-
ساجدة الشويلي:
-
المـرأة هـي أمـي التـي علمتنـي كـل أبجديـات الحيـاة
-
- التغـرب في النفس البشرية هما المكان والفقد
- على الناقد أن لا يخضع للأهواء والمغريات وان يبتعد عن النقد المتشنج
- التغيير ومعه حرية التعبير اثرا على المنجز الادبي والفكري والفني
- بين "جرح الغياب" و "برجولا" يمتد بوح الشعر في فضاء منجزها الشعر في واحة موسيقاه.
- لتوقظ مراياها النائمة في نصوص أشرت على آطار صورتها كشاعرة تحمل هوية الأنتماء.
حاورها / فهد الصكر- بغداد
بعد أن شعرت بقوة أدواتها المعرفية التي مكنّنتها في التعرف على أسرار "وحي القصيد" وكيفية سحب "المتلقي" الى منطقة موسيقى شعرها. لذا تحقق حلمها بقراءة الشعر من على منصته، وهو صورة لطقوس قد تكون مهيبة ومخيفة في لحظتها الاولى. قبل ذلك جربت الكتابة والنشر في بعض الصحف العراقية لتجد أجمل ردود الفعل لما نشر لها. وأعني هنا الشاعرة ساجدة الشويلي وهي تنتظر مولودها الشعري الثالث والموسوم "برجولا".
في هذا الحوار ثمة بوح وأكتشاف لهواجسها في فضاء الثقافة والنقد وأشياء آخرى.
- كيف يكون أو تولد "القصيدة" في ظل أنفلات في المخيّلة بوصفها وعاء التدوين؟
- القصيدة تولد من ومضة فكرية او مشهد حياتي مرّ سابقا في مخيلتي وربما تعود احداثه لمرحلة الطفولة، او من لحظة انكسار عنيفة او لحظة فرح عارمة او الحالات الانسانية التي تثير في داخلي الألم فأنسجه بتكثيف واختزال جملي ليخرج بايقاع صوري وفكري.. فهناك دائما اشياء خفية تطلقها احاسيسي لتنقلني الى فضاءات وعوالم اخرى تجعلني أعيش حالة من الانفصال المؤقت للواقع المؤلم.. بالمختصر الشاعر وجدان يتقلب بين الذات والجمع. احيانا ارسمُ نجمة بعيدة او اتشبث بموجة هاربة، احيانا اكون قريبة جدا من القارئ ليفهمني بكل سهولة، واحيانا اكون بعيدة ومفرداتي مشفرة لكنني احاول ابراز حالة الحب او الحزن او الفقد، والفقد هنا لايعني شخصا معينا لكنه يشمل كل المحيطين بي وربما يشمل النفس ايضا.
- الومضة الشعرية طغت على منجز الكثير من الشواعر، هل هي مدخل الى عالم أدبي يختصر قصيدة النثر؟
- نعم هي جنس ادبي حديث راجت في سبعينيات القرن الماضي وباتت تستقلّ حتى اصبحت شكلا شعريا يعتمد على التكثيف والاختزال والاقتصاد اللغوي.. نعم انها طغت على منجز الكثير لأنها معبرة عن هموم الشاعر والآمه. برأيي الشخصي هذا الجنس الادبي قد يكون اختزال لقصيدة نثرية مطولة او لقصة قصيرة، والومضة قد جاءت لتعيد للشعر جمهوره الذي ابتعد بسبب الملل من قراءة القصائد الطويلة.
- الغلاف ولوحته يمثلا مدخلا الى عوالم السرد المرسوم في الديوان، هل تعنين ذلك، وأدرك أنت من يصمم أغلفة دواوينك؟
- بالطبع الغلاف ولوحته يمثلا مدخلا مهما لأي كتاب وخاصة الدواوين الشعرية، والغلاف المعبر يعد بوابة او مدخل انيق لافت لروح الكتاب ,اول مجموعة شعرية لي هي "جرح الغياب "عام 2013 وغلافه كان يحمل لوحة الفنان الرائع صديقي العزيز ستار كاووش الذي دعمني بألوانه الجميلة وانا حديثة العهد في الوسط الثقافي، لايمكن ان انسى هذه الوقفة الجميلة منه ماحييت. ثاني مجموعة صدرت لي في العام 2015 تحت عنوان "مرايا نائمة" هي من تصميم واخراج دار صفحات في سوريا حيث زين الغلاف بصورة مرآة على احدى جوانبها زهرة بيضاء.. اما مجموعتي الثالثة فهي "برجولا" وغلاف هذه المجموعة من تصميمي و(البرجولا) هنا مسرح العرائس حيث اعتبرت مجموعتي الثالثة مسرحا وعرائسه النصوص الومضية.
- كيف يتسامى "الاغتراب" سواء داخل الوطن أو خارجه مع روح الشاعرة ساجدة الشويلي؟
- شعرت بغربتي عندما فقدت والدي وانا صغيرة، احسستُ وقتها بغربة قاسية مؤلمة وانا أرى مقبرة وادي السلام ومغتسل الموتى وحفاري القبور ومراسم الدفن لأول مرة، لكنني تجاوزت هذه المرحلة بسبب وجود والدتي في حياتي انذاك. اما المرة الثانية فكانت غربة مدمرة عندمـا رحلت أمي عن عالمي وتركتني مقبرة للوجع والذكريات. اعتقد هناك عدة اسباب لاحداث التغرب في النفس البشرية من اهمها المكان والفقد.
