خفـافيش الظـلام اغتالـت الامـل
في الذكرى العاشرة لاستشهاده
أدباء ومثقفون يستذكرون شهيد الثقافـة المفكر كامل شياع
بغداد / بانوراما- علاء الماجد
اقام الحزب الشيوعي العراقي يوم السبت الماضي وفي قاعة "بيتنا الثقافي" في الاندلس جلسة استذكار للمفكر الشهيد كامل شياع في الذكرى العاشرة لجريمة اغتياله، ففي 23 اب 2008 اغتالت خفافيش الظلام شهيد الثقافة العراقية المناضل والمفكر العراقي كامل شياع مستشار وزير الثقافة، حيث اطلق مسلحون مجهولون النار من مسدسات كاتمة للصوت على سيارته على طريق محمد القاسم وسط بغداد.
وشياع هو كاتب وباحث وناقد ادبي معروف، عين مستشارا في وزارة الثقافة منذ عام 2003 بعد التغييرات التي طالت البلاد وعمل مع ثلاثة وزراء تسلموا منصب وزير الثقافة. ابتدأت الجلسة التي حضرها سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الاستاذ رائد فهمي وعدد من رجال الفكر والادب والثقافة ووسائل اعلام متعددة بالوقوف دقيقة صمت اجلالا لارواح شهداء العراق.
* الناقد حسب الله يحيى الذي ادار الجلسة قرأ مقطعا من قصيدة للشاعر الراحل زهير الدجيلي، رثى فيها الشهيد كامل شياع مطلعها:
"وين دمك ضاع.. يا كامل شياع؟
ثم تحدث عن الشهيد قائلا:
شياع الذي كان مقيما في بلجيكا قبل سقوط النظام، من ابرز المطالبين ببناء حركة ثقافية جديدة في العراق وفق رؤى علمانية متفتحة. ولد المفكر والكاتب الراحل في بغداد، يوم 5 شباط عام 1954. عضو الاعلام المركزي للحزب الشيوعي العراقي وعضو المؤتمر الوطني الثامن للحزب.
كاتب وباحث وناقد أدبي معروف، بعد سقوط النظام عام 2003. عمل محررا في مجلة "الثقافة الجديدة". غادر العراق في 1979 وعمل صحافيا خلال إقامته في مدينة لوفان. وحصل على شهادة الماجستير في الفلسفة من جامعة لوفان الكاثوليكية عن أطروحته "اليوتوبيا كموقف نقدي" بدرجة امتياز.
نشر العديد من المقالات في صحف ومجلات مختلفة أبرزها: صحيفة "الحياة" اللندنية، ومجلة "الوسط" اللندنية، ومجلة "مواقف" الفصلية، وراديو "في. آر. تي" الدولي - القسم العربي - بروكسل، وقسم التلفزيون الدولي لوكالة اسوشيتد برس (أي.بي.تي.إن)- بروكسل. بعد هذه المقدمة لمدير الجلسة القى رضا الظاهر عضو اللجنة المركزية للحزب كلمة جاء فيها: أصحيح أن سنوات عشراً مررن على رحيل الحبيب!؟ أصحيح أن وحوش الظلام الجناة مازالوا طلقاء.. وما من أحد يسمع نداءاتنا نحن المفجوعين بغياب قديس الثقافة والتنوير!؟
الاحساس بفجيعة فقدان هذا الانسان نادر المثال ينبغي أن لا يهدأ.. والأصوات الغاضبة يجب أن تظل متعالية، مطالبة بالكشف عن الجناة وانزال العقاب العادل بهم. وأشار الظاهر الى" أن كامل شياع لم يكتب كثيراً، غير أنه كان كاتباً من طراز رفيع، قادراً على التأمل العميق، وطرح أفكاره الباهرة بلغة صافية.. ومن المحزن أن مشاغل الكفاح اليومي، وله فيه منجز عظيم، أخذته من عالمه الرحب، من فضاء الفلسفة والابداع الفني. ومقاله المميز بمنهجيته الفكرية وقيمته الجمالية، الموسوم (عودة من المنفى)، نموذج للكتابة الابداعية. وقد طاب لي، مرة، أن أصف هذا المقال الساطع بأنه "نبوءة الضحية"..
كل مقطع فيه يكشف عن أفق أرحب، وتحليل يسبر الأغوار، وأمل مضيء لانسان قدّت روحه من بلور يسير في حدائق الروح، مجسداً الفكر النيّر، والوجد الصوفي، والألق الجمالي، في تعاشق مع الموقف السياسي الرفيع".
اعتلى المنصة الشاعر ياسين طه حافظ، ليقرأ قصيدته المطولة للشهيد الراحل، وهي بعنوان "مخاطبات كامل شياع قبل قتله" جاء فيها:
يمتد في غور الجحيم طريق محمد/ القاسم المفروش بالجثث القديمة، والسيوف سفيهة مرت تشق طريقها للقتل.
لكن الطريق الان خال، ليس غير سقائف للجند قابعة وراء حجارة،
أكياس رمل، ليس غير، الشاحنات تصيح من عبء وحمى، غير اكداس العوائل حملت مكشوفة للشمس في اسمالها تختض كي تصل الظلال.
..........
هذا الطريق يخيفه.
