د. غيلان / سيدني
رحلت أم ماجد رهك إلى الضفة الثانية من الوجود، رحلت أم الشهداء كما ينعتها الناس فهي أم كريم وأبراهيم وأم العائلة التي لم ينج واحد من أفرادها من الاعتقال التعسفي الذي مارسه النظام المقبور ضد العوائل الوطنية العريقة. ويقودني رحيل أم ماجد إلى استذكار امهاتنا اللواتي أرضعننا الحب للناس كل الناس والوفاء للوطن، فكيف لنا أن ننسى "عريبه" وما زال سوق عريبه يحمل أسمها، كنت أرافقها وأمي في أيام مقابلة السجناء في رقم واحد وفي سجن الحلة، كانت مثالاً للصلابة والحنان وكأنها المعادل الدلالي الحي للمرونة. وكيف ننسى "اسكينه" أم الشهيد خالد حمادي تلك الباذخة في كرمها إذ كان يتوسد سطح بيتها أكثر من خمسين شخصاً أغلبهم مطلوب حياً أو ميتاً للنظام المقبور ولم تبال للمخاطر فقد كانت تطعمهم وترعاهم رعاية الشجر للظلال. ومن تلك الثكنات السود تطل علينا مضيئة أم الشهيد خيون الدراجي والتي كانت تصر على التذكير بجرائم البعثيين مع مراسم دفن كل شهيد وأتذكر ذلك الرجز"گولة"- شبان يردون الهوا وصدام ماخلاهم – ولم تتخلف هذه البطلة عن المشاركة في تشييع شهيد أو التضامن مع عائلة معتقل.
وكانت أمي شجرة من الخجل ورغم ذلك واجهت رجال الدكتاتور حين صرخوا بوجهها "اشروك وتريدون اتحكمون" فأجابتهم نعم "إحنه مو وحد من العالم". كيف أقدم لك الشكر أم ماجد رهك وقد فتح لي رحيلك بوابة التذكر حيث أخرج إلى الفضاء الفسيح حيث تسبح صور الأمهات العراقيات اللواتي يأمرن الذئاب بالأندحار ويجلبن قطعان الفراشات إلى قاعة الدرس والنضال.
وقيل أن القائد الأنكليزي أيام الانتداب أراد تشغيل العراقيين في واحدة من المناطق بطريقة غريبة فقد طلب منهم أن يقوموا بأصطياد الثعالب "الواوية" ومقابل كل واوي ليرة ذهب، فهبت إمرأة وهي تنشد "خذ ليرك واوينا انريده".
وكيف لنا أن ننسى تلك العراقية التي إقترب منها أخوها وهو يريد أيصال خبر استشهاد ولدها فقال برمزية "كن ما هزيتي ولوليتي" فأجابته" هزيت ولوليت الهذا". أنهن الأمهات العراقيات زائرات السجون، اللواتي يزرعن دروب البلاد بالحلم من أجل وطن تنمو على جباله وسهوله حقول الحرية والحب. وداعاً أم ماجد على طريق التحولات تسكننا صلواتك من أجل عراق جميل يليق بأحفادك أولاد الشهداء والأحياء، وداعاً أم الشهداء.