اجرى الحوار الاعلامية آمنة بدر الدين الحلبي / جدة
عندما تشع يرقة ضوء الليل، تنبعث الحياة في قلوب العاشقين، وعندما يُكمل الليل تنميق ثوب السماء بجواهره الفضية، تبتسم آلهة الحب من بين الطلول، وعندما تعود العصافير الدورية لعبق الياسمين تبدأ إيقاعات القصيدة بتراتيل شجية لتقطن حبة القلب الوردية، هذه القصيدة ترتكز على محاور أساسية في الحياة الزوجية، وتخترق مساحة كبيرة منها، كون الرجل الشرقي الثائر بطبيعته، ودائم البحث عن قصيدة جديدة بلغة تُصاغ مفرداتها برائحة الحب، وتُنمَّق عبقها بأنفاس العشق، وتُحاك أبجديتها من قلب المرأة المعطاء لتنسكب على شهد الرضاب، فهو في بحث دائم عن النحلة المختلفة، عن الشهد. "بانوراما" التقت الدكتورة ميسون دخيل سعودية الجنسية شامية الهوى، الحاصلة على ماجستير في "التربية والتنمية البشرية"، ودكتوراة "فلسفة في التربية" لتفسر هذا العشق في قلب الرجل والمرأة على حد سواء!!!
- لماذا الرجل الشرقي ثائر بطبيعته، وكيف نؤهله لحياة زوجية صحيحة؟
ـ هذا يعود للبيئة الاجتماعية التي نشأ فيها، والبيئة المدرسية التي تلقى العلم منها، والبيئة الثقافية التي يعيشها، والخبرات التي يمر فيها، وكلها أمور تختلف من رجل إلى آخر، وبالتالي التأثيرات تختلف من شخص إلى آخر منها بيولوجية، والبعض الآخر بيئية، وعلى سبيل المثال لا الحصر لو عاش الطفل حياة أسرية جافة خالية من الحب والحنان والاحتضان، لكبُر يحمل بين أعماقه حرمانًا عاطفيًا كبيرًا، وأول مواجهة مع الحياة الطبيعية، يقيسها من منظاره الخاص بثقافة العيب التي ارتبطت طفوليًا بعقله الباطني، وثار عليها، لأنها حرمته احتضان حقيقي من الوالدين، لتأتي الزوجة وتصطدم بواقع مرير، وكأنها مرهونة وحدها للعطاء.
- ألا تعتبرين أن المرأة الشرقية هي قلب كبير للحب، والإسلام أكد على المودة والرحمة؟
ـ هذا صحيح، ولكن كيف لامرأة تحمل في أعماقها ثقافة العيب أن تحتضن زوجها الرجل الشرقي وتقدم له الحب والحنان، لذا يثور على الواقع، غير مبالي بما تربت عليه الزوجة، منتظرًا منها العطاء!! وفاقد الشيء لا يعطيه.
- إلى أي مدى تتمحور ثقافة العيب في داخل المرأة؟
ـ ثقافة العيب تحدها، والخجل يمنعها من إعطاء الغذاء الروحي لزوجها، ابتسامتها محجوبة، ومشاعرها مكبوتة، وكلمتها معتقلة، تنتظر خط المبادرة من "سي السيد" وهو الرجل الشرقي الثائر دائمًا لا يحرك نبض المشاعر بين جدران الحياة الأسرية لأنه لم يألفها من والديه، فيبحث عن فراشة غريبة تعطيه بلسم الحب، بتراتيل شجية، دون أن يدرك أن فراشته الحقيقية هي زوجته تستطيع أن تجعل الحياة تبتسم من بين الطلول بإشارة واحدة منه.
- من المخطئ؟
ـ الاثنان معًا ـ الزوج والزوجة ـ يقع على عاتقهما بناء القصيدة الزوجية التي تدوم بحرارة البراكين.
- كيف تقرئين الثورة عند الرجل الشرقي؟
ـ الثورة أتت نتيجة الحرمان الروحي والعاطفي، يريد خط المبادرة من زوجته، ويمارس لغة الصمت المقيت، ولغة الغياب عن الواقع لذلك نسبة الطلاق في المملكة العربية السعودية بارتفاع مستمر.
