خطفت به الجائزة الثانية أكاديمياً
فيلم (الجوزاء) للمخرجة زمن علي يخوض في المسكوت عنه ..!!
كتب / علاء الماجد
لم تكن مناقشة القضايا الجنسية، وخاصة تلك الأفلام التي تتناول العلاقات المثلية (السحاق) من الأمور المستحبة أو المألوفة في السينما العربية والمصرية على وجه الخصوص، حيث يتعرضن ألفنانات التي يؤدين تلك الأدوار الى هجوم حاد، ونعوت بذيئة، بسبب الانغلاق واعتبار التحدث بالجنس من الأمور المعيبة اجتماعيا. وعلى مدى سنوات طويلة، لم نرى أي فنانة تجرؤ على الدخول في هذه التجربة التي تدخل ضمن مايسمى بـ (المسكوت عنه)، باستثناء بعض المحاولات التي قامت بها بعضهن في الثمانينات والتسعينات، بعد قيامهن بتجسيد شخصيات تمارس السحاق الجنسي. ناهيك عن تناول هذه القضية في السينما العراقية. ولكن فتاة في سنتها الدراسية الأخيرة في كلية الفنون الجميلة تصر على اقتحام هذا الملف المغلق، بفيلم قصير هو اطروحتها للتخرج. زمن علي في فيلمها (الجوزاء) تضع بداية لكسر هذا الحاجز، والقيام بهذه التجربة التي تود ايصالها للامهات اللواتي يبتعدن كثيرا عن حياة بناتهن الخاصة. الجوزاء فيلمٌ عراقيّ قصيرٌ يصور الحب المثليّ. اقتحمت فيه المخرجة زمن علي حاجز الممنوعات وهشمت جزءا منه ، قد تكون الخطوة الأولى التي تتيح للاخرين النبش في القضايا المسكوت عنها. ولدت زمن علي جبر في بغداد وهي حاصلة على بكالوريوس فنون جميله قسم السينما، مخرجه وممثلة، عضو نقابة الفنانين فرع السينما، عضو جمعية الموسيقيين العراقيين، عضو رابطة المرأة العراقية، عضو اتحاد الطلبة العام في العراق، عضو اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي. قدمت فيلم ساعة الحقيقة روائي قصير مخرجه وممثله ومثلت في عدة أفلام رواىية قصيرة. اخر انجاز لها هو فيلم الجوزاء وهو روائي قصير (مخرجة وممثلة ومنتجة). حصلت على الجائزة الثانية (الفضية) عن فيلم الجوزاء في مهرجان كلية الفنون الجميلة الدورة ٣٣.
"بانوراما" التقتها بعد عرض الفيلم وحاورتها:
- كيف جاءتك فكرة الفلم؟
- الفكرة هي موضوعة تكثر في مجتمعنا حاليا ، اردت تسليط الضوء على هذه الظاهرة التي اجتاحت مجتمعنا العربي الاصيل المحافظ على العادات والتقاليد. حيث دخلت هذه الفكرة في البداية في ورشة لكتابة السيناريو ونضجت وطرحت باسلوب مغاير.
- فكرة الفلم، هل هي مصادفة ام اختراق للممنوع والمسكوت عنه؟
- هنالك مواضيع بالمجتمع كنت اعرفها، لكن لااحد يستطيع الحديث عنها ، هذه ظواهر افرزتها الحروب والفساد فقررت ان اعمل فيلم من واقع المجتمع ، لقد ظهرت في المجتمع امراض خطيرة، وكلها شبه مسكوت عنها، مثلا الادمان على المخدرات، مجتمعنا فسر الحرية بطريقة مخطوءة ونتاجها ان يذهب الكثير من الشباب والبنات المراهقات ضحية لهذا التفسير، لذلك انا تناولت واحدة من هذه الظواهر، واشتغلت على عمر الفتاة المراهقة وان تقوم الام بمهامها وان تكون صديقة لبنتها حتى تحافظ على توازن البيت بغض النظر هل الأب موجود أولا.
- تحدثي لنا عن مراحل انتاج الفلم؟
-مراحل الانتاج دائما يواجه فيها صناع السينما مشاكل كثيرة في انتاج مشاريعهم . والمشكلة الكبيرة هي الحصول على دعم سواء مادي او معنوي من توفير احتياجات الانتاج، المشكلة الرئيسية التي واجهتنا هي عدم قبول ممثلة لتجسيد دور البطلة وذلك بسبب موضوعة الفيلم الجريئة. حيث وجدنا فتاتين قبلن بتجسيد الدور لكن بعد التمرين على الشخصية انسحبت الاولى من العمل والاخرى لم تعط الاحساس والاداء المطلوب منها. فقررت انا تجسد دور البطولة.
