التغيير هو مجرد ضرب من الأوهام
دون تحريره من منهجية المحاصصات الطائفية النتنة؟
ابراهيم علي/سيدني
في هذه المرحلة الملتبسة من التاريخ العصيب الذي يعاني منه العراق نتيجة الإنحطاط السياسي وخلط الأوراق وترسيخ منهجية المحاصصات الطائفية التي هي مصدر الأزمات التي ما انفكت تعصف بالبلاد مقرونة بالعنف المقدس وسفك دماء الأبرياء ارتباطاً بسيادة الفكر الديني الذي يخضع لمعايير الدين السياسي وتركيبة البُنية الثقافية للدولة حيث تعتمد ثقافة محددة ترسّخ من خلالها آلية فكرية سيكولوجية بغية إيثار الصمت والعودة الى مدافن التاريخ القديم بحثاً عن ملاذ آمن يبعد عنه عذاب الآخرة حتى يظل المجتمع مُقيداً بالتقليد اكثر من أي وقت مضى وبالتالي إغتيال المنهج العقلاني الذي يتعارض مع النصوص الدينية التي جعلت من رجال الدين أدوات عمياء في يدها وترسيخ السيطرة على العقل الديني السائد الذي يعمل في اطار المعرفة الجاهزة داخل اطار النصوص المقدسة باعتبارها الإرادة الإلهية النافذة التي تولدت في المراحل الأولى للتاريخ غير المقروء وفي إطار استقراء السياق التاريخي نستشف ان معظم قيادات الأحزاب الدينية لا يزالون منغلقين في دوائر تراثهم الديني والانحطاط الفكري والعهر السياسي والأفكار التقليدية المتآكلة التي لم تعد تتلاءم مع التغيرات الجوهرية التي طرأت على العديد من المُسلّمات الفكرية التي لا يمكن المساس بها. وبالرغم من الزلزال الكبير الذي جلب نسائم التغيير والديمقراطية على العالم لا يزال الفكر الديني محكوماً بالمحددات الفكرية للقرون الوسطى في الاستخدام الحرفي للنص القرأني مبادئ الشريعة الإسلامية لتبرير أفعال الحاكم المستبد المنافية لحقوق الإنسان حتى بلغ الحضيض امعاناً في التمويه على الأسباب الكامنة وراء الأزمات البنيوية التي جلبت الويلات والدمار للبلاد، هي في نهاية التحليل من تجليات هيمنة الثقافة الدينية على مفاصل الدولة ومؤسساتها المنتجة للصراعات الدينية والمذهبية والطائفية التي تحكم مسار المجتمع وتقويض محاولات التغيير الهادفة الى قطع الطريق امام التغيير الشكلي الذي يجد تجسيده في آلية إستعادة تجارب الماضي السحيق في تكوين نمو رجعي سلفي يهيئ الطريق الى العودة لمرحلة القداسة النصية واحتكار الحقيقة وترسيخ الاضطهاد الاجتماعي والسياسي والسقوط في النزعة الدوغمائية المتحجرة والإيغال في البربرية
ومن ملابسات التاريخ وخلافاً لما هو شائع حول قدسية النص وانطلاقاً منن قاعدة لا اجتهاد مع النص في الإسلام تعتبر ثابتة حيث لا يأتيه الشك لقطع الطريق امام محاولات وضع النص على محك الاختبار التاريخي فالموضوعية تقضي وضع الأمور ضمن سياقها التاريخي لكي تتوضح الحقيقة بكل تجلياتها فالنظر الى النص باعتباره مطلق فهو مغلق والمطلق المغلق هو العدم في حين ان النصوص والشرائع الدينية مصدرها المجتمع الإنساني وانعكاس لحركة الواقع التصاعدية في إعادة بناء الوعي الاجتماعي والمعرفي في المجتمع، ولتفكيك هذه القاعدة النصية هناك معطيات ووقائع تسهم في تسليط الضوء على الحقيقة.
فسورة النساء شرَّعت زواج المتعة (فأتوَهنّ اجورهنّ) وهذا يعني بالملموس إن الإسلام قد شرَّع زواج المتعة بالأجرة ولكي تتوضح هذه الإشكالية لنعد الى الماضي البعيد قليلاً فالخليفة عمر بن الخطاب أوقف النص بأربعة نصوص قرأنية:
1-المؤلفة قلوبهم
2- لم يوزع ارض العراق وهي من غنائم الحرب.
3- إلغاء عقوبة السرقة في عام الرمادة أي عام المجاعة السنة 18 هجرية.
4- حرمة النساء ومتعة الحج، تحديداً عندما أعتلى المنبر النبوي قال: ((متعتان كانتا في زمن الرسول مُتعة الزواج ومُتعة الحج اليوم أنهي عنهما واعاقب عليهما)).
والملفت للانتباه ان بؤس الفكر قد احتل حيزا ًكبيراً في تركيبة مؤسسات الدولة الطائفية بفرض ثمة ممارسات طقسية يؤمن بها الإنسان على انها مُنزلّة يقينياً من السماء هذا الوهم الاعتقادي يكمن وراء التصور الميتافيزيقي الذي يخضع كل شيء لمشيئة إلهية وان يأخذها جاهزة كامله وبالتالي فهي تعيق تحرر الفكر من الضوابط الدينية والانطلاق في مسارات العمل الواقعي بعيداً عن عالم الاساطير والخرافات.
والجدير بالملاحظة ان الدين قد تحول الى قوة جامحة في تعطيل وعي الناس وإلهائه بوعود أخرويه لكي تنصرف الأنظار عن المشاكل الحقيقية التي هي من نتاج افرازات الواقع المتردي فالقوى الوطنية والديمقراطية امام منعطف حاد ينبغي عليها ان تحدد استراتيجيتها وبخلاف ذلك فان القوى الرجعية ستشحذ سكاكينها تمهيداً لكارثة حقيقية على غرار ما قام به الحجاج ابن يوسف الثقفي في قتل السليقة الثورية عند العراقيين وان يكونوا واعين لخطورة المرحلة.