يبدو المشهد السياسي في العراق معقداً بشكل كبير، بعد الإعلان عن النتائج الرسمية للانتخابات التشريعية العراقية التي جرت في الثاني عشر من الشهر الحالي، والتي تصدّرها تحالف “سائرون” الذي جمع زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر والشيوعيين وقوى مدنية وحصد 54 مقعداً، فيما حل تحالف “الفتح” ممثل مليشيات “الحشد الشعبي” في البرلمان، ثانياً بـ47 مقعداً. وعلى الرغم من تصدّر “سائرون”، إلا أن عليه التحالف مع قوى أخرى لتشكيل الكتلة الكبرى في البرلمان، غير أن المعطيات تكشف عن أنه وضع فيتو على التحالف مع “ائتلاف دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وتحالف “الفتح”، لتتجه الأمور إلى معركة تصفية حسابات بين الصدر، وتحالفي المالكي و”الحشد”، قد تطيل أمد فترة تشكيل الحكومة الجديدة.
تحالف “سائرون” بدأ منذ السبت بإجراء اتصالات مع عدد من القوى السياسية الفائزة التي يمكن أن ترفع حظوظه بتشكيل الكتلة الكبرى داخل البرلمان، وفقاً لعضو في التحالف، أن تشكيل الكتلة الكبرى التي لها حق ترشيح رئيس الوزراء يتطلّب الحصول على موافقة 165 نائباً، وهذا الأمر لن يكون سهلاً أمام “سائرون”، مشيراً إلى أن التفاوض مع تحالف “النصر” الذي يتزعمه رئيس الوزراء حيدر العبادي والذي حل ثالثاً بـ42 مقعداً، قد لا يكون صعباً في ظل وجود تفاهمات مسبقة وإن كانت غير رسمية. لكنه استدرك أن “إصرار تحالف النصر على ترشيح حيدر العبادي لولاية ثانية قد يعطّل المفاوضات، في ظل وجود رغبة من قبل الصدريين وحلفائهم الشيوعيين بعدم التفريط بالمنصب”، موضحاً أن التعويل لا ينحصر فقط على تحالف “النصر”، بل إن “سائرون” أجرى اتصالات مع تحالفات أخرى.
” هذا الأمر أكده النائب الفائز عن تحالف “سائرون”، رائد فهمي، الذي قال في تصريح صحافي إن تحالفه حصل على إشارات وصفها بالإيجابية من قبل تحالفات فائزة أخرى، مشيراً إلى أن أبرز هذه الإشارات جاءت من تحالف “الوطنية” الذي يتزعمه نائب الرئيس العراقي أياد علاوي. وأشار إلى وجود اتصالات مع تحالف “القرار العراقي” الذي يترأسه نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي، فضلاً عن فتح باب الحوار مع حركة “الجيل الجديد” الكردية، و”الحزب الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود البارزاني، معلناً أن اللقاء الذي جمع مقتدى الصدر برئيس “تيار الحكمة” عمار الحكيم، يوم الخميس الماضي في النجف، يمثّل مرحلة أولى للتفاهمات. ولفت إلى أن الفريق التفاوضي لـ”سائرون” سيلتقي مختلف الكتل والأحزاب، مؤكداً أن الفريق سيركز على البرامج وليس الأشخاص، وعلى هذا الأساس تجري اللقاءات مع التحالفات الأخرى.
مقابل ذلك، فإن عضو ائتلاف “النصر”، رئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية، عدنان السراج، قلّل من أهمية تصدّر “سائرون” لنتائج الانتخابات التشريعية، معتبراً في حديث أن حظوظ تشكيل الحكومة الجديدة ستكون لمن يكون قادراً على جمع نصف أعضاء البرلمان بتحالف واسع. وأكد أن الانتخابات الحالية أفرزت وضعاً معقداً للغاية، بينما كانت الانتخابات السابقة تُفرز تحالفات تحظى بـ90 أو 80 أو 70 مقعداً ويكون من السهل التحالف في ما بينها لتشكيل الحكومة.وأشار السراج إلى أن الوضع مختلف اليوم بسبب تقارب نتائج التحالفات الفائزة وعدم قدرتها على تشكيل الحكومة إلا بعد تحالف بين أكثر من ائتلاف فائز، بما في ذلك الكتل الصغيرة، معتبراً أن تحالف “النصر” يبدو الأقرب ليكون حلقة الوصل بين كل التحالفات بسبب تمتّعه بالمرونة.
