بقلم: غيلان الشاعر
شارع الرشيد هو تذكرة الدخول إلى تفاصيل بغداد بمطبوعاتها المعلنة أو السرية وأزقتها الفوقية أو التحتية وحلالها وحرامها بالأفتاءأو من خارجه، فيه تتجمع صيرورة سكان المدينة ومنه يعرفون أهمية استقامة الطرق للوصول إلى الهدف ومنه يؤشرون الروافد التي تتدفق بالمحليات إلى عمق الشارع، انه الشارع الذي يمتلك خاصيات تقنية سابقة لأوانها فهو يمشي بالسائرين عليه وليس العكس، فما ان تحط قدميك في الميدان وتولي وجهك صوب الشرق تجد نفسك وبلحظات في أحضان أبي نؤاس إذ تعانق عيناك نهراً يستحم الضوء فيه وتلامس خطاك ضفافاً مسكونة بواقعيات سحرية يشرب منها سكان المدينة تفاصيل الزمان، هذا هو شارع الرشيد الذي تماسكت فيه ذاكرة الفقراء وتألقت فيه ذهنية الأغنياء، تعاضد فيه القراء ومامن حجر على مساره يعثر فيه الأعمى.
شارع الرشيد ذاكرة بغداد، وذاكرات المدن كل رهانات الانتصار عليها تفشل وأن تستقوي بالمتغيرات إلى حين، وذاكرة بغداد حفرتها أرقام أسواق الرشيد وتفرعاتها على ضفتيه، وأرختها حروف مكتبات الرشيد وتكوراتها، ومن منا يستطيع نسيان مقاهي الرشيد وهي عواصم الحوار المتعدد من البرازيلية إلى البرلمانوالشابندر، فالزهاوي والرصافي وصولاً إلى أنين أم كلثوم.
ماذا يريدون لهذا الشارع فهل هناك توأم للقاعدة يتنفس بيننا ويسعى بكل ما اوتي من قوة وسطوة وجاه إلى تدمير شارع الرشيد، وهل إذا اختلف الفرنسيون في محبة نابليون يجعلون الشوارع والأماكن التي تحمل اسمه مكباً للنفايات؟!
الشارع إذ تحول مع سقوط الدكتاتورية إلى مكب للنفايات بدلاً من ان يكون المؤشر على البناء والتجديد، وتم الالتفاف عليه فلا مرور للسيارات الذاهبة في الاتجاهين تمر فيه، لاتجديد في مبانيه ولا حياة حيوية للمحلات على ضفتيه، كأنك في مأتم حين تتمشى فيه وتكاد تلوذ بجدرانه فحزنه يدفعك إلى الاحساس بحرب أهلية مستمرة ضحاياها هذا الشارع ومكتباته ومقاهيه، من يريد لهذا الشارع العظيم الموت تهميشاً فالتهميش أصبح تقليداً بعد التغيير ولم يقتصر على الأفراد بل صار يطول الجماعات والأماكن وشارع الرشيد أبرز المُستهدفين، والذي يستهدف شارعاً يرتبط بتاريخ العراقيين ونهوضهم يستهدف تركيبتهم الثقافية ويسعى إلى استبدالها بالعملة الطائفية القذرة وهذه من ممارسات القاعدة.