بقلم: فاتن الجابري
- اختلاف الثقافات يجعل الاطفال بين رحى كفتين.
- مسك العصا من الوسط اسلم طريقة للمحافظة على الابناء من الضياع.
تواجه الامهات في بلد الاغتراب اشكالية وصعوبة ومعاناة حقيقية في تربية الاطفال وبطبيعة الحال الام اكثر قربا للاطفال من الاب الذي يكون مشغولا بالعمل او الخروج مع الاصدقاء - لذا فأن الام تبقى اكثر التصاقا بالاطفال منذ صغرهم وحتى بلوغهم سن المراهقة الذي فيه تبدأ الصعوبة الحقيقة وكلما تمتعت الأم بثقافة ووعي اكثر استطاعت ان تصل بالاولاد الى بر الامان بلا تعقيدات او مشاكل.
مفاهيم مختلفة في التربية
أتصلت بي أحدى صديقاتي والتي تقيم منذ سنوات في احدى المدن الألمانية وعلامات الاستياء بادية عليها من خلال ارتجافات صوتها المخنوق بالعبرات التي تحولت الى شهقات وبكاء مرا، حاولت تهدئتها لالتقاط بعض الكلمات ليتسنى لي فهم الموضوع، قالت تصوري جاءتني اليوم ابنتي وهي في السادس الابتدائي تطلب نقودا وعندما سألتها بماذا تحتاجيها، أجابتني أنها تريد كوندوم( واقيا جنسيا ) لانها تحتاجه في درس العلوم في المدرسة، والمعلمة أوصتهم أن يتعلموا شراءه بأنفسهم من الصيدلية، هدأتها بأنه أمر عادي ويحدث في المدارس هنا لوقاية الفتيات من حمل مبكر، وذكرتها كيف اهتزت ألمانيا بأسرها لقصة فتاة صغيرة حملت في الحادية عشرة وأنجبت في الثانية عشرة واعتبرت أصغر أم في المانيا .
لذا صارت المدارس تعطي الدروس في التوعية الجنسية وخطورة الحمل المبكر وقنوات التلفزيون تبث برامج تكشف فيها عن ازدياد حالات الحمل بين الفتيات الصغيرات وكذلك عدد الاطفال غير المرغوب فيهم.
اننا نعيش في مجتمعات مختلفة كليا عن ثقافتنا التي تربينا عليها، عاداتنا تقاليدنا قيمنا تتقاطع تماما مع الكثير من المفاهيم هنا، المشكلة بخطورتها وثقلها تقع على اطفالنا الذين شاءت الظروف أن يعيشوا ثقافتين تتناقضان أحيانا شكلا ومضمونا وحتما تلتقيان في نقاط أخرى جوهرها التسامح والتعايش بين الأديان والثقافات والاندماج بين الثقافتين هو مانحاول الوصول اليه رغم العقبات الكثيرة لا الانصهار والذوبان في المجتمع الجديد.
تذكرت دموع صديقتي اليوم وأنا اتابع ماحدث لجارتي العراقية أم حسين التي دخلت الشرطة الى شقتها بعد بلاغ من طبيبة العائلة ضد زوج الجارة بعد ان اكتشفت آثار كدمات جراء الضرب على وجه طفلهما، والعائلة اليوم مهددة بسحب الاطفال وايداعهم في دار الدولة لرعاية الاطفال الايتام والمعنفين والمجهولي النسب.
أطفالي لايصلون
السيدة وفاء عبد تقول أواجه صعوبة حقيقية في تعويد أولادي على الصلاة لاني اعتقد انها تحصنهم من الوقوع في الخطأ وتجعلهم قريبين من ثقافتهم ودينهم، اتبعنا عدة طرق واساليب انا وزوجي لجعلهم يلتزمون مرة نشجعهم بالهدايا واخرى ننهرهم
وثالثة نخاصمهم لكنهم يصلون يوما ويتركون اخر بذريعة طول يومهم الدراسي والعودة الى البيت متعبين، وتضيف لكني لااستسلم ولن اتوقف، سأواصل متابعتهم حتى يستقيموا وتكون الصلاة اهم شيء يتعودون عليهم في حياتهم.
أما السيدة الهام الموسوي تقول:
كيف أفهم ابنتي الصغيرة أن ديننا لا يسمح بالتعري امام الاخرين لانه حرام هي تتعجب وتقول كيف تقولين هكذا ان درس السباحة مهم ويقوي اجسامنا انا لا اتعرى فقط ارتدي ملابس السباحة الصحية ولماذا كريستينا ولورا وجميع طالبات الصف يذهبن الى المسبح وانا ابقى وحيدة المعلمة تقول لن اعفيك من الدرس الابتقرير طبي.
الاطفال الذين تربوا وسط مجتمع مختلف كليا عن بلدهم الاصل يعانون كثيرا من الحواجز وقائمة الممنوعات وخصوصا للفتيات أكثر من الاولاد.
