الفنان التشكيلي بشير طه:
عمر الفرشاة ما سكبت قطرة دم والفن جوهرة مكانها الرأس لا كما يريد البعض أن يضعها في الوحل
موفق الطائي/ الموصل
التعمق بمضامين واشكال لوحاته، يجعلك تخرج بانطباع مفاده: أن هذا الفنان يلتصق ببيئته حد العشق والهوس ،حيث نشاهد ذلك مبثوثا بين أشكاله وكتله التي فرشها فوق سطوح لوحاته.. (وانأ طفل صغير كانت تستهويني متابعة البقع الندية التي خلفتها الرطوبة على جدران بيتنا القديم، وبقيت أتابع هذه البقع وأقرا رموز خطوطها الخارجية وما تعنيه، وكذلك كنت أتابع حركة الغيوم السابحة في السماء وحجومها المختلفة.. كنت أقرا هذه الحجوم وأعطي اسماءا لرموزها ونقلت كل هذه المعاني إلى سطح أوراق دفتري..
كانت خطواتي الأولى بخطوط عشوائية (شخبطة) وكانت التجربة ومن بعدها اكتساب الخبرة..) من تلك الأجواء جاءت انطلاقته الأولى، حيث سكنته مفرداتها واحتلت تلافيف ذاكرته، شيء سكنه وتلبسه، اخذ يبحث عن سبل تساعده في التعبير عن تلك الدواخل المفعمة بالرموز والدلالات، ووجد ضالته في (الرسم).. رسم كل الأشياء المحيطة به بعفوية طفولية تكتشف الأشياء لأول مرة، ذاكرة بكر، وكانت الطبيعة ملاذه الأول.. رسم الطبيعة بعد أن سحرته مفرداته.. رسم الطبيعة.. ليس كما تراها عينيه، بل رسمها كما يراها قلبه، رسم مدينته (الموصل) بكل عوالمها وعناصرها وجمالها، بريشة المتصوف والعاشق، فتحولت الطبيعة والمدينة إلى قصيدة كتب كلماتها بألوانه الزاهية، التي فرضت نفسها عليه بقوة المحب وعن أسلوبه الفني يقول: (أقول في أعمالي كل شيء، دون أن يدخل عملي في إطاراي مدرسة.. أعمالي حرة طليقة تقلا الحوار ،تعاطفت مع الطبيعة.. فمنحتني سرها وجمالها..) الفنان (بشير طه) عبر سنواته الطويلة مع الرسم، تمكن من إيجاد (أسلوبية) خاصة بـ (شغله) الفني، مزج فيه عدة اتجاهات فنية، ليخر ج بالتالي بلوحة مميزة وضع فيها خلاصة تجاربه وبحوثه مع الفن التشكيلي، وهي بالتأكيد جهود استغرقت زمنا طويلا (عند شروعي في إخراج أية لوحة تأتي الفكرة من أول لمسة ندية أو يابسة على سطح اللوحة، وحينها تتراكم كل حاجات نفسي لتأكل أعماق معاني الآلم أو الفرح، حينها أضع نفسي في موضع أصعب من الرسم (التكوين).. لوحاته تنبض بالألوان والضياء والضلال مع اهتمام كبير بإخراجها عبر مزاوجة ناجحة بين الواقعية والرمزية والانطباعية وأحيانا أخرى السريالية.. يغلب على شغله الطابع التصميمي، مما يضفي عليه الأناقة والصرامة في وضع ألوانه فوق سطوح لوحاته.. (بشير طه) يحسب لكل لمسة وضربة لون حسابها، مما يجعل شغله يكتسب الرصانة.
إن إخراج اللوحة يأخذ عنده جهدا كبيرا، وهذه ميزة تحسب له وتميزه عن غيره من الفنانين، وهذا لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة جهد وتعب استغرق زمنا طويلا، تمكن من خلاله من تأكيد أسلوبه الفني. وفهمه المتقدم لجوهر العملية الفنية (للفن أيدي حريرية تلامس الأشياء من زوايا مختلفة من دون أن تحرج وتخدش النفوس، وعمر الفرشاة ماسكبت قطرة دم والفن جوهرة مكانها الرأس لاكما يريد البعض أن يضعها في الوحل). عمل الفنان بشير طه مدرسا لمادة (الرسم) وتخرج على يديه العديد من الفنانين الشباب الذين أصبحوا فيما بعد اسماءًأ لامعة في خارطة المشهد التشكيلي العراقي، ثم انتقل إلى مديرية النشاط المدرسي مسؤولا عن قسم الفنون التشكيلية حتى إحالته على التقاعد من الوظيفة، لكن عطائه الفني استمر متدفقا، حيث امتدت مشاركه الفنية إلى العديد من المعارض الشخصية والجماعية داخل العراق وخارجه، منطلقا في تأكيد فهمه وفلسفته لهذا الجهد الإنساني العظيم معبرا عن هذا افهم بقوله:
وضعت عملي بشكل صريح ونقي داخل إطار الحياة المطلق في أعماق نفسي بحرارة الحب وإنسانيته، وعليه ترى أعمالي تبكي بتعاسة اليتيم، وتضحك حينما يأتي الربيع وتعود الزهور إلى الحياة، وفي أعماقي أميز وبصدق بين لمعان الذهب وظلام القيود ورنة الأقداح وأنةُ الفقير.. إن الدخول إلى عوالم الفنان (بشير طه) المولود في مدينة الموصل سنة 1936 في الموصل، وحصل على شهادة الدبلوم من معهد الفنون الجميلة/ قسم الرسم سنة 1960، أقام معرضه الأول في قاعة المكتبة المركزية في الموصل سنة 1973 ، شارك في في معظم المعارض التي أقامتها وزارة التربية، ونقابة الفنانين العراقيين، وجمعية التشكيليين العراقيين، كما شارك في معارض مختلفة خارج العراق في الأردن، وسورية، والأمارات، أقام معرضا شخصيا احتضنته جدران قاعة المركز الطلابي في جامعة الموصل سنة 2011، ثم أقام معرضا شخصيا اخر بمناسبة معرض الكتاب الدولي الذي في قاعة المهندسين في الموصل سنة 2012، تفوق في مشاركة دولية مع (60) فنان من دول العالم المختلفة في رسم (الطبيعة) ونال شهادة تميز فيها، أعماله الفنية تزين العديد من الأماكن في محافظة نينوى، نال الفنان بشير جوائز تقديرية لتميزه في تصميم وتنفيذ الديكورات المسرحية، كذلك لرسم الملصقات الجدارية، بعد تخرجه قام بتدريس مادة التربية الفنية في المدارس المتوسطة والإعدادية، إذ تتلمذ على يده العشرات من الفنانين ‘عمل رئيسا لشعبة الفنون التشكيلية في مديرية النشاط المدرسي لتربية نينوى ‘حتى إحالته على التقاعد سنة 1995 .