د. هدى جنات
هذا السؤال في الحقيقة يحتمل اكثر من جواب واحد لان ما يحدث هناك في الشمال السوري صار على شكل بيتزا ايطالية ساخنة والبيتزا وكما تعلمون تكون ملونة دائرية وتوضع في مربع ثم تقطع الى مثلثات صغيرة، هكذا هو الواقع في الشمال السوري وخاصة عين العاصفة بلدة عفرين، فهنالك اشكال والوان من الرايات والجماعات تدعمها دول مختلفة وكل دولة لها مصالح وعلى راسها روسيا وايران وامريكا..
روسيا وايران لا زالت تقوما بدورهما الدفاعي عن الاراضي السورية ضد داعش والجماعات الارهابية الاخرى التي قاتلت من اجل اسقاط الحكومة السورية، أما أمريكا فتحاول الدفاع ما امكن عن ما تبقى من الجماعات الارهابية لاطالة امد الصراع في هذا البلد لان هذا يخدم مصالحها ومصالح اهم حليف لها في المنطقة.. أمريكا وبعد (سقوط) داعش ارادات ركوب موجة الانفصال الكردي كي تكسب ود الاكراد فتحركم حيث ارادت كبيادق الشطرنج، فقامت بتحريك مشاعرهم أولا بوعود كاذبة وعلى رأسها دعم قيام دولة كردية في الشمال السوري العراقي ثم قدمت لهم بعض الاسلحة المتطورة. وكما هو معلوم لي ولكم وللجميع ان اردوغان عنده حساسية من هذا الموضوع بالذات، فأردوغان يركبه ألف عفريت بمجرد سماع افتتاح دكان بقالة صغير في المناطق الكردية فما بالك باقامة دولة كردية محادية لحدوده!
لماذا يخشى اردوغان قيام دولة كردية ولماذا يشكل هذا كابوسا بالنسبة له؟
لانه ببساطة هنالك اكثر من 22مليون كردي يعيشون في تركيا، ورغم ان معظمهم يحملون الجنسية التركية الا ان حلم الدولة الكردية راسخ في وجدانهم وبمجرد ان يشع نور هذا الحلم ستتفتح عيون الملايين من الاكراد في تركيا لدعم اخوانهم وبالتالي بلبلة وخلخلة في النظام التركي عامة بل وقد يؤدي هذا الى سقوط الدولة التركية لانه لا احد يعلم في الحقيقة كم العدد الحقيقي للاكراد في المجتمع التركي.
هنالك من قال نصف المجتمع فتخيل كم كردي في الجيش التركي، وحتى من حاولوا الانقلاب على اردوغان قبل سنة او ما يزيد كانوا من اصول كردية.
طيب لنعد الى الميدان، لا يمكنني ان انكر ان هنالك تنسيق بين روسيا وايران والحكومة السورية من جهة واردوغان من جهة اخرى حول ما يحدث في الشمال السوري عامة..
اكاد أجزم ان هنالك اتفاق ينص على ان تنسحب الجماعات الارهابية من ادلب وريفها بأمر من أردوغان والمقابل هو عدم تعرض المضادات السورية الروسية للطيران التركي في الاجواء السورية، هذا امر أكيد وهذا لا يعني ان مايحدث هنالك من معارك بين الجيش السوري والجماعات الارهابية سواء في ريف حلب او ريف ادلب هو تمثيل لانه هنالك جماعات لا زالت تابعة للسعودية وهنالك جماعات اخرى تقاتل بعشوائية بعد ان فقدت الدعم المادي او الثقة في قاداتها الميدانيين الهاربين..
اذا هنالك صفقة تقول نسمح لك يا أردوغان بتدخل محدود جغرافيا وزمنيا مقابل تسليم المناطق التي تسيطر لها الجماعات الارهابية في ادلب دون قتال، تماما كما حدث في احدى حلقات الصراع في حلب حين اختفى فجأة الالاف من المقاتلين من ارض المعركة بعد الاوامر الاردوغانية. ولكن وضع اكثر من خط على كلمة ولكن، قد يتحمس أردوغان كثيرا الذي سيجدها فرصة للقضاء على الاكراد فقد قال قبل ساعات ان هدف العملية العسكرية ليس عفرين فقط بل كل الحدود السورية التركية!
اذا هذه محاولة لابادة الاكراد وهذا طبعا لن تسمح به الدولة السورية لان الاكراد جزء لا يتجزأ من الدولة السورية رغم انهم رفضوا السماح للجيش السوري بالدخول الى عفرين وفضلوا رفع العلم الامريكي على العلم السوري ظنا منهم ان أمريكا ستقف معهم وقت الجد ولكنهم تأكدوا اليوم فيما لا يدع مجالا للشك ان أمريكا تبيع كل شيء من أجل مصالحها، تبيع دول وشعوب كاملة فما بالك بأقليات متفرقة على حدود دول. وهنالك احتمال اخر كبير لايمكننا تجاهله، هو ان الحلف السوري الروسي الايراني نصب فخا لاردوغان عبر غض النظر عن ما يفعله في عفرين فيتركه يتورط لاذنيه في حرب تستنزف فيها جماعاته الارهابية فيكسر الاكراد شوكته بحرب عصابات يخرج منها مهزوما..
اتوقع ان تكون المعركة طويلة الامد فر وكر وحرب عصابات واتوقع ايضا انه في حالة لعب اردوغان بذيله كالعادة ولم يسلم اتباعه ادلب للجيش السوري ستبدأ المقاتلات التركية تتساقط كالذباب، اولا لانه خرق الاتفاق والوعود وثانيا لان هنالك حساب وثأر لروسيا وسوريا حين اسقطت المضادات التركية أكثر من طائرة سورية ومقاتلة سوخوي روسية.
صدقوني بوتين لم ينسى هذا ابدا وهو الان يملك فرصة سانحة لتجريب فعالية ال s400 غد فهنالك العديد ممن يريدون شراء هذه المنظومة، وعليه لابد من تجريب فعاليتها على ارض الواقع وهل هنالك هدف تسقطه ال s400 اجمل من مقاتلة امريكية يقودها ربان تركي؟
اذا اتوقع ان نشاهد في الايام القادمة مشهد طيارين اتراك يسحلون اسرى في يد القوات الكردية، اما امريكا فتحاول كما تعلمون بناء جيش جديد خاص بها بعد ان فقدت ثقة الاكراد.
هذا الجيش الذي يتكون من 30 الف مقاتل كما قالت، بالمناسبة هم أنفسهم الثلاثين الف مقاتل من الدواعش الذين أختفوا.. عذار اقصد الذين قتلوا دون ان نرى جثتهم لا بل لم نرى جثة واحدة لاحدهم في محافظة الرقة السورية.