- من المسؤول؟
ـ الأسرة والمجتمع بأكمله عن ثقافة العيب أولا وأخيرًا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "لا حياء في الدين" من أجل بناء القصيدة التي ترتكز على محاور أساسية في الحياة الزوجية، ولإعمار الأرض يجب أن نبني علاقات أسرية سليمة.
- كيف نبني الأسر المسلمة السليمة في عصر السرعة والتكنولوجيا؟
ـ الثقافة الأسرية المبنية على الحب والمحبة الحاضر الغائب في مناهجنا المدرسية، وكأن المرأة خُلقت فقط للإنجاب ولدخول المطبخ، متناسين أن الزوجة هي الحبيبة والعشيقة أيضًا، فكلمة الحب والمودة والرحمة وردت في القرآن الكريم بأكثر من موضع فلماذا ننكرها على الأزواج لنرويهم منها قبل أن يضرب الفاس بالراس وتنهار الأسرة بالطلاق أبغض الحلال.
* هل تغير المفهوم الأسري مع ثورة العصر؟
ـ بالتأكيد تغير بعدما أرخت الثورة التقنية بظلالها الكئيبة على الأسر السعودية بأكملها نظرًا لعوامل عديدة منها الفضائيات السيئة التي عرضت الغث والثمين، إضافة لتعليم المرأة التي منحها الشخصية الاستقلالية وحق الفيتو في التعبير عن الرأي، مما جعلها في مواجهة مع الرجل الشرقي فكريًا وعقليًا، ووضعها في خط مواز له في الأسرة، وهذا ما يرفضه بعض الرجال السعوديين معتبرين أنهم العقل المفكر والمدبر متناسين أن أم سلمة رضي الله عنها أبدت رأيًا سياسيا صائبًا في صلح الحديبية وأخذ رسول الله عليه الصلاة والسلام به.
- د. ميسون عندها بنت وولد ما شكل العلاقة بينكم جميعا؟
ـ قائمة على الحب والاحترام المتبادل قائلة: للولد "أختك سندك وأنتَ سند أختكَ" فلا ترفع صوتك بمن يكبرك سنًا واستشيرها في الرأي لأنه "أكبر منك يوم أعرف منك دوم" حسب المثل الشعبي، وناقشها بأدب، فإن أردت شيئًا فاطلبه بمحبة لتأخذ بمحبة.
- تعتبرينهما أصدقاءك؟
ـ بالطبع أعرف كل شيء عنهما بالحب والاحتضان وآخذ برأييهما في بعض الأحيان، صداقة متكاملة ومسؤولة في حدود الاحترام.
- ممن تعلمت في تربية أبنائك؟
ـ تعلمت أكثر من الحياة ومن ثقافة الحياة، ومن قراءة الحياة، ووظفته لبناء أسرة متماسكة.
- أين تصنفين نفسك مرتبةً في القراءة؟
ـ مدمنة قراءة فإن لم أجد ما أقرأه في السيارة أفتح ورقة الدواء لأقرأها، فالقراءة كل حياتي وليست جزءًا منها، كونها الغذاء الفكري والروحي لعقلي والراحة لجسدي، وبدون القراءة لست موجودة.
- من وراء الإدمان الثقافي؟
ـ والدي هذب نفوسنا على القراءة وحب المطالعة، وغرسها كشتلة لها عبق الياسمين والريحان، لتنمق حياتنا الأسرية بمفرداتها، وتحيك طوق الياسمين من أبجدياتها.
- آخر كتاب قرأته د.ميسون وترك أثرًا في نفسها؟
ـ "تاريخ سورية القديم" قبل الميلاد أي تاريخ سورية السرياني الذي خرج منه العالم بأسره، للدكتور أحمد داود دمشق دار الشرق للطباعة والنشر .
- ماذا يتناول الكتاب؟
ـ سورية القديمة أي المركز للعالم.
