أ. د. عبد الاله الصائغ - ميشكن
منتصف النهار كنت في مشفى العلاج الطبيعي منتظراً دوري! ولم تكن بي رغبة لتداول الحديث مع شخص عراقي يعرفني ويناديني دكتور عبد الاله ويتودد إليّ ويود لو امضينا الوقت بالحديث حتى يأتي دور كل منا ! كان يسألني وانا اجيبه بنعم او لا واحيانا اتشاغل بالكتاب الذي معي!
لا انكر انني كنت مكتئباً بسبب عارض جديد اصاب فقرة من عمودي الفقري كنت قد اجريت لها عملية 2013 مع شيء من الوجع! وبينا انا على هذا الحال دخلت سيدة لبنانية معها طفلة عمرها بحدود الاربع سنوات ووجدت صندوقا مليئا بألعاب الأطفال فجلست تلعب باهتمام بالغ وكانت تعرف كيف تتعامل مع الدمى والبيوت والمكعبات واثارت هذه الطفلة فضولي فنسيت نفسي وطفقت اتخيلني العب معها!
لكنني تذكرت ان طفولتنا في العراق لم تكن لتعرف اللعب والالعاب!
سمعت اللبنانية تنادي ابنتها باسمها – داليا – لاتزعجي عمو وكانت تقصدني فقلت لها انني سعيد بمنظر ابنتك وبينا نحن نتحدث دخلت مكسيكية ومعها طفلة قدرت عمرها خمس سنوات كانت اطول من داليا وارشق !
وشاهدت منظرا جعلني اردد عظيم ممتاز! والسبب ان الطفلتين اللبنانية والمكسيكية اخذتا تدوران حول صندوق الالعاب وتضحكان ثم تشبكان ايديهما وتقومان بحركات تشبه الرقص باختصار كان الانسجام بين الطفلتين قد بلغ اعلى مستوى وكنت سعيدا بهما ايما سعادة حتى ان الممرضة حين نادت علي قلت لها امنحيني وقتا ولاحظت الممرضة فرحي بهاتين الطفلتين وسألتُ المكسيكية عن اسم ابنتها فقالت اسمها – آلي- ثم وجهت سؤالا للسيدتين اللبنانية والمكسيكسية مؤداه هل ان هاتين الطفلتين تعرفان بعضهما من زمان او انهما صديقتان مثلا؟ فجاءني الجواب من السيدتين انها المرة الاولى التي تلتقي فيها الطفلتان وقد اصبحتا اكثر من صديقتين والغريب ان السيدتين بدأتا تتودان لبعضهما! فداخلتني فرحة اخرى ان صداقة الطفلتين انعكست على اميهما! واستأذنت السيدتين المكسيكية واللبنانية بالتقاط صور لابنتيهما فرحبتا وشعرتا بالفخر ان ابنتيهما تمتلكان هذه الأهمية بحيث ان رجلا بعمري وهيأتي وتناديه الممرضة دكتور ينشغل بهما ويبتهج ويلتقط لهما الصور!
بعدها ذهبت الى غرفتي حيث كانت الدكتوره النطاسية رينيه لبيب بانتظاري وهي تبتسم فقد علمت من الممرضات انني شغلت نفسي بالطفلتين فقالت لي مبتهجة:
كل ذلك وانت اب لأربع بنات! والدكتورة رينيه طبيبتي الخاصة التي اشرفت على علاجي واوصلتني الى مرحلة صحية لم اكن احلم بها وهي مثابة ابنتي وتناديني وممرضاتها دكتور عبد الاله وكانت الدكتورة سعيدة بتصرفي واعتدته ضربا من عشقي للحياة وممارسة لرياضة روحية تسهم في علاجي!
وحين عدت الى شقتي حيث اسكن وحدي جلست افكر في داليا وآلي وكيف انهما قدمتا درسا ممتازا لي كي اتعامل بتلقائية ولا اتجنب الخوض في الحديث مع من يرغب الحديث معي وثمة موضوعات كثيرة ملحقة لكن الومضة التي ستومض الآن هو ما العنوان اللائق بهذه الديباجة؟
فلم اجد افضل من أكاديمية الطفولة فهي المؤسسة التي يحتاج الناس الى الدخول فيها والتعلم من دروسها التي تسهم في السلام والأمان والتعايش بين البشر فداليا وآلي كانتا تلعبان ولم تفكرا للحظة واحدة عن دين كل منهما او عن اللغة والبلد وهذا هو باختصار ما نحتاج اليه لكي تنجو البشرية من النفق المظلم المعتم الذي ادخلها فيه الإرهاب والتشدد والخدر الجمعي!
فسلام على الطفولة وليكن سعي البشرية للسلام من اجل طفولة سعيدة.