ابراهيم علي/سيدني
ان القضية المركزية التي تحتل مركز الثقل في الظروف الحالية تكمن في الغاء الفقرة الثانية من المادة السادسة والعشرون من قانون البطاقة الوطنية الموحدة ما يفرض على الأولاد القاصرين ان يتبعوا ديانة من اعتنق الدين الإسلامي من الابوين ويعتبر هذا القانون نسخة مما ورد في قانون الأحوال المدنية رقم 65 لسنة 1972 المعدل ولكنه لم يأت بجديد واعيد للواجهة في عام 2015 بنفس المضامين التي تحمل أسس النزعة الفاشية التي عادت بالبلاد الى مرحلة القرون الوسطى. في ضوء هذا التحديد القانوني انطلق جهابذة الفقه الإسلامي في العراق في تفسير مضمون القانون استناداً الى الرواسب التشريعية التي كانت سائدة في شبه جزيرة العرب حيث منطق القبيلة لا يتعارض مع ثوابت الإسلام الذي يرفض أي تغير يمس الجانب الممنوع في حدود احكام الشريعة الإسلامية التي ساهت في تشويه بنية وتفتيت النسيج الاجتماعي للمجتمع بالإضافة الى مساهمة الدولة ومؤسساتها في تثبيت القانون الذي اخذ طابعاً قسرياً في التعامل مع اتباع الديانات الأخرى بشتى صنوف الذل والاهانة والتضيق عليهم، يتعارض مع المبدأ القائل (لا اكراه في الدين) ان إمكانية طرح القانون على البرلمان المثقل بالطابع الثقافي التقليدي نتيجة ارتباطه الوثيق بالطائفية المذهبية لا بد وأن يعتمد في هذه الحالة رأي المرجعيات الدينية في تحديد الموقف من القانون وفق المنهج الذي اعتمده محمد بعد ان أصبحت الدعوة الى الإسلام الركيزة الأساسية اقتضى ذلك* دعوة غير المسلمين حينما رفع في احدى يديه القران وفي الأخرى السيف ولا يقبل منهم عذراً ولا الجزية إلا الإسلام).
والجدير بالملاحظ ان الصيغة المطروحة لمضمون قانون البطاقة الوطنية الموحدة قد جير لخدمة المرجعيات الدينية نكاية باتباع الديانات الأخرى وما تحمله هذه الرؤية من مخلفات التراث الغيبي الذي يلعب دوراً كبيرا في ترسيخ التجزئة والتبعية والاستبداد الديني والتخطي نحو أسلمة المجتمع في ضوء الصراع الذي خاضه محمد ضد خصومه حينما قال** : (يحال وجود دينان في جزيرة العرب) والملفت للانتباه هنا ان المادة السادسة والعشرون من قانون البطاقة الوطنية الموحدة تعني في جوهر الامر تغييب الأمل الإنساني في العدالة والمساواة وان تمريره تعد خطوة تراجعية في مسار التطور الاجتماعي وإمكانية إيجاد المقدمات الضرورية لتجاوز سلبيات الواقع وإصلاح العملية السياسية من أزمتها القائمة واعتماد سياسة متحررة من الطائفية المقيتة وبناء مشروع ديمقراطي يرتكز على مبدأ المواطنة.
فالعقل الديني الذي تسكنه الأوهام والخرافات لا تتجرأ الاقتراب من احكام الشريعة الإسلامية التي تعتبر من المقدسات التي لا يمكن المساس بها، وعلى سبيل الحصر لا المثال، في عام 1959شرع قانون الأحوال الشخصية رقم 188 الذي أعيد الاعتبار للمرأة بمساواتها بالرجل في الميراث والحقوق اعترض رجال الدين على القانون باعتباره يخالف شرع الله و يتناقض مع احكام الشريعة الإسلامية ويضر بمصالح طبقة رجال الدين، والمقصود هنا ان أي تعديل لمضمون المادة السادسة والعشرون سوف يصب في خانة احكام الشريعة التي تخدم في نهاية المطاف توجهات الدولة الدينية، لذلك ينبغي المطالبة بإلغاء الفقرة الثانية من المادة السادسة والعشرون التي هي من نتاج البشر الذين تحركهم مصالحهم، فالحكومة العراقية من الدول التي صادقت على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي كرس للدفاع عن حقوقه ومعتقداته فالمادة الثامنة عشرة أكدت على ان (لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ويشمل هذا الحق حرية تغير ديانته أو عقيدته وحرية الأعراف عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم جهراً، منفرداً ام مع الجماعة) والملفت للانتباه، ان هناك اعتقاد سائد لدى الكثيرين من ان الدستور هو بمثابة العصا السحرية في معالجة الإشكالات العقدية التي تواجه المجتمع، في حين هناك الكثير من الدساتير كانت توضع من قبل الطغاة بعد ان أضيفت اليها صبغة الديمقراطية لإضفاء الشرعية على ممارساتها التي تتقاطع مع الديمقراطية متناسين ان كتابة الدستور العراقي كانت الهيمنة فيها للكتل الطائفية وهي سلطات مطلقة، فالإطار العام للدستور هو الإسلام وهذا يعني الالتزام بالشريعة الإسلامية واحكامها وفقاً للسياقات الطائفية التي من شأنها توسيع رقعة الخلافات بين اتباع مواطني الديانات غير المسلمة، وهذا يكشف عن نزعة استعلائية فجة، فالشافعي طلب من المسلم غير العربي تعلم العربية امعاناً في تثبيت لغة القران وترسيخ العنصرية وإلغاء التنوع الثقافي والحضاري، *** والملاحظ ان المسلم لم يتجاوز أليات الخطاب القمعي حيث قال محمد أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا (ان لا إله الا الله ويشهدوا أني رسول الله) لقد أوقف عمر بن الخطاب العمل بنصوص القران وإلغاء عقوبة السرقة في عام الرمادة أي عام المجاعة السنة 18هجرية لإنقاذ المجتمع من القوانين الضارة التي تهدد نسيجه الاجتماعي.
ان فشل تمرير الفقرة الثانية من المادة السادسة من قانون البطاقة الوطنية الموحدة منوط بإصرار ورفض القوى الديمقراطية والوطنية من خلال تشكيل جبهة موحدة من اجل إقامة الدولة المدنية القائمة على التعددية السياسية والمدنية والثقافية وإقرار حق المواطنة لكل العراقيين والتأكيد على وضع دستور ديمقراطي للبلاد.
مصادر :
* الشخصية المحمدية – معروف الرصافي
**الشخصية المحمدية – معروف الرصافي
***الشخصية المحمدية – معروف الرصافي