والشاحنات تضج راكضة: توقف أيها الرجل المهذب! ليست الأمواج هذي، لا المطارات الكبيرة.. ذا طريق محمد/ القاسم المزروع موتا والشواظ يشب فوق الوجه.
الفنان دريد الخفاجي، وفي عزف منفرد على آلة العود، اسمعنا شجنا واصالة واستقرت موسيقاه في الوجدان، وهي لاتقل عن الكلمات استذكارا للشيد شياع.
الباحث ناجح المعموري رئيس الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق تحدث عن كامل شياع المفكر متناولا دراسته الاكاديمية حول "اليوتوبيا كموقف نقدي" التي قدمها لنيل شهادة الماجستير في الفلسفة من جامعة لوفان.
بعد ذلك القيت كلمة د. حسين الهنداوي المستشار في رئاسة الجمهورية وقد ألقاها بالنيابة الباحث د. جمال العتابي.
ومما جاء فيها:
حب الفلسفة. عبر عن نفسه لدى الشهيد كامل شياع في وقفات فكرية ظلت قليلة نسبيا الا انها بدت لافتة العمق والحرية الذهنية وتعلقت بالعديد من القضايا الفكرية والسياسية التي حاول الخوض فيها بعيدا عن "المواقف الرسمية" التقليدية التي لا تعنينا هنا قدر اهتمامنا بمعرفة مدى استفادته من الفلسفة ومدى استفادتها منه.
لقد كان شغف كامل شياع بالفلسفة عميقا وتعلقياً اذا جاز القول وجديدا وعابرا في ذات الوقت. لم يكن قد درس الفلسفة من قبل ولم يمر على تحديداتها الاكاديمية ومصطلحاتها المهنية بل جاء اليها من السياسة او الايديولوجيا على الارجح لكن بعاطفة صادقة وحماس ورغبة عارمة رغم ضغوط سياسية وحزبية لا تحصى، فيما كانت لغته العربية تجمع بين الجزالة والحداثة وحب الدقة مستفيدا من افضل النماذج العربية في الكتابة الفكرية آنئذ الى جانب مهارات اسلوبية شخصية محضة.
علمت انه حصل لاحقا على شهادة الماجستير في الفلسفة من جامعة لوفان الكاثوليكية عن بحث بعنوان مثير ايضا هو "اليوتوبيا معيارا نقديا" ذكرتني على الفور بكتاب "يوتوبيا" لشهيد الفكر الكبير توماس مور برغم اختلاف الاحوال، عرض فيها كامل شياع فهمه الخاص لظاهرة اليوتوبيا كخطاب اجتماعي وفكري مستقل بذاته عبر مختلف المراحل التاريخية المختلفة منذ عصر النهضة حتى وقتنا الراهن.
مفيد الجزائري الوزير الأسبق، نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب، تحدث عن تجربة عمله المشترك مع الشهيد كامل شياع في وزارة الثقافة: عشرون شهرا تقريبا من العمل المشترك المباشر، اليومي عمليا، الدينامي والمثابر، هو ما جمعني و"ابو الياس" في وزارة الثقافة، بدءا بأيلول 2003 وانتهاءا بنهاية نيسان 2005. واقول "العمل المشترك المباشر" وانا اعني ما اقول. فقد تأكد لي بعد وقت قصير من مباشرته العمل في الوزارة، انه اكبر من مجرد مدير عام (للعلاقات الثقافية)، كما نص الامر الوزاري الصادر بتعيينه.
وشيئا فشيئا اصبحت قضايا الوزارة، بضمنها الكبيرةُ منها والبعيدة المدى، ومهماتُها وخططُها ومشاريعها، الموضوع اليومي المتجدد الذي يشغله معي ويسبق كل قرار ذي أهمية تتخذه الوزارة وتشرع في تنفيذه.
وأشار الجزائري الى" ان كامل شياع صاحب مشروع ثقافي تقدمي، هو واقعا مشروعُ المثقفين الديمقراطيين جميعا، الطامحين الى اقامة عراق متطور عصري، تشكل الثقافة رافعة اساسية فيه.
وكان هذا المشروع، كما تجسد اساسا في مضامين مؤتمر المثقفين العراقيين وفي مخرجاته، مشروعا واقعيا واعدا، ضروريا وممكن التحقيق.
ولعل هذا هو ما دفع اعداء الثقافة وكارهي العراق الجديد، الديمقراطي، الى السعي لدفن هذا المشروع:
- 1.اولا بوضع مقررات المؤتمر وتوصياته على الرف، بعد اسبوعين فقط من انتهاء اعماله وحال تكليف وزير جديد.
- 2.ثانيا باطفاء حياة رمز المشروع نفسه، بعد ذلك بثلاث سنوات.
لكن كامل شياع كان، شخصيةً وفكرا وانجازا، وظل عصيّا عليهم، وبقيت ذكراه اليوم مثلما كانت بالامس حيّة نابضة في القلوب والعقول، مضطرمة لا تكف عن المطالبة بالعدل وبالعقاب للقتلة".
وكانت مداخلة الاديب حسين الجاف، نائب الأمين العام للاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق، مسك الختام حيث استذكر فيها الشهيد كامل شياع وسرد بعضا من ذكرياته الحية معه.
***