- ماذا يقصد بالمركز؟
ـ أعطانا المنهج التاريخ بأكمله، وقسم لنا اللغة والجيولوجيا والتحرك للشعوب من البحر الأسود إلى البحر الأحمر حتى اسبانيا والهند مع استشهاده بكل المستشرقين الذي وضحوا بأن المركز العالمي انطلق من سورية القديمة.
- كيف توظفين قراءاتك لطرق تدريس الطالبات في كلية التربية؟
ـ مسؤوليتي كتربوية لا تقتصر فقط على المادة الأكاديمية بل تتعداها إلى تدريس الطالبات حياتهن ومجتمعهن وحقوقهن، وكيفية تحديهن لقدراتهن العقلية لتحقيق أهدافهن العلمية والعملية، وتوصيلهن إلى نقطة مهمة وتساؤل أهم ماذا بعد في جعبتي لهن من علوم معرفية وثقافية بعيدة عن الموضوع ومرتبطة به بآن واحد لأحثهن على طلب المزيد المعرفي لهؤلاء الطالبات اللواتي يأتين من مختلف مناطق المملكة لإرواء عطشهن الثقافي والمعرفي.
- ما أهمية ذلك بالنسبة لك؟
ـ هل تصدقني "بانوراما" إن قلت لها: أنا أغنى أغنياء العالم نتيجة ارتباطي الروحي بطالباتي، عندما أرى الانطباع مرسوم على وجوههن، فأدرك أن معلومتي الثقافية استوطنت في قاع الذاكرة ولن تبرحها مطلقًا .
- كيف تترجمين علاقتك بزوجك؟
ـ تفتحت مراهقتي في بيت الزوجية ومع زوجي الذي احتضنني بفكره الواعي، وبثقافته العالية، حيث أهّلني لمتابعة تحصيلي العلمي.
- كنتِ تملكين الدافع بالتأكيد؟
ـ كنتُ عاشقة للقراءة، وأحببت لعب دور ست البيت ولكن زوجي الدكتور وهيب صوفي وأسرته المتعلمة والمثقفة دفعوني لمتابعة دراستي ونيل الدكتوراة ومهدوا أمامي الطريق.
- ما الدور الذي لعبه للتوجيه.
ـ فتح أمامي مكتبته كاملة، وإن سألته عن موضوع علمي أو فلسفي وجهني لمكانه في المكتبة فقط.
- كان يحب أن يراك زوجة متعلمة وناجحة؟
ـ طبعًا ولكن ليس على حساب الأسرة، أو على حسابه شخصيًا، فكانت الأمور محسوبة ومنظمة.
- للحب لغة كيف يديرها؟
ـ يغازلني بوردة الغاردينيا التي أحب.
- كلمات جميلة تركت أثرًا عندك؟
ـ رسالة على الجوال منه "أي شيء أهديه إليك يا ملاكي".
- تبادليه نفس المشاعر؟
ـ مهما كانت كلماتي جميلة، تبقى عاطفته الجياشة واصلة لدرجة العشق.
- مع العلم المرأة التي تملك هذه العاطفة؟
ـ أتمنى ذلك ولكن عشقي يبحر في اللغة العربية ومفرداتها وشعرها وأبجديتها.
* أين مرتبة أولادك بهذا العشق؟
ـ أجمل هدية قدمها زوجي لي.
- يُقال: "إن الزواج مقبرة الحب" ماذا تقولين؟
ـ مطلقًا، أنا من يحب التغيير، وعدة نساء في امرأة واحدة.
- هو غرور المرأة.
ـ بل ثقة المرأة بشخصيتها.
- دموعك تطفئ عطشك؟
ـ تريحني، لكنها تربك زوجي ولا يحب رؤيتها.
من يغير صهيل الأحزان الزوج أم الزوجة؟
ـ زمان كان زوجي يغير الصهيل، واليوم من بدأ في الصهيل يغير الأحزان.
- هذا يعني علمك أهمية الاعتذار؟
ـ ولم لا!! تعلمت منه الكثير، فلِما لا أتعلم الاعتذار إن أخطأت في حقه أو في حق غيره، وطاغور قال في دعائه: "يا رب إذا أخطأت في حق الناس فامنحني شجاعة الاعتذار، وإذا أخطأ الناس في حقي فامنحني شجاعة العفو".
