ابراهيم علي/ سيدني
مما لا شك فيه ان الديمقراطية الطائفية هي من أ كبر المشاكل التي تواجه الحياة السياسية في العراق حيث هي الشكل الأفضل الذي فيه تمارس الحكومة سيطرتها فتتسع حدودها بشكل ملحوظ في الحياة العامة وهو الشرط الرئيسي الذي يؤمن للنظام إبقاء القوى السياسية في حالة من الشلل النظري في اتخاذ استراتيجية محددة للعمل إزاء ما يجري في البلد وهذا لا يعني ان الدولة قد قامت سلطتها على فكرة الديمقراطية وهو ادعاء يفتقد الى الموضوعية. لم يرتد شعار الديمقراطية الطائفية عن تفجير التناقضات العدائية في بنية المجتمع العراقي بل وساعد على دفع الطوائف بقبول الحل الطائفي لإبقاء المجتمع في حالة من التناقض والتنافس لترسيخ الأمزجة الأنانية والنرجسية المتعالية لدى النخب السياسية التي تدور في دهاليز الطائفية البغيضة وهي جزء من سياسة أحزاب السلطة التي تميز وفق الانتماء الطائفي في علاقة نفعية لا يمكن ان توجد الا كعلاقة هيمنة طائفية لتحجيم دور القوى التقدمية الداعية الى التغير وترسيخ مرتكزات الديمقراطية السياسية والتعددية وسيادة مفاهيم المجتمع المدني والتداول السلمي للسلطة. ان غياب التوزيع الطائفي في الأنظمة الديمقراطية تشكل الضمانة الحقيقية لخلق حالة من التوازن الاجتماعي في المجتمع، ولكن الديمقراطية لا تعني غير المساواة الشكلية.
فما ان تتحقق مساواة جميع أعضاء المجتمع حتى تطرح امام البشرية مسألة السير الى الامام، من المساواة الشكلية الى المساواة الفعلية، الى تحقيق قاعدة: (من كل حسب كفاءاته ولك حسب حاجاته). حيث يسير الفكر تصاعدياً مع حركة الواقع التصاعدية ارتباطاً بمنطق الممارسة الديمقراطية وفي المرحلة العليا من الاشتراكية تموت الديمقراطية باكتمالها أي بموت نقيضها الدولة، فالدولة هي هيئة للسيادة الطبقية هيئة لظلم طبقة من قبل طبقة أخرى* فإن وجود الدولة يبرهن على ان التناقضات الطبقية لا يمكن التوفيق بينهما ومع زوال الطبقات في المجتمع الشيوعي ينتفي استغلال الانسان لأخيه الانسان. والحقيقة ان الديمقراطية لم تكن من الأولويات على جداول وبرامج الحركات الدينية السياسية من منطلق موقف عدم الاكتراث باختلاف الرؤى في تفسير مفهوم الديمقراطية والصيرورة التاريخية لتطور المجتمعات، وقاعدة التحليل لظواهر الحياة، والوعي التاريخي والموقف من الملكية الخاصة المقدسة من المنظور الإسلامي الذي يعتمد منهج الفلسفة المثالية في تفسير الظاهرة انطلاقاً من قاعدة التحليل الميتافيزيقي (لا جديد تحت الشمس) المتأص في مقابر الأزمنة الغابرة تاركاً بصماته واثاره العميقة على الخطاب السياسي الطائفي المتجذر في رواسب اللاوعي.
فالمادية الجدلية تنطلق من الاعتراف بالتغير والتطور بلا انقطاع كونها نتاجاً للعقل البشري تساعد على فهم الواقع بشكل ملموس بحيث تعطي إمكانية تجنب الذاتية واعتماد معطيات موثوقة ومدعمة عملياً لتجاوز الانزلاق نحو المواقع المثالية الذاتية والنزوع الى الفكرة المطلقة على حد تعبير الفيلسوف الألماني هيغل الذي أوقف الديالكتيك على راسه، ويعود تاريخ التناقض الفلسفي بين الفكر المادي والفكر المثالي الى المراحل التاريخية الموغلة في القدم إنهما يمثلان مشروعين فلسفيين متضادين ينفي أحدهما الأخر وهما في تعارض مطلق.
فالديمقراطية لا يمكن ان تنشأ من فراغ تتطلب ممارستها سياسة مبدئية واضحة معتمدة على إرادة الجماهير الواعية لمصالحها التاريخية وان إدراك عيوب المجتمع يلعب دورا ًكبير في التمهيد لخلق الفضاءات الصالحة لترسيخ المرتكزات الأساسية للديمقراطية وتزداد أهمية ذلك في الظروف الراهنة بسبب تغلغل الأيدلوجية الدينية الحاكمة لمسارالمجتمع وكيف يتسنى لشعب ان يتعلم ممارسة الديمقراطية في ظل انعدام التقاليد الديمقراطية وسيادة المفاهيم الدينية المغلقة التي تصادر نبض الإنسان ومستقبله وحضارته؟!
والجدير بالملاحظة ان تزايد الدعوة للديمقراطية تصطدم بضعف الدولة ووجود الأحزاب الدينية النافذة بفرض هيمنتها من خلال الترهيب الديني، فالديمقراطية لا تأتي بقرار سياسي فوقي أو من الحاكم ان عملية الانتقال الى الديمقراطية يتطلب الغاء نظام المحاصصة الطائفية والتراث الديني القائم على الميثولوجيا وإلغاء مبدأ الاقصاء والتهميش وتكريس الثقافة الديمقراطية في المجتمع وإقامة المجتمع المدني بشكل ملموس في المظهر البنائي للمجتمع (الشكل والمضمون). تعتبر الديمقراطية الطريق الأمثل لخروج العراق من أزمته البنيوية الخانقة ويتطلب الأمر تحقيق المساواة والحرية للإنسان اللتين لم تتحققا في الحكومات المتعاقبة على العراق وتأمين القاعدة المادية الأساسية للتنمية الاقتصادية وإلغاء القوانين المتناقضة مع الإنتاج واستكمال مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية والنهوض بالاقتصاد الوطني والتخلص من الاقتصاد الريعي الأحادي الجانب الكابح لميكانيزمات الديمقراطية في تحقيق التقدم وأحداث تطور جذري في المجتمع.
المصادر – *الدولة والثورة – لينين