الديمقراطية الحقيقية لا يمكن ان تتحقق
الا بترسيخ الأساس المادي والفكري والثقافي في المجتمع
ابراهيم علي/سيدني
ان تجارب التاريخ تثبت ان الديمقراطية لا يمكن ان تتحقق على أرض الواقع دون تهيئة الأساس المادي والفكري والثقافي في المجتمع فالحديث عن الديمقراطية في العراق هو ضرب من الوهم ذلك ان الديمقراطية لا وجود لها بدون تعددية سياسية وانتخابات حرة نزيهة تساهم في تكوين الذهنية الديمقراطية، ان فكرة الديمقراطية في العراق قد اصطدمت بالعديد من المعوقات والعراقيل الكابحة والموروث الديني وسيادة العقلية الدينية وغيرها من القيم القبلية والعشائرية والفشل الذريع الذي مني به النظام السياسي في مكافحة أخطر أنواع الفساد هو ذاك الذي مكن الأحزاب السياسية الدينية من مراكمة موارد هائلة وهي المشكلة التي تتصدر قائمة المشكلات المُلّحّة في مجتمع يعاني التفكك ويدب فيه الفساد لا يمكن قيام الديمقراطية. ان ما يجري اليوم في العراق يقع على طرفي نقيض مع الديمقراطية فالديمقراطية وليدة الواقع وليست وصفة جاهزة تهبط من السماء. من السمات الأساسية للأفكار السياسية غير المُعللة علمياً ان يولد سياسات خاطئة وضارة أذا اقترن باعتماد بالموروث الديني والاساطير والخرافات كموروث ثقافي يعرقل تطور المجتمع والارتقاء به الى مصاف الدول المتطورة وما يترتب على ذلك من تغيرات جذرية في البنية الثقافية والتربوية تحقق إمكانية إزالة مخلفات الجمود العقائدي الذي علق في اذهان الناس نتيجة السياسات الخاطئة التي دأبت عليها الأنظمة الرجعية التي تعاقبت على الحكم في العراق، في ضوء هذا الواقع لا يمكن ان تقوم الديمقراطية كممارسه إنسا نية في الوقت الذي يبدو وان الأفق سائر نحو الانغلاق؟
فالديمقراطية ليست وصفات جاهزة لا يمكن ان تنشأ لمجرد اصدار قرار فوقي دون ان تتوافر شروطها إنضاجها تاريخياً وبعكسه يتحول الى لغو فارغ تزود طاحونة البرجوازية الدينية بالماء لتسهل عليها إمكانية تحقيق استقراء معادلاتها في إستعادة الماضي المنفلت من عقال التاريخ!!
والجدير بالذكر ان الظروف الموضوعية التي تشترط قيام الديمقراطية لم تنضج في إطار المرحلة الراهنة من نظام المحاصصة الطائفية فالسلطة تتحكم بها الأطر الفكرية التقليدية النابعة من الثقافة الجاهزة التي لم تعد تتلاءم مع الظروف الجديدة، لذلك لايمكن الفصل بين الثقافة الديمقراطية والوعي السياسي لان الثقافة الديمقراطية تقترن بالمؤسسات السياسية وتتماشى ومهام التغيير في إقرار تعددية سياسية التي تعتبر الركيزة الأساسية من ركائز قيام الديمقراطية، فالنضال من أجل الديمقراطية يتطلب النضال ضد السلطة المستبدة والاستبداد وهي نتاج ثمرة طويلة من نضال الشعوب التي اجترحت المأثر التاريخية في سوح المعارك الطبقية. ومما يستوقف النظر ان الاسلام هو مصدرأساس للتشريع كما جاء في الباب الأول /المبادئ الأساسية المادة 2 أولاً والدستور يعتمد مصدراً الهياً يقتصر على المسلمين دون سواهم من اتباع الديانات الأخرى، وعلى هذا النحو يشكل تهديداً لحرية وثقافة المجتمع ويهيء التربة الخصبة لتفريغ الأفكار التقليدية المناهضة للديمقراطية باعتبارها فكرة رديفة للعلمانية ساهمت تاريخياً بتقويض الأساس المادي للفكر الديني في المجتمع بالإضافة الى فصل العلاقة الروحية بين الفرد ومعتقداته الدينية والمفارقة الباعثة على السخرية ان التصورات الخاطئة عن الديمقراطية ما تزال قائمة في ممارسات أحزاب السلطة وقياداتها التي أصبحت بين ليلة وضحاها تدعي الديمقراطية التي يراد منها المحافظة على الوضع المتردي.
ان المنطق الذي يعتمده جهابذة الدين ويتبناه أصحاب الأفكار الجاهلية بصدد رفض الديمقراطية باعتبارها من الأفكار المستوردة التي تسببت بانقسام العالم الإسلامي وتشرذمه، وان مصلحة المجتمع لا تقتضي وجود مثل هذه الأفكار المخالفة لشرع الله وان الشرع وحده هو الذي يتكفل توجيه المجتمع وفق احكامه وما ينتج عن ذلك الاستخدام القسري وفرض التوجهات الاستبدادية حيث يصبح دور الانسان في المجتمع هامشياً ينكفئ على ذاته والعودة الى ولاءاته التقليدية والانضواء تحت مظلة المرجعيات الدينية المتضاربة في تقييماتها الفقهية والدينية والسياسية وهنا الطامة الكبرى وأكثرها بذاءة ..!
ومما جدير بالذكر أشار الشيخ محمد النائيني الى خطورة هيمنة الدين على مفاصل السياسة قائلاً: (وهي شعبة الاستبداد الديني) ان عدم فصل الدين عن السياسة يضفي افاقاً عنصرية على طبيعة المجتمع وتوجهاته، فالأهمية المركزية المعلقة على الديمقراطية يلزمنا النظر الى الديمقراطية من جوانبها الأخرى لأنها ذات أبعاد متضافرة سياسية واقتصادية وثقافية وان أي انتقاص منها تحول دون اكتمالها، ولكي لا نقع في عشو الرؤيا الذي يسلبنا الحجة الوحيدة عن الإفصاح بأن النظام في العراق ليس ديمقراطياً، لإن الديمقراطية لا يمكن ان تتحقق في ظل غياب الحريات العامة وهيمنة العلاقات التقليدية والعشائرية وحزمة أدرانها التي ما زالت تفتك بالمجتمع هو دليل ساطع على استحكام حلقات الانغلاق الفكري والدخول في دياجير الظلام تترعرع في حلكته قتل طموحات الشعب العراقي في الحياة الحرة الكريمة التي تليق بالبشر بمنأى عن الأوهام والاساطير والشعوذة التي تعيق ديناميكية التحولات الجارية في المجتمع من خلال الحراك الجماهيري، فالديمقراطية الحقيقية لا يمكن ان تتحقق في ظروف اغتراب الإنسان واستلابه الفكري واستماع الجن للقران (وتلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى) هذا ما يريد ترسيخه المنطق الرجعي في وعي الجماهير!! وفي إطار تحليل الدين توصل ماركس من ان الحاجة الى الديانات تزول بزوال الظلم والاستغلال بين البشر.