د. هاشم حسن التميمي/ بغداد
قيل الكثير عن جمال بغداد وطيبة اهلها من ياقوت الحموي والشبيبي ونزار قباني الذي طالبها بمد البساط وملئ الاكواب فهي ام القباب ووطن زينب ورباب حتى اصبحت تقرن اليوم بالعيساوي وعبعوب واخيرا بنت علوش.
لايعلم الشعراء ماذ حل بمدينتهم وقبلة عشقهم وميزان قصائدهم وجوهر مقالاتهم فقد انقلت الصورة حتى صارت مضربا للامثال في قذارتها وعفونة شوارعها وازقتها وفشل كل شركات التنظيف اللبنانية والتركية وجيوش البنكلاديشيين من تجميل وجهها واستعادة مساحاتها الخضر التي اقتلعها الحوسمجية او داستها اقدام المتظاهرين او التهمتها الحشرات القاتلة للحياة او هجرها اهلها المفجوعين بقتل الاحباب وتهديد الاقارب والاضطرار للتجاور مع غرباء على التمدن اناس سكنوا في القصور ومازال يمارسون طقوس البداوة والحنين للعيش وسط قطعان الجواميس ولايترددون بذبح الاخ او الجار على الطريقة الداعشية لمجرد انه اظهر فكرا او تعبيرا لاينطوي على الولاء المطلق لسادة هذا الزمان..
غاب الجمال والامان من بغداد واختفت الصورة لان التخلف والاهمال رسم لنا صورة اخرى لاتتشابه مع صور الشعراء والادباء والمستشرقين عن بغداد الخلافة والحضارة والجمال الاسر للقلوب.
بل لايمكن ان تقارن بالبومات الصور الملتقطة قبل عقود قليلة.
ليس عجيبا اننا جميعا مازلنا نعشق بغدادنا فهي قدرنا ونشعر بالحزن ونحن نراها بهذه الحال الماسوية اسيرة بيد امناء لايجيدون فن تخطيط المدن والحفاظ على معالمها ونظافتها ومساحاتها الخضر التي تحولت لعشوائيات والمدن لمستوطنات من النفايات وغابت ارصفتها وتحفرت شوارعها فلم نعد نعرفها فتحولت الصورة وغابت حتى لهجتها واصبح سادتها فقراء وعبيد وتسيد الاذناب بدون اسباب موجبة او تطور في الفكر او الذوق العام.. العجيب ان امينة بغداد التي مازالت في نشوة شهر العسل وهذا حق انساني لا اعتراض عليه، لكن الاعتراض ان هذه السيدة التي خصص لها قصر منيف لاترى من شرفت منزلها جبال النفايات وطفح المجاري بعد كل زخة مطر عابرة في الصيف وليس الشتاء وتتحدث في معرض الزهور الدولي في بغداد عن جمال العاصمة وازقتها وحدائق منازلها ومتنزهاتها العامة الخاوية من ابسط اللمسات الجمالية وهي لاتعلم ان 90% من المساحات الخضر في البيوت التي كانت عامرة قد اختفت وتحولت لشقق بائسة على ايد شركات للتخريب المعماري.. لم يكن امام الناس الا السخرية والعودة لصور الماضي الذي يمثل شباب بغداد التي شاخت قبل اوانها بسبب الاهمال والجهل والتخلف واصابة القائمين عليها بالزهايمر واصبحوا يرون الصورة بالمقلوب فاين نزار قباني والشبيبي والجواهري والرصافي والنواب وكل شعراء الارض ليكتبوا فصيدة رثاء لعاصمة اغتالها الاهمال وسوء الادارة وتهجير محبيها وتولي الغرباء من غير اهلها لادارة شؤونها بالمحاصصة التي تتوافق مع الفساد وانهيار الذوق العام ففاقد الشئ لايعطيه...!
سيذكر التاريخ اطوار وازمنة بغداد وسيقول كلمته التي لاتستطيع المهرجاتها والفضائيات والاعلانات المدفوعة الثمن من تجميل القبيح والعجز المطلق من حماية المدينة من كل اشكال التجاوزات حتى اصبح من يدعي حمايتها هو حراميها..!