أنوجود صوت عربي وعراقي يجمع حوله ما تبقى من الشعراء والباحثين والمتابعين، هو صوت يُمثِّل ما تبقى من أصيل هويتنا، وقدرة هذه الهوية على الأنفتاح والمشاركة واللقاء. وهو أيضاً صوت يُمثَّل ما تبقى فينا من الجمال والمعنى الإنساني الذي بات مُلطخّاً بالإرهاب وتُهم البطالة واللافاعلية في صنع الحضارة ورد الجميل الذي قدمته لنا البلاد.
بأفضل منها أو مثلها، حيث كثيرون جيوبهم تمتلأ من ثروة البلد بينما أفواههم تنال بالسوء واللامبالاة به.
وهي ازدواجية تشي بأمكانية استمرار الأخلاق القبيحة من الآباء إلى الأبناء، خصوصاً وأن جملة من مشاعر الفشل لدى الشباب يتم ترجمتها بأعمال جريمة تبدء من قضايا بسيطة حول مسائل الضريبة ومكاتب العمل، وتنتهي معونة تنظيمات الإرهاب والكراهية بالمال والجسد.
وإذا كان سؤال الأصول والجذور من الأسئلة المُقلقة في مرحلة الشباب، فأن هذا يعني أن الصوت العربي المُحتفي بالثقافة والفن والقراءة الإنسانية للدين، وتبسيط وشرح تراثنا الوطني بكل تنوعاته الثقافية والعرقية واللاهوتية، ليس ضرباً من الترّف.
وبالتالي ليس الأمر بالسهولة التي يتصورها البعض حول منشور يتم توزيعه لنشر بعض الدعاية والإعلاميات حول مجموعة من دكاكين مواد الأغذية أو الألبسة او تصليح سيارت او بيع أثاث أو محلات حوالة مالية، وغير ذلك من أبواب الرزق الشريف والقانوني الذي يسعدنا ويشعرنا بالأعتزاز لكونه نشاط يوضح مقدار الأيادي الشرقية والعراقية العاملة في هذا البلد والتي تكسب فيه لقمة عيشها بكرامة ووضوح.
لكن المطبوع العربي في استراليا، يعني اليوم في مرحلة هذه موضوعاً أكبر وأهم، يخص أمن بلاد المهجر من طاعون الحقد والكراهية الديني الذي تخيلنا أننا تخلصنا منه فإذا به بسُحبه السامة تدفعها رياح التحولات لتظلم بها كل سموات الشعوب، قريبة وبعيدة.
وهنا يكون من الضروري وجود مطبوع عربي واعي وهادف يستحق الدعم والمشاركة والأهتمام، كما هو حالة صحيفة بانوراما، التي تمتاز بكون المشرف عليها سيدة كريمة، ولعل هذا هو ما أضفى على هذه الصحيفة مسحة جمالية وذوقية تختلف عما اعتدناه من تصلباتنا نحن الرجال، الذين نحن أما مقاتلين قدامى أو ابناء مقاتلين أو فارين من القتالين، فذهنية العنف والقساوة في طريقة التعبير والخطاب والتعامل والتنابز والتحاسد والتنافس، خرّبت جانباً كبيراً من شخصياتنا التي تحتاج إلى طبابة ثقافية ونفسية وفنية، تخلّص نسلنا أن ننقل أليه تجارب حياتنا المُرّة ومشاكلها وأعطابها وأعطالها.
وبالفعل لو أن خيرة المثقفين واصحاب القدرة المالية والوجاهة الأجتماعية، التفوا حول هذه الصحيفة وانفتح لنا طريق لعمل ثقافي ديني مُشترك، تلتقي فيها كنائسنا ومساجدنا وحسينياتنا، فأننا نستطيع تقديم صورة جديدة عن هويتنا العراقية والإنسانية لا أقل للأجيال الجديدة التي باتت بحاجة إلى تطعيم من الأفكار الطائفية والإرهابية المسمومة التي صارت اليوم عابرة للقارات.
بالإضافة الى حاجة الجالية العراقية، إلى وحدة صوت وطني ورحماني وإنساني نظيف من كدر التحيزات الحزبية التي صارت تُقسّم حتى الكنائس والمساجد والحسينيات والمؤسسات الدينية والمدنية.
وغدونا بالتالي نعيد ذات الأخطاء القديمة التي كنا نشتكي منها في الوطن، لم ننجح في ان نتصافح بإنسانيتنا وابداعنا واختلافنا واهتماماتنا في طلب الخير والجمال، في العراق وها نحن نضرب لأبناءنا قدوة سيئة بكوننا حتى حينما بلغنا آخر بقعة أرض على الكوكب، لم نستطع من جديد إلا أن نكون غير مهتمين بالشأن العام، ولا بتحسين علاقاتنا، وهي قضية يمكن أن تنعكس على شبابنا وينسحب بعضهم لأمور خطرة قد لا تكون بالحسبان، فما أكثر تجار الدين الزائف والخطابات اللاهوتية المريضة، وبالتالي من ضروري ضرورة وجود مطبوع يحفظ لنا عناصر الجمال ويكتشف الطاقات الجميلة ويعطي صورة إيجابية للذين بقوا يتمسكون بحقهم في العمل الصالح والفكر النقي.
إنها مهمة جليلة أن يقوم بها أصحاب الوعي في هذه القارة الخيالية الجمال والخير، ولنا في صحيفة بانورما فرصة جيدة.
فلقد اختبرتنا الحياة كثيراً وآن لنا أن نتعلم، بهذا فقط نجعل أبناءنا أفضل منا ولا يكررون أخطاءنا.
وهذه مسألة تحتاج منا إلى خطوات كثيرة وأولها هي العزم على لقاء مشترك، وبانورما خطوة في هذا المشروع الكبير.