تنزع الايديولوجية الدينية عادة الى تجاهل الواقع المادي حيث يشكل عزوفا حاداً عن حركة التاريخ
وتراجعاً باتجاه الانسدادات التاريخية التي تفضي بالعودة الى التاريخ غير المقروء الذي لا يحمل اية مصداقية في توجيه الناس ويقف حاجزأً امام الرؤية النقدية لاستكشاف الواقع وحركتها التصاعدية من الأدنى الى الأعلى ويلغي في الوقت ذاته كل مظاهر التغيير وتحويلها الى تعاليم مقدسة لا تخضع لإرادة الإنسان بقدر ما تتعلق بالفكرة المطلقة بالضد من التفسير المادي للتاريخ *(الفكر هو انعكاس لحركة الواقع في ذهن الإنسان) ان ما يجري الان على ارض الواقع هو ترسيخ المفاهيم الخاطئة وتجاوز الحدود بين الممنوعات والمسموحات بين مفهوم العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية وبين الايديولوجية الموضوعية والمزيفة التي تعني رؤية مختزلة للواقع الذي لا يزال ينطوي على التنظيم القديم زاخراً بكل قواه لا ينتج الا مزرعة لثراء رصيد سدنة هياكل الوهم تعني مفهوم الأيديولوجية نسقاً من منظومة الأفكار الحقوقية والفلسفية والأخلاقية والدينية التي تعبر عن مصالح الطبقات المتناقضة في المجتمع الطبقي مستعينة بأيديولوجية الطبقة العاملة لإحداث التغير المطلوب في الاشكال القديمة لبنية الواقع لتحل محلها الاشكال الجديدة القابلة للحياة خلافا لأيديولوجية المثالية التي ترتكز على المنظومة الدينية في إشاعة الغموض في وعي الناس من الأوهام والشعوذة والخرافات وتكريس المفاهيم الغيبة في تفسير ظواهر الحياة مما تجعل الأبواب مشرعة لدحض السيرورة التاريخية في تطور المجتمعات البشرية نتيجة الطابع التضليلي للأيديولوجية الدينية التي تسعى الى عدم تفسير الواقع كما هو غير ان الحياة قدمت أجوبة قاطعة بتفنيد تلك المحاولات البائسة واسقطت موضوعة الفهم المثالي للتاريخ
ان ضيق الميدان الثقافي في العراق يتسم بقدر كبير بضيق افق البرجوازية الدينية الصغيرة نتيجة الاعتقاد بخالق من عالم الغيب وتكريس مفاهيم ما وراء الطبيعة واحداث القطيعة المعرفية بالحاضر والمستقبل **(انها لا ترى حتمة الانهيار في كل شيء ولا شيء يستطيع الصمود في وجهها الا المجرى المستمر للنشوء والزوال للصعود اللامتناهي من أدنى الى اعلى).
ومن الواضح ان الخطر الأكبر الذي يهدد المجتمع العراقي في الظروف الراهنة تحديدا هي سيطرة الأيديولوجية الدينية على مفاصل الحياة الرئيسية والتحكم بمراكز القرار السياسي وتغذية الأفكار المتطرفة والاستقطاب الطائفي وترسيخ القيم القبلية والمنطق القبلي الذي كان سائداً في شبه الجزيرة العربية.
والجدير بالملاحظة ان الأيديولوجيات المعاصرة وضعت حداً نهائياً لكل تصور عن الطابع النهائي لنتائج فكر الانسان نتيجة القطيعة المعرفية مع الماضي ما عدا الايديلوجية المثالية المنغلقة برواسبها المتكلسة في الثقافة الجاهزة التي تستهزء بوعي الانسان وتأطيره بالحلال والحرام بمقاييس المذاهب الفقهية الإسلامية التي اختلفت حول تطبيق الشريعة ان الهدف من استخدام الطبقة الحاكمة منظومتها الفكرية هو تثبيت شرعيتها وترسيخ الولاء الطائفي على نطاق الممارسة اليومية لتعزيز سيطرتها الطائفية الامر الذي يتعارض مع ديباجة الدستور الذي نص على الديمقراطية المزعومة.
والواقع ان اي دستور لا يتطور ما لم يعترف بان مصدر سلطته هو الشعب غير ان ممارسات طائفية تميزت وتركت بصماتها على الواقع تؤشر لعودة البلاد لمرحلة الدكتاتورية يتضح من كل ذلك ان ما تنتجه الأيديولوجية الدينية ليس صراعاً فكرياً حضارياً في ظل الديمقراطية المزعومة لقد اصطبغ الصراع بالدم والاقتتال الطائفي وترسيخ الانانية الطائفية واستشراء الفساد الإداري والمالي وفشل الحكومة في تنفيذ حزمة الإصلاحات وإطلاق الحريات العامة وحرية الراي والتعبير واجتثاث بذور التخلف ان ما نقطفه اليوم ثمرة تعاليم استمرت ألف واربعمائة عام من إعادة انتاج الثقافة الماضوية التي كانت سائدة في المراحل الغابرة من التاريخ من تقطيع وسمل العيون والقتل والسلب واقتسام لغنائم الحرب وبيع السرايا في سوق النخاسة ولذا فالأيديولوجية استخدمت في كل مراحل التاريخ لإخضاع الطبقات الكادحة التواقة للانعتاق من نير العبودية والمحرومة من ابسط وسائل الحياة وكانت شرطاً لازما ًلصعود رجال الدين الذين ابتدعوا الدين ورعوه لأغراضهم الشخصية ضد القوانين التي تحرك المجتمع باتجاه تحرير الإنسان وعلاوة على ذلك هناك حالة أخرى قوامها ترسيخ مجموعة من العقائد الجامدة في وعي الجماهير لكي تبقى في أسر المطلق المقدس غير قادرة على معالجة استلابها الا بصيغ أخلاقية دينية مستمدة من منظومة القيم السماوية بهدف تجهيل العقل وتعميق الاستغلال الطبقي وفضلاً عن ذلك الحال ليس مختلف ولا سيما في العصر الحديث حيث يحضرني كلمة جومو كنياتا حينما قال: (جاءنا البيض فنصحونا بالصلاة للرب قالوا اغمضوا عيونكم للحظة خشوعاً للرب.. وحين فتحنا عيوننا لم نجد الأرض التي كنا نقف عليها لقد سرقوا ارضنا مقابل تعليمنا الصلاة) ان ما يهمنا اليوم هو عدم استمرار الرموز الدينية ومنطلقاتها والإ... سوف تسرق الأرض التي نقف عليها؟؟
المصادر –
*المادية التاريخية – ماركس
**نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية – انجلس