ابراهيم علي/سيدني
يتميز الوضع الراهن بإحتدام الصراع الطائفي وتفاقم الاستقطاب الطائفي وتردي الخدمات على الأصعدة كافة وان أبرز تحدي يواجه المجتمع اليوم يرتكز على الدور الخطير الذي تلعبه الأيديولوجية الطائفية في ترسيخ الميثولوجيا المرتبطة بالأساطير التي تولدت في المراحل الأولى من التاريخ، في واقع تتحكم فيه الانتماءات الطائفية والمذهبية والعشائرية، تلك الأيديولوجية التي تتمحور ضمن أفق الخيال والمفاهيم الموروثة وتصدير بنية الثقافة الغيبية. من الواضح إذاً ان الاستراتيجية التي تحرك الأيديولوجية الدينية هو الخيار القائم على التصورات الدينية بمعزل عن حركة الواقع وتطوراته والعودة الى النصوص لإخضاع العقل لجبرية النص الإلهي الذي لا يسمح بالاختلاف، ووضع آراء مخالفة ومتضادة لمعتقداته في إقامة مجتمع الحكم الإلهي المطلق معززة مواقفها بالنصوص الدينية. من اللافت للإنتباه في ضوء هذا الصراع يجري التركيز على الديمقراطية الشكلية بين فترة وأخرى في محاولة لإيهام الناس عن حقيقة ما يجري من تجاوزات فظة على حقوق الإنسان والعنف المقرون بالإستهانة بكرامة الإنسان الذي هو المعيار الأساسي لمنطق الواقع في عملية تحويل الوعي الاجتماعي لعلاقات السيطرة والخضوع ويجري في الوقت نفسه تقسيم المجتمع على أسس طائفية وعرقية ودينية وتزايد ضغط الإبتزاز الموجه الى الجماهير الكادحة وتمتع الفئات المتنفذة في السلطة بالإمتيازات والاعفاء من الضرائب في الوقت الذي تشتد فيه معاناة الشعب جراء الإرهاب والعنف الطائفي وتفاقم البطالة وتصاعد وتيرة انتهاكات حقوق الانسان بشكل غير مسبوق في تاريخ العراق!! فالدعوة للديمقراطية تتقاطع مع رؤية الأحزاب السياسية الدينية حول مبدأ الديمقراطية حيث هناك وجهات نظر متباينة ومختلفة وترى في الديمقراطية مبدأً لمشروع فكري تمثل احدى تجليات العلمانية التي تنطلق من مبدأ فصل الدين عن المؤسسة الزمنية والتي تقود بالضرورة الى الانفتاح والتلاقح الفكري بين الثقافات التي هي نتاج محض للبشرية، الامر الذي يقوّض ركائز الإنغلاق الفكري الذي يخضع من حيث الجوهر لمشيئة الجبرية في تفسير الأمور للقضاء والقدر، بالإضافة الى ان هناك تناقضاً اساسياً بين قوى تيار الإسلام السياسي والديمقراطية.
قديماً قال ارسطو: ان الجماهير لا يمكن السيطرة عليها عن طريق الاقناع بل عن طريق الرعب الكامل والمخاوف المأساوية فالمؤسسة الحاكمة تريد ان توحي للجماهير بالخوف من العقاب واستخدامه في توجيه الجماهير المنتفضة وإعادة تركيبتها وفق العقيدة الدينية والارتداد بها الى النكوص امام الواقع حتى تغدوغير منتجة وفاعله في تأسيس المعرفة وصياغة الواقع.
في الإطار نفسه، الديمقراطية لا يمكن تطبيقها في المجتمعات المغلفة في اطار العقلية الراكدة والتشدد على الاكتفاء بالماضي باعتباره مركزاً للإنتاج الثقافي، وتطلب تطبيقها انقطاعاً معرفياً مع بنية الثقافية الماضوية وسطوة القبيلة والطائفة وتطهير العقل وتنقيته من الادران التاريخية العالقة به وان يستعيد الانسان سيادته على مصيره، وتفتيت المؤسسات القديمة التي ينخرها الفساد، وترسيخ شروط بناء الديمقراطية التي تقوم على دمقرطة مؤسسات الدولة وفصل السلطات والتداول السلمي للسلطة وحرية الراي التعبير والمساواة واعتماد مبدأ المواطنة واعتبار الإنسان انه الفاعل في تغير المجتمع.
وانطلاقا ًمن الحقيقة الدامغة لقد اثبتت الوقائع التي لا يرقى اليها الشك عجز النظام السياسي في العراق على إدارة النزاعات السياسية وخلق الأجواء الملائمة لإصلاح العملية السياسية وتطويرها بتخليصها من التوجهات والممارسات الطائفية التي كانت عقبة كؤود امام عملية الإصلاح السياسي، وتعتبر الديمقراطية الشرط اللازم لأية نهضة ثقافية اجتماعية اقتصادية تستهدف تطوير التنمية الاقتصادية والبشرية وتحرير بؤس الجياع من سطوة رجالات الدين (كونهم عكازات الروح المصابة بالشلل على حد تعبير الكاتب فرانز كافكا) فالحكومة اليوم تدور في حلقة مفرغة غير قادرة على إيجاد حل شامل جذري ضد الفساد والملفات الأخرى المرتبطة بالفساد، ونتيجة لذلك الوضع تمخض الحراك الجماهيري واتسعت رقعته في المطالبة بتنفيذ حزمة الإصلاحات التي اختزلت في التسويف المتعمد، وتحسين الخدمات، ومحاسبة الفاسدين والمفسدين، وتصحيح مسارها في إدارة المشاريع المتداعية التي كلفت الدولة مليارات من الدولارات!! وتترك مسؤولية الكارثة المحدقة معلقة في الهواء بغية تسلل الإحباط الى وعي المتظاهرين وخنق مبادراتهم في الدفاع عن حقوقهم المشروعة، فالتصريحات السمجة بشان الإصلاحات لاتنطلي على الجماهير التي اجترحت المأثر التاريخية في سوح النضال ضد الانظمة الدكتاتورية التي تعاقبت على الحكم على العراق ونظام المحاصصة الطائفية والحقيقة انه كلما ازداد النظام خوفاً من الديمقراطية ازداد عنفاً حيال القوى التي تنادي بالديمقراطية والحياة الكريمة التي تليق بالبشر بصيغة جديدة مستمدة من الواقع وليس من الماضي وهذا رهين بتماسك بنية الثقافة الديمقراطية.