- من ساعدك في هذا الإنجاز؟
- ساعدني في المشروع مجموعة من الشباب الذين اعجبوا بفكرة الفيلم وطرحه المغاير وكان لهم دور رئيسي في تنفيذ مشروعي. لولا حرصهم وحبهم لعملهم واخلاصهم ما خرجنا بهذه النتيجة.. وايضا الدكتور حكمت البيضاني الذي اشرف على الفيلم الذي ساعدني واعطاني دافع ان انجز هكذا فيلم.
- كيف استقبلتي الاراء النقدية سواء كانت مع الفلم ام ضده؟
- منذ البداية كنت متوقعة ان الفيلم سوف لايجد المقبولية في الوسط الفني. وذلك بسبب ان العمل جريئ. كنت متيقنة سوف اواجه انتقادات واسعة من مجتمع متحفظ لا يحب ان يسلط الضوء على سلبياته. وكثير من الاصدقاء كانوا ينصحون بعدم تقديم هكذا مشروع. لكن فريق العمل ساندني وكنا عازمين على انجاز الفيلم رغم كل الظروف. والحمد لله كانت النتيجة جيدة ورأيت هذا بعيون جميع من شاهد الفيلم وانطباعهم وتبريكاتهم لنا نحن صناع الفيلم.
- هل ستواصلين عملك في السينما، ام انك ستغادرينها بمجرد تخرجك؟
- نعم، سأ واصل عملي في السينما، لان هذا حلمي رغم كل المعوقات والظروف التي تمر بنا . وانشاء الله نقدم سينما تليق بنا وتكون لنا هوية عراقية سينمائية تجوب المحافل الدولية. سوف احاول تسليط الضوء على السلبيات التي نعيشها ونعكسها بطريقة فنية جميلة لكي نرتقي بمجتمعنا الذي انهشته الحروب.
- هل لديك نية في المشاركة في مهرجانات عربية ودولية؟
-طبعا، وهنالك الكثير من المهرجانات العربية والعالمية، وذلك يتوقف على مقبولية فيلمي في تلك المهرجانات. تأكد ان السينما بالنسبة لي موهبة واختيار وإنا أصلا كنت ممثلة ودرست سينما حتى اسقل موهبتي وانطلق فيها في الفضاء العربي والدولي.
- كمخرجة وكناشطة مدنية، هل تفكرين بانتاج فيلم عن دور المرأة في الحراك الجماهيري؟
- نعم اتمنى ان اقدم افلام عراقية يكون دور المرأة فيها رئيسي من اجل حريتها وحقوقها المسلوبة في واقعنا المر، لان المرأه ليس نصف المجتمع فحسب بل هي المجتمع كله.
- كلمة اخيرة تودين قولها للفتيات في مجال دراستك وتخصصك؟
-كلمة اخيرة اقدمها لكل فتاة تحلم وترغب ان تكون صانعة سينما يجب عليها ان تقاوم من اجل حلمها وتواجه كل المعرقلات لان السينما هي المكان الذي نعبر فيه عن مافي دواخلنا. ولان السينما هي لغة الشعوب، لتكون لغتنا القادمة من اجل حياة سعيدة.
مثقفون كتبوا عن الفيلم
زمن علي والمسكوت عنه
- الشاعر والصحفي عدنان الفضلي
في قضية وضعها الأدباء وكتّاب السيناريو وكذلك الباحثين الإجتماعيين في خانة (المسكوت عنه) دخلت المخرجة الشابة زمن علي تاريخ السينما العراقية من باب واسع ومختلف، عبر إخراجها لفيلم تحكي قصته مسألة شائكة طالما تجاوزتها الأدبيات والنصوص العراقية، أو تحاشته، الا فيما ندر، كونه لا يتماشى مع طبيعة المجتمع العراقي المحافظ. زمن علي ومن خلال فيلمها (الجوزاء) تطرقت لموضوعة (السحاق) وهي حالة جنسية تشبه (المثلية) لكن ممارسيها هم (الأناث) الا ان الإبحار فيها يدل على وعي كبير تمتلكه المخرجة وجرأة قلّ نظيرها، فتلك الحالة وان كانت غير منتشرة، لكنها موجودة في الواقع وتمارس في بيوتات وأماكن خاصة، لذلك كان الخوض فيها يعد أمراً غير مقبول لدى المجتمع، لكن زمن علي تجاوزت من يريدون وضع الخطوط الحمر، وتجرأت في الطرح، كونها تؤمن بأن للفنان او المثقف رسالة لابد من إيصالها، لذلك عمدت الى أن تخرج فيلمها هذا، بمعالجة راقية خالية من الإبتذال، فنالت إعجاب