ورأى أن الحديث عن تحالف “سائرون” مع “تيار الحكمة” لن يمكّن الطرفين من تشكيل الحكومة، مشيراً إلى ان الحل يكمن في منح منصب رئيس الوزراء للعبادي. وأضاف السراج، وهو مقرب من العبادي: “في حال لم يقم تحالف سائرون بعرض منصب رئيس الوزراء على العبادي فإن الأخير سيتحالف مع ائتلافي دولة القانون والفتح لتشكيل الكتلة الكبرى”، لافتاً إلى أن الأحزاب الكردية، وخصوصاً “الديمقراطي الكردستاني”، “ستكون الجوكر الأهم في عملية تشكيل الحكومة”. وأضاف أن “تحالف سائرون حصل على 54 مقعداً وهي غير كافية ليكون الكتلة الكبرى لأنه يحتاج نصف مقاعد البرلمان البالغ عددها 329″، لافتاً إلى أن “سائرون يضع خطوطاً حمراء على ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، وهذا الأمر ليس من صالحه”.
من جهته، لا يعير القيادي في “ائتلاف دولة القانون” سعد المطلبي أية أهمية “لمعركة تصفية الحسابات من قبل سائرون”، مؤكداً أن ائتلافه “لن يتحالف أبداً مع الصدريين”. وأشار إلى أن ائتلاف المالكي لديه تفاهمات مع “الفتح” و”النصر”، فضلاً عن فتح قنوات اتصال مع أحزاب كردية وسنّية، مضيفاً أن ائتلافه “يجري حوارات مع جميع المؤمنين بمشروع الأغلبية السياسية”.وكان المالكي قد طرح في وقت سابق مشروع تشكيل حكومة أغلبية، وأجرى اتصالات مع قيادات “الفتح” بهذا الشأن، فيما يرفض تحالف “سائرون” هذا المشروع واعتبره تكريساً للطائفية. هذا الرأي ذهب إليه عضو البرلمان العراقي صادق اللبان، الذي اعتبر أن حكومة الأغلبية لا يمكن أن تتشكل في ظل الظروف الحالية، مشيراً في حديث إلى وجود طبخة ستكشف عنها الأيام المقبلة.
” هذه الطبخة تبدو واضحة من خلال الدفع باتجاه دعم بعض التحالفات لتصدّر نتائج الانتخابات على حساب تحالفات أخرى، بحسب عضو تحالف “الفتح” أحمد التميمي، الذي قال إن وجود “سائرون” على رأس اللعبة السياسية قد يجرّ إلى أمور أخرى غير تشكيل الحكومة، موضحاً أن زعيم التيار الصدري وضع فيتو على التحالف مع “الفتح” و”دولة القانون”. وأضاف أن “الصدريين استغلوا فرصة فوزهم بالانتخابات لتصفية الحسابات السابقة مع المالكي وبعض قادة الحشد”، متوقعاً أن تتسبّب هذه الأمور بإطالة أمد تشكيل الحكومة لأشهر عديدة.في هذه الأجواء، أخفق البرلمان العراقي، أمس السبت، في عقد جلسة طارئة لمناقشة موضوع نتائج الانتخابات البرلمانية، بعد عدم تحقيقه النصاب القانوني، إذ حضر 105 نواب فقط، ما دفع رئيس البرلمان سليم الجبوري، لتحويل الجلسة إلى جلسة تداولية لمناقشة نتائج الانتخابات والاتهامات بالتلاعب والتزوير.وشدد عضو البرلمان العراقي عن “التحالف الوطني”، جواد البولاني، في مؤتمر صحافي عقده في بغداد، على ضرورة إقامة دعوى قضائية ضد الجهات التي تسبّبت بتزوير الانتخابات، على حد قوله، معتبراً أن مفوضية الانتخابات خرقت القانون وخضعت للمساومات.