سيدة بن علي/ تونس
مازلت أسمع ركاب خيلك يا يوسف..
صدى صهيلك..
مازلت حين أنفخ في الصّور...
يخرج لهيبا اسمك ...
مازلت حين أخطّ بالسّكّين على شراييني
يسيل دما اسمك...
أنا راعيل بنت رماييل...
أنا زليخة التي أرادت أن تنجبك منك..
وحشيّة أنوثتي...
وعيناي رغيفان جائعان...
مهزومة حدّ الذّبح..
شاب رأسي وتقوّس ظهري..
جفّ ماء عيني..
أنا راعيل الّتي أرادت نحر ربّها...
هممت بي وهممت بك ...
كدنا ان نغرق في الشّهد ...
كدنا أن ننهش الفراش والسّتائر..
لولا برهان ربّك... لولا برهان ربّك..
اهتزّت تقاليد السّماء...
وثغرك الذي كان خادمي
في لحظة العناق صار ربّي..
قلت لك: هيت لك...
فردّت لهفتك :عشقك صلاتي ...
فلنمزّق معا خرائط الذّل ...
ونعلن انبعاث الكون..
نهدك الهي وجوهرتي ...
فتحدّري يا زليخة واسترسلي..
لم أكبر ..
مازلت الطّفل الذي توسّد دفئ صدرك.
تغلغلي في تفاصيلي..
حتّى انسى غدر اخوتي...
أوقفي نزف جروحي..
طهّري قروحي..
وأعيدي لي طفولتي وجموحي
دعي فرس النّار تحلّق طيرا ....
الليلة صار القمر في يميني غجريا ..
والشمس في يساري متسوّلة ..
لولا برهان ربك ... لولا برهان ربّك..
مزّقت قميصك يا يوسف..
وأمرت السجّان بجلدك ...
حين نقعت ابهام رجلك في رحمي
حين صار العشق موتا....
والعنفوان شحوبا..
حين أطرقت باستحياء لتقول:
اعذريني..
هذه فرصتي لأكون نبيّا..
لم أكن أعلم أنك كنت تساوم الوقت...
لم أدرك أنّك كنت ترشي اللّحظات
كي تصبح الها أو نبيّا ...
سملت عيناي واحترقت خيمتي...
يا يوسف...!
غدوت في كتب تاريخ العشق قطعة نار محنّطة وقلبي صار قبلة مجفّفة..
صارت مزارا دمعتي..
يا لمكرك يا يوسف..!
سكبت النّار في أقداح جنوني..
حاورت أزرار فستاني..
سال الشّغف من عينيك..
وصرخ همسك: فلتشهد الأبواب المغلقة..
أنّي عاشق حدّ التّبخّر.
فلتشهد الجدران..
أنّي طير نما ريشه بين أناملك..
فلتشهد النّار...
أني كشفيف الثّلج أذوب بين أحضانك..
التحفي كيدك يا زليخة..
فمكر الثعالب في عينيك ولعي ووطني..
ترنّمي.. ترنّمي يا مهزومة البطن..
وأشيدي بالتّرنّم..
فبنو المستوحشة يا حبيبتي..
أكثر من بني ذات البعل...
أمطرت بك السّماء زهرا ونارايا يوسف..
ومن أصابعك طفرت أسطورة الشّجرة العاشقة..
ما زلت أسمع صهيل خيلك ...
كدت أن انجبك منك ...
لولا برهان ربّك... لولا برهان ربّك