الجميع. عند حضوري لعرض الفيلم في كلية الفنون الجميلة بدعوة من المخرجة، لم تكن عندي خلفية مسبقة عن قصة الفيلم، رغم ان مخرجته هي صديقتي منذ سنوات طوال، ومع علمي ويقيني بوعيها وثقافتها وتحررها، ومعرفتي بسعة أحلامها وطموحاتها، لكني حتماً لم أتوقع منها ان تدخل هذا الحيز الخطير، لذلك دهشت من الطرح الراقي وصفقت لها كثيراً تحية لهذا المنجز الكبير، كما سعدت أكثر وانا أرى بعيون أساتذتها فرحاً وفخراً، تجسد في ان تمنح الجائزة الثانية، في مسابقة الأفلام القصيرة الذي أقامته كلية الفنون الجميلة مؤخراً، وهي جائزة كبيرة قياساً لعمرها ومنجزها، اذا ماعرفنا ان هذا الفيلم هو بحث تخرجها من الكلية هذا العام. ألف تحية للمخرجة المتألقة زمن علي، وهي تهدينا جوزاءها، عبر فيلم يغني المكتبة السينمائية العراقية، ويعطينا الأمل بان ثمة طاقات ستتفجر لتطرد كل ظلام يحيط بنا، وأتمنى لها الموفقية في نتاجاتها المستقبلية مؤكداً عليها بعدم التفريط بوعيها وثقافتها وتحررها، وعدم الرضوخ للخطوط الحمر التي يضعها بعض المترددين والمتخوفين، بل الذهاب الى أبعد من هذا المنجز عبر البحث عن قضايا أخرى مسكوت عنها في مجتمعنا الذي يضج بالشائكات من القضايا.
اقتحام مناطق وعرة في الدراما
- الناقد السينمائي نبيل وادي (ماجستير سينما)
لحسن حظي اني كنت حاضرا في المهرجان الاول لقسم الفنون السمعية والمرئية الذي كان اسمه انذاك قسم السمعية والمرئية، كان ذلك في عام 1985 واكثر مالفت انتباهي انذاك فيلم لمروان عبد العزيز اسمه (مي بي) وهي اغنية صورت في اثار عقرقوف صوره الشاب انذاك فادي اكوب وكان العمل مذهلا بمقاسات تلك السنوات وكان ان عرض فيلم اخر عام 1995 لطالبة اسمها اندلس البكري لااذكر اسم الفيلم الان فلقد تميز الفيلم بكاميرته المتحركة واضاءته المعبرة وفكرته المبتكرة انذاك.. واليوم في المهرجان الثاني والثلاثين اي بعد ثلاثة عقود تقريبا، ارى فيلما صادما وغير متوقع هو فيلم (الجوزاء) لمخرجته الطالبة زمن علي، فاكتم انفاسي لجرأته وقوة اداء الممثلة التي هي المخرجة نفسها وكاتبة السيناريو ايضا، ومرد قوة الفيلم انه يتحدث عن المسكوت عنه والمقموع، وهي جرأة قلما نشاهدها في افلام المهرجانات الطلابية الا في حدود ضيقة مع علمنا علم اليقين ان واحدة من اهم الثيمات التي ينبغي الخوض فيها هي ثيمة الفيلم لانها تشكل واحدة من اهم مشاغل المراة المعاصرة وعلى وجه الخصوص المراة الشرقية المقموعة عائليا ومجتمعيا ونفسيا، المعالجة المكثفة للفيلم لم تفقده ثيمته الرئيسية، بل ربما كانت هذه الكثافة واحدة من اسباب نجاحه، خصوصا وانه تجنب فجاجة المعالجة ومباشرتها وهو ماوضعنا في مواجهة التصريح باشكالية الجنس وهي واحدة من الموضوعات التي يصعب الخوض فيها في الدراما المحلية، وليس هناك على حسب علمي استثناءات، مالفت نظري هو الطاقة التعبيرية للممثلة زمن علي وقدرتها على تمثل حالات القمع واظهارها عبر تعابير الوجه والعينين فضلا عن الاستخدام الموفق لليدين الذي افلح المونتاج في جعلها اكثر تعبيرية مما لو تم كشفها تصريحيا، كان واضحا ان اقتحام مناطق وعرة في الدراما ليس بالامر الهين وفي مواضيع لايجرؤ حتى كبار كتاب الدراما عندنا على تجسيدها لاسباب يصعب حصرها هنا.. مبروك للمخرجة وللمشرف الدكتور حكمت البيضاني على هذا الانجاز الذي يبشر بطاقة واعدة ان تمت رعايتها وتوفير فرص لاعمال مقبلة.