سيدة أخرى تقول:
المدارس في ألمانيا من ضمن مناهجها الدراسية والتعليمية السفرات المدرسية خارج المدينة او حتى خارج المانيا لم تقتنع المعلمة وادارة المدرسة رفضنا بحكم ديننا وتقاليدنا ان تذهب ابنتنا المراهقة في سفرة مدرسية الى النمسا مع صفها لمدة اسبوع وقد اثار رفضنا استياء المدرسة مستغربة لماذا نرفض في حين تسمح عوائل مسلمة اخرى في سفر بناتها مع الصف ومع ضغط المدرسة والحاح ابنتي وبكائها وافقنا مرغمين على سفرها رغم قلقنا وخوفنا أن تخوض أبنتنا تجربة السفر بعيدا عنا.
يضربون اولادهم
ضرب الطفل ممنوع والاطفال يزودون بأرقام خاصة في المدرسة للجهات التي تحميهم من الاهل وحتى تجد هذه الارقام مكتوبة بخط واضح داخل الحافلات والقطارات وما على الطفل سوى ان يقول لقد ضربني اهلي، حتى تاتي منظمات خاصة بحماية الطفل الى البيت تزور العائلة وتتعرف على ظروفها، ففي حالة أم حسين وجد الموظفون ان الشقة التي تسكنها العائلة صغيرة ولا تتسع لسبعة اطفال مع الوالدين فالطفل محاصر في بقعة ضيقة ولا يجد متنفسا للعب والحركة والجري، لكن هذا لايبرر للاب ضربهم وترك الاثار والكدمات على وجوههم الصغيرة، كان قرار اللجنة ان تعطى فرصة اخرى للوالدين في احتضان الاطفال قبل ايداعهم الى دور الدولة بتغيير ظروفهم الحياتية بعدأن اوعزت للجهات المسؤولة بتأجير شقة كبيرة لهم تتلاءم مع عددهم ليتمكن الاطفال من اللعب والحركة بحرية داخل الشقة.
أولاد وبنات
لا يستطيع الابناء استيعاب الممنوع والمسموح من الاهل لانهم ولدوا وتربوا هنا في هذا المجتمع المنفتح بلا قيود، فحين تمنع الام ابنتها من الخروج مع صديقاتها والبقاء خارج المنزل حتى ساعات المساء تحدث المصادمات والمشاحنات وتنتفض الفتاة تطالب في نيل حريتها المسلوبة دونا عن رفيقاتها في المدرسة ومهما تمتلك الام من حنكة وصبر ووعي لاقناع ابنتها المراهقة بعاداتنا وتقاليدنا تبقى الفتاة تشعر بالقهر والظلم والتمييز عن اخيها الذي يتمتع بفسحة من الحرية في الخروج واختيار الاصدقاء، وقد حدثت مشاكل كثيرة لعوائل في المهجر فقدوا ابناءهم بمساندة القانون الذي يبيح حرية الفرد بغض النظر عن جنسه وقبل ان تتفاقم الامور وتصل ذروتها على الاهل أن يعوا ان اولادهم يتربون في مجتمع مغاير تماما ومسك العصا من الوسط اسلم الطرق للمحافظة على كيان الاسرة وعدم وضياع الابناء وتشتتهم.
أمي تكرهني
تعبر فتاة عراقية صغيرة عن سبب تركها لبيت العائلة قائلة: تعاملني امي معاملة سيئة وتضيق علي وتعد حتى انفاسي فهي متفرغة لي ولاشي لديها سواي بعد أن تركنا والدي وتزوج بأخرى تريد ان تثبت له وللاخرين بأنها اهلا لتربيتي، لكن ان تصل الدرجة الى الشك في كل تصرفاتي وملازمتي اينما ذهبت حتى الى بيوت صديقاتي هذا غير محتمل وبعد عدة مشاكل تدخلت الدائرة المسؤولة لتفريقنا وبما ان عمري اقل من ثمانية عشر عاما خيروني بين العيش في بيوت الايتام أو لدى احدى العائلات المتبرعة بالايواء لكني فضلت العيش في بيت قريبة والدي في مدينة اخرى بعيدا عن امي لحين بلوغي السن القانونية.
أن الاختلاف بين ثقافة البيت وثقافة الشارع والمدرسة يضع الاطفال والمراهقين بين رحى كفتين لا بل كماشتين تنعكس على الطفل بشكل ضغوط نفسية تقوده في أحيان كثيرة الى الانعزال والتقوقع على ذاته وعدم الاختلاط بأقرانه فتنمو لديه المشاكل النفسية التي تستدعي في معظم الاحوال التعاون بين الاهل والمدرسة لمساعدة الطفل على تجاوزها والخروج منها بنفسية منفتحة متصالحة مع تناقضين مفروضين، قبل أن تتأزم الامور الى دهاليز العيادات النفسية الطويلة التي يتعذر الخروج من نفقها لسنين عديدة.