- تسطيع د.ميسون الاعتذار لكل من أخطأت في حقهم؟
ـ أجل لكل إنسان أخطأت في حقه مهما كان مركزه الاجتماعي وإن كان سائقًا عندي، فإن لم ولن أفهم ثقافة الاعتذار، فلن أكون ميسون الدخيل الإنسانة.
- متى يصبح الحب قطرة من العسل في كأس من العلقم؟
ـ عندما يقل رصيد أحد الطرفين في العطاء على حساب الطرف الآخر، فالعلاقة الزوجية يجب أن تكون تكافؤية في كل شيء.
- تعتبرين المرأة قائدة لكل الأحاسيس؟
ـ لا ولكنها تستقبل وترسل موجات مغناطيسية للرجل كالفراشات أو كعصافير الحب.
- متى تكون المرأة جارية من جواري الرشيد؟
ـ عندما تتخلى عن إنسانيتها.
- ماذا تحبين في الرجل؟
ـ قوته ورقته ويفاجئني بين الفينة والفينة بعشق جديد.
- هل نسمع ما كتبت ميسون لزوجها؟
ـ أنتَ قنديل حياتي..
لا بل أنتَ موقد مشتعل في شتاء حياتي..
إن اقتربتُ منك ذاب صقيعي ورقص الدم في عروقي. وإن اخترت البقاء تجمدتُ داخل بياض ثلج العفة والتطهر.
- إلى أي حد أنتِ رومانسية؟
ـ لدرجة أنني أعيش في الحلم، وأجد فيه كل ما أحتاجه في هذا العالم الموجود في خيالي.
- ما مواصفات هذا العالم؟
ـ كوني أكره هذا العصر، فأنا عاشقة لدمشق أيام زمان حيث كانت الثقافة مشتعلة والشعر ملتهب في المجالس الأدبية والعلمية الرائعة، والمرأة جزء لا يتجزأ من هذه المجالس.
- هذا يعني الطبيعة تشدك؟
ـ أحب عبق البراري والحقول في الشام، وأشتاق لرائحة الصنوبر في بيروت، وتشدني رائحة الأعشاب الندية على ضفاف الأنهار، لتستوطن نسائم الغوطتين في قفص الذاكرة.
- سعودية الجنسية، شامية الهوى لماذا؟
ـ طفولتي عشتها بين سوريا ولبنان، حيث درست في لبنان واشتممت رائحة الأهل في سوريا لأحضن عبق الياسمين، وأبحث عن نفسي الحقيقية.
- من أنتِ؟
ـ ما زلتُ أبحث عنها بين مكنونات الكتب وصفحات الروايات لأطور من قدراتي العلمية والمهارات الثقافية.
- تنقشين عالمًا خاصًا لحياتك؟
ـ أنشدُ عالمًا بين أكوام البيادر، لتدرسني حبات القمح همسًا وأغنية من بين الطلول، وتبقى رائحتها في أنفاسي.
- أين تنشدين رائحة النخيل؟
ـ في منطقة خليص، حيث كانت الرائحة تتداخل مع أنغام صوت المياه التي تنطلق من التراكتور ليلا أثناء تجمع الأهل.
- أجمل كلمة قالها زوجك؟
ـ ليست كلمة واحدة، تصلني المشاعر المتجددة والأحاسيس الجياشة متحدة مع الطاقة والصوت بآن واحد.
- ماذا علمكِ العيش في المدرسة الداخلية اللبنانية؟
ـ قبول الآخر بإنسانيته والحوار معه، للتعرف على لغته وحضارته وثقافته.
- والسفر إلى أمريكا؟
ـ امرأة سعودية سفيرة لبلدي.
- عصير الكلام؟
ـ أقول للزوجة اجعلي التضحية شعارك معجونة بالحب والمحبة والسعادة دون مقابل، ولا تنسي نفسك من العطاء، لتعيشي حياة زوجية سعيدة.