بقلم: ابراهيم علي
برزت المسألة القومية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ومنذ ذلك الوقت شغل حيزاً كبيراً في الحياة السياسية، إلا أن الحكومات المتعاقبةعلى الحكم في العراق تبنت بإصرارأهوج مبدأرفض الاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي المشروع من حيث المبدأ الدولي.
وقد اشتدت هذه الوجهة الشوفينية بعد انقلاب شباط 1963الدموي وتبلورت في سياسات الحكومات التي تشكلت في أعقابه.
تشير الوقائع التاريخية لغاية اللحظة الراهنة الى غياب المقدمات السياسية التي يمكن بموجبها الافتراض بأن حكومة الإقليم جادة بتبنى قيم الديمقراطية،.
فإن افتراض أمكانية قيام نظام ديمقراطي، أمر ينطوي على أهمية ثورية، وهذا الافتراض من جهة مستحيلة دون حدوث تغيرات ملحوظة في بنية المظهر البنائي (الشكل والمضمون) وتقديم حلول عملية للمشكلات التي يعاني منها المجتمع الكردي والالتزام بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي من شأنها تعميق الوعي السياسي الديمقراطي والإجتماعي واستبعاد الأساليب غير المشروعة للوصول الى السلطة السياسية.
إن نقطة الارتكاز، في المنظومة الفكرية للاحزاب السياسية الكردية هي إذابة شخصية الفرد في مثلث(القبيلة – العشيرة- الحزب) بعد ان رسخت اللبنة الأساسية في نظام مراكز الوظيفي فكلما كان الفرد بعيدا عن مراكز العليا قل نفوذه في الاستقطاب والتدرج السلطوي في إطار الحزب والحد من منهجيته نتيجة ارتباط الأعمال الإدارية بشكل عام بالسلطة السياسية وفق قواعد وقوانين خاصة تعتمد رابطة المصاهرة القبلية والعشائرية.
ومن أجل الوضوح، إن الاختلالات البنيوية الناجمة عن السياسات الخاطئة لحكومة الإقليم يدفع ثمنه المواطن حيث يولد صراعاً بينه وبين المجتمع، نتيجة فقدان حرية التعبيرعن كامل حقوقه، بسبب ضغوطات الحزب لإشباع حاجات التنظيم وتوسيع قاعدته الاجتماعية. والحقيقة التي لا يرقى اليها الشك، انه ليس من مصلحة هذه الاحزاب طرح فكرة الحرية بطريقة تسمح بظهور منظمات ديمقراطية تتقاطع مع مصالحها الحزبية الضيقة خاصةً في اعقاب ظهور إتجاهات جديدة لم تستطع التفاعل والتناغم مع القيادات التقليدية والكتل العشائرية التي تهيمن على قمة الهرم الحزبي التي تسوغ قمع الأراء التي تتعارض مع توجهات حكومة الإقليم وسيادة الأفكار الدينية وإغراقه بجملة من الرموز(الطوطمية) التي كانت من أسباب عدم تشكيل دوله كردية مركزية وإضفاء هالة من القدسية على الواقع.
ويتمثل الخطر الاكبرفي التناقض وإزدواجية السلوك السياسي لدى القادة الداعين الى الديمقراطية، حيث يجري الحديث عن ضرورات تكريس المعايير والقيم الديمقراطية ويتم في الوقت نفسه إحياء علاقات عشائرية وإهمال السيكولوجية السياسية للمجتمع كأحد معاييربلورة وإنضاج الديمقراطية.
وجدير بالملاحظة ان تلك الاختلالات البنيوية فسحت المجال لنمو البيروقراطية التي كانت تستهدف المحافظة على الوضع الراهن لحاجة النظام الى المزيد من النفوذ لضمان سيطرته التحكمية على أدق مفاصل المجتمع. فالديمقراطية لا يمكن أن تنشأ من فراغ ويتطلب ممارستها سياسة مبدئيه معتمدة على إرادة الجماهير ومنظومة قيم ومثل إجتماعية لا تتسم بالإزدواجية.
إن القراءة المتأنية للمجتمع الكردي في الظروف الراهنة، تشير بوضوح الى وجود أحزاب لا تترك حرية الاختيار للأفراد الذين هم خارج أطر التنظيمات الحزبية في تنفيذالمشاريع والبرامج الهادفة دون ان تمرتلك المشاريع عبر قنوات سلطة تلك الاحزاب التي لم تدرج حماية المواطن في سلم أولوياتها. ان فشل تلك الاحزاب بتوفير الحقوق الديمقراطية واجراء اصلاح جذري شامل للمشاكل التي تجلت في مختلف مجالات الحياة اليومية وكذلك التمييز البارز في التعامل غير المتكافئ مع الأخر، وعوامل اخرى كانت وراء تفاقم الازمة السياسية القائمة بين الاحزاب الكردية بقدر ما كان في بعض جوانبه الاساسية وليد عوامل وظروف موضوعية قاهرة .
يأتي في مقدمتها:
التأثير السلبي الذي لعبته الحكومات المتعاقبة بإعتماد أسلوب القوة وممارسة العنف والردع دون ان تجر أية تغيرات في مسارتسريع عملية التنمية الاقتصادية والبشرية وإيجاد المقدمات الضرورية للاستقرارفي كردستان، ودور الحكومة المركزية في تأزيم الوضع من خلال عدم تنفيذ قانون (النفط والغاز) والمادة (140) ولا يمكن ان نغفل حقيقة الأثار السلبية التي خلفها هذه الأنظمة .كل هذه العوامل مجتمعة أدت الى تراكمات نوعية ساهمت ببروز الخلافات الداخلية بين الاحزاب السياسية في الإقليم حيث ثبت ان التجربة الديمقراطية لم تكن بالنضوج الكافي لردع الاحزاب السياسية الكردية ومنعها من تعميق خلافاتها ونزاعاتها ومعالجة المشكلات السياسية الداخلية وفق الأليات الديمقراطية وإنهاء الوضع غير الطبيعي الراهن.
ان اصلاح العملية السياسية في كردستان يفضي بالضرورة الى ترسيخ مضامين الديمقراطية وتعميق حركة التغيير النقدي الذي يفرضه التطور نفسه وهذا هو منطق الحياة.
من هنا تنشأ الحاجة الى معالجة الإشكالية السياسية في كردستان بالطرق السلمية التي من شأنها عدم الحاق الضرر بالتجربة الديمقراطية وإرساء أسس التعاون والاحتكام الى الموضوعية ولغة الحوار عبر عوامل الاستقرار لحيلولة دون الوقوع في سلسلة الأخطاء المميتة السابقة التي جرت الويلات للشعب الكردي والمأسي والكوارث للبلاد، وهذا بحد ذاته يعتبر خطوة إيجابية على طريق الوحدة الوطنية تمهيداً لتوفير امكانية فعلية ومستلزمات ذلك لتصبح كردستان موقعاً متقدماً للحياة الديمقراطية في إطار العملية التاريخية.