- ما هي أصداء دواوينك في مشهد الشعر العراقي والنقاد؟
- الحمد الله لاقت كتاباتي بعض النجاح والاهتمام وخاصة المجموعة الثانية "مرايا نائمة".
- كيف تقرأين المشهد النقدي العراقي، سيما ونحن نعيش ذات المجاملات التي كانت سائدة آنذاك؟
- يقال ان ممارسة النقد "تُكثر من الاعداء" لذا على الناقد أن يكون مثقفا ومبدعا حقيقيا لايخضع للأهواء والمغريات وان يبتعد عن النقد المتشنج.
من اكثرالأمور خطورة الان أن يبحث الكاتب عما يرضيه فقط من الناقد دون احترام وجهة النظر الاخرى حتى وان كانت قاسية. وفي كثير من الأحيان يسعى الناقد الى العمل على تشويه الفكرة او زيادة غموضها، ربما بسبب عدم بذل جهدا لتفكيكها او لقصور في فهم النظرية النقدية التي يعمل بمضمارها.
- في كثير من الأحيان ترجح قصائد المرأة إلى الذات الأنثوية، هل هي ذات الأنا، أم هو أنطواء تحت مظلتها؟
- المرأة في العصر الحديث وفي المجتمعات العربية عامة وفي العراق بشكل خاص ضعيفة، مغلوبة، مهمشة، بعد ان كانت رمزا في الثقافتين السومرية والبابلية. المرأة هي أمي التي علمتني كل ابجديات الحياة، قد يكون سبب ذلك ايضا التقصير الكبير من مجتمع ذكوري اتجاه هذا الكائن الجميل او محاولات وئده مجددا تحت حجج وذرائع شتى.
ولهذه الأسباب عليها ان تنافس الرجل بالوعي والثقافة والابداع في اجناس الادب والفكر والمعرفة ،تستطيع ان تعتبر ذلك تعبيرا عن الذات الانثوية المنتفضة.
- تكتبين قصيدة النثر، برأيك هل حققت قصيدة النثر ما طمح إليه الشعراء والشواعر، أم إنها مازالت تحاول إثبات ذاتها؟
- هي قصائد تعتمد على الصور الشعرية ويحاول فيها الشاعر ان يشتغل على ثقافة المكان والزمان واللون والتجربة الشخصية و تجارب الاخرين وكل شيء يحيط به.
وقد حققت قصيدة النثر ما طمح إليه بعض الشعراء بأعتبار أن ابداع الشاعر النثري هو مرآة تتجلى فيها كل الاشياء التي من حوله.
- ثمة محاولات مغايرة بعد التغيير، هل انطبع ذلك على الشعر، القصة، التشكيل؟
- التغيير ومعه حرية التعبير اثرا على المنجز الادبي والفكري والفني وانعكس ذلك من خلال الكم الهائل من الإصدارات والمعارض الفنية والأفلام السينمائية، وإقامة الندوات والمهرجانات، مع وجود بعض الملاحظات والانتقادات، لكنها تبقى محاولات مغايرة كما ذكرت حضرتك. وهنا يأتي دور المؤسسات في دعم أصوات أصحاب المنجز عبر ترجمة اعمالهم أو دعواتهم في منتديات عربية وعالمية أو الاشتراك بمعارض الكتاب الدولية او المهرجانات السينمائية او دعم الإنتاج المسرحي الهادف، او المعارض التشكيلية سواء كانت في العراق او في الدول العربية، حركة الابداع في العراق لازالت بخير وهي تواكب التطورات حيث نجد اليوم الكثير من المبدعين الذين اثبتوا جدارتهم وفازوا بجوائز دولية وعربية مهمة رغم غياب الدعم الحكومي، وكثير من المبدعين داخل وخارج العراق يقدمون اعمالا ان كانت شعرا او قصة او تشكيلا تستمد قيمتها الابداعية من الحضارة العراقية القديمة ومن الالق العراقي الحديث.
- كيف تنظرين الى المشهد الثقافي العراقي والعربي، خصوصا في ظرفنا الراهن في ظل فوضى لا ندرك في أي أتجاه تسير؟
- الثقافة تحتاج الى بيئة صحية واهتماما من المؤسسات الثقافية الرسمية، الثقافة لاتنهض بمفردها، وكما ذكرت فان هذه الفوضى التي خلفها الاحتلال وماتبع ذلك من آثار جعل الصورة ضبابية والمشهد الثقافي في عسر ولادة، وأيضا بسبب اهمال المؤسسات الرسمية، فالثقافة في تفكيرها ومنهجها ثانوية او هامشية مع ان بغداد تمتلك تأريخا رياديا في كل صنوف الاداب والفنون. لذلك انا أرى المشهد الثقافي متوجا بالابداع رغم كل هذا الذي ذكرناه، ورغم رحيل قامات ثقافية كبيرة كانت لها إسهاماتها الأدبية اذ شكلت اسماؤهم خارطة رموز في الابداع الثقافي وفي كل المجالات الشعر، القصة، الرواية، النقد، الفكر، مثل الاديب سليمان فياض والاديب الروائي جمال الغيطاني والشاعر محمد الفيتوري.
محليا أرى الساحة الثقافية قد خسرت مبدعا ومفكرا كبيرا لما له من ارث ثقافي ومنجز نوعي.. الراحل الفيلسوف والمفكر والروائي خضير ميري رحمه الله. وقد حقق الكثير من المبدعين نجاحات مهمة في المجالين الإقليمي والعالمي.