكي برفض الحضارة الغربية' لأن ذلك يتعارض مع قوانين التطور الغالبة في العالم الذي لايمكننا الإنعزال عنه. كما أن معالجة ظاهرة التدين الشكلاني لاتتم بالعودة إلى الخلاوي والإنسحاب من العالم المحيط' وإنما ذلك يتطلب المزيد من الإنخراط الإيجابي مع العالم المحيط ونحن اكثر تمسكاً بإرثنا الديني والثقافي والمجتمعي. إننا لانستطيع الفكاك من عجلة التطور الحضاري في العالم أو رفض الأخذ بالمستجدات العلمية العالمية' ولك يتطلب منا تقوية مقومات تماسكنا المجتمعي بمختلف المكوناته العقدية والثقافية والسياسية والإثنية. لذلك تتأكد حاجتنا إلى التنادي الصادق للإتفاق على أجندة قومية توقف نزف الدم السوداني وتهئ المناخ الصحي للإنطلاق بالسودان نحو افاق المستقبل الذي يتمتع فيه كل أهل السودان بكامل حقوقهم في سلام ووئام في كل الحضر والبادية.