مشاهد جميلة وغير مبتذلة
- الناقد مهدي عباس
اختارت زمن علي فكرة جريئة لم تتناولها السينما العراقية من قبل وهي ظاهرة مسكوت عليها لكنها موجودة في المجتمع العراقي وهي ظاهرة السحاق من خلال بطلة مكبوتة في بيتها ولاتجد تنفسا لكبتها الا من خلال صديقة تمارس معها السحاق واستطاعت زمن وباناقة عالية ودون ابتذال ان تقدم لنا عملا شجاعا وقامت هي بدور البطولة بعد ان رفضت اكثر من ممثلة اداء الدور رغم ان المشاهد كانت جميلة وغير مبتذلة!!
مخرجتان واعدتان!!!
- المخرج السينمائي بشير الماجد
المخرجة المراة في السينما العراقية محدودة الوجود في ظل ذكورية المجتمع العراقي التي لم تترك مجالا الا وهيمنت عليه!!! الارقام مثلا تقول انه من بين 232 فيلم روائي عراقي طويل انتجت بين عامي 1946 و2017 كان هناك خمسة افلام لاربعة مخرجات ( فلمان لخيرية المنصور وفلم لفيان ماييي (كوردية من اقليم كوردستان) وفلم لشيرين جيهاني (كوردية ايرانية) وفيلم لناهد غوبادي (كوردية ايرانية)) اما بالنسبة للافلام القصيرة فنسبة المراة المخرجة كانت تتراوح لسنوات بين 2 الى 5 بالمئة بالنسبة للرجل في السنوات الاخيرة زادت هذه النسبة احيانا لكن المشكلة ان النساء لايستمرن بالاخراج السينمائي لعدة اسباب اهمها عدم توفر الفرص في ظل التقشف السينمائي الذي يعاني منه الرجل قبل المراة.. هناك تجارب نسائية جميلة شاهدناها في السنوات السابقة لكن المشكلة ان المخرجات لن يكررن التجربة بعد ذلك وذهبن في زحام الحياة بعيدا عن السينما!! اليوم شاهدت فلمين مميزين مصنوعين باحترافية عالية وبافكار جريئة تحسب للمخرجات ولقسم السمعية والبصرية في كلية الفنون الجميلة في بغداد.. الفلمان هما (غراديفا) لهاجر اسامة و(الجوزاء) لزمن علي.. فلم (غراديفا) يتحدث باسلوب سينمائي محبوك جدا في المونتاج (سيف صباح) وفي التصوير (براق صلاح) عن اغتصاب داعش للحضارة من خلال العنف الجنسي ومن خلال فتاة (لوحة) ورجل بربري يطاردها لاغتصابها.. اداء تمثيلي مميز من بشير الماجد بدور الداعشي البربري واياد الطائي بدور الرجل الباحث عن الاثار المسروقة فيما قامت بدور الفتاة المخرجة نفسها (هاجر اسامة) وكانت مقنعه جدا.. غراديفا عمل محترف فيه صورة رائعة وتمثيل مدهش ولوكيشنات مميزة وايقاع سينمائي متناسق.. عمل يستحق ان يشاهد في مهرجانات قادمة وان يعرض في اكثر من مكان!! اما زمن علي فقد اختارت فكرة جريئة لم تتناولها السينما العراقية من قبل وهي ظاهرة مسكوت عليها لكنها موجودة في المجتمع العراقي وهي ظاهرة السحاق من خلال بطلة مكبوتة في بيتها ولاتجد تنفسا لكبتها الا من خلال صديقة تمارس معها السحاق واستطاعت زمن وباناقة عالية ودون ابتذال ان تقدم لنا عملا شجاعا وقامت هي بدور البطولة بعد ان رفضت اكثر من ممثلة اداء الدور رغم ان المشاهد كانت جميلة وغير مبتذلة!! هاجر وزمن يستحقان كل دعم وتشجيع وهما يمتعننا بسينما جريئة فكريا وجميلة تقنيا والجميل انهما كاتبتا السيناريو ايضا!! وبعد عرض الفلمين جرت جلسه نقديه ادارها بحنكه الدكتورر صالح الصحن الذي تحدث عن الفلمين بتركيز وايجاز ثم دعى المخرجتين للحديث عن فلميهما وعبر الحاضرون من اساتذه وطلبه عن فرحتهم وسعادتهم بهذا المنجز الفلمي المشرف. ويستحق قسم السمعية والمرئية الاشادة بالحرية المطلقة التي اعطاها للطلبة لتنفيذ افكارهم وبالاخص الدكتور ماهر عبد المجيد رئيس القسم كما يجب ان نشيد بالدكتور مفيد سليمان المشرف على فيلم هاجر والدكتور حكمت البيضاني المشرف على فلم زمن!!