د. هاشم حسن التميمي/ بغداد
لعلها مفارقة حياتية لا يصدقها احد حين اقول كنت منهزما ومترددا من الكتابة واوقفت عمودي (كاتيوشا) لأسباب عامة واخرى لشعوري بالإحباط من عدم جدوى الكلمات في زمن اللكمات والرصاص لكنني حين تأملت ابتسامة عمار الشابندر الناشط المدني والصحفي ورئيس معهد صحافة الحرب والسلام في الذكرى الاولى لاستشهاده خجلت من نفسي وقررت العودة لساحة المعركة.
نعم كدت ان أهرب من الكلمات واستسلم لليأس امام الفوضى غير الخلاقة الناتجة عن دولتنا الفاسدة التي انتجت كل هذه الفيالق من اللصوص والانتهازيين المتسترين بشعارات الدين والوطنية والديمقراطية، وكل اشكال التخلف والجهل الذي نصطدم فيه في كل يوم بل في كل لحظة وفي كل مكان، واوشكت ان اصدق من اشاع باننا ونحن نواجه الارهاب والفساد والخراب والجهل والنفاق بجهدنا الاعلامي والثقافي كاننا مثل الذي يحرث الماء وينتظر ثمار القمح ليطعم ملايين الجياع..
لممت اوراقي وشرعت بكتابة مذكراتي للاستاذان بالرحيل من مهنة الاوجاع وقلة المتاع وخيانة الاتباع وكثرة من احترفها للاستجداء والارتزاق..! اجلت الرحيل حين تأملت صورة الصديق الشهيد عمار الشابندر المعلقة في حفل برج بابل بمناسبة الذكرى الاولى لرحيله وكان الشهيد يبتسم امام جمهور ازدحم بهم المكان وكرروا كلمات الامل التي تحدث بها ومشاريع السلام ودور الصحافة في بناء الانسان المتمدن القادر على مواجهة الارهاب والجهل والتخلف والفساد بأشكاله كافة..
كتشف الحضور ان شجاعة عمار الذي لم تفارقه ابتسامة الامل وهو وسط الانفجار ازهرت واثمرت الالاف من المبدعين في مجالات الاعلام والفن والثقافة والمجتمع المدني.. لقد تحول الاستذكار لمهرجان للموسيقى والفن التشكيلي والصحافة تشكل منها ميثاق شرف للاستمرار في مشروع الاصلاح لا شبيه له ولاترقى لروحه كل مواثيق الشرف الاخرى المتهمة بالزيف والاحتيال على الشعب لأنها بذرة نتنة لشهوة السلطة، لكن ميثاق المبدعين مع عمار ميثاق مع الشهداء واولهم العراق المستلب..! ليلة مباركة اعادت لنا الوعي والروح لصدق مشاعرها واغرتنا بمواصلة المشوار ولو كان على حافة الموس فقد تعلمنا من عمار الشهيد واسرته الكريمة المتحزمة بالصبر الجميل الاصرار للمضي في مسيرة انقاذ العراق.
لقد تسامى غالب الشابندر المفكر الانسان والاب المفجوع على احزانه وواصل العطاء الفكري وانتقاداته الجريئة لشلة المتزعمين والمهيمنين على المشهد السياسي وما سببوه لنا من كوارث اصبحت مضربا للأمثال.
وحين تحدثت زوجة الشهيد (ام ادم ) عن ماثر الزوج الراحل بالجسد تعلمنا معنى الارادة وكيف يحقق الحب المعجزة.. تقول تعلمت من عمار اشياء كثيرة لاتحصى فهو لم يرحل بل يعيش معي والتقيه في كل مكان.. وتعلم مني ايضا اشياء كثيرة كان لايعرف السباحة فتعلمها مني وتفوق علي بالغوص.. وكان يخشى الاماكن المرتفعة فقدته خطوة خطوة لقمة برج ايفل فتخلص من مخاوفه..
ويطول البوح على لسان المقربين واولهم عماد الذي نجا من الموت بأعجوبة وهو والاخرين لا يصدقون رحيله بل يقسمون انه مازال معهم ويبتسم ويحثهم لرسم صورة العراق الجميل كما يراه ونراه في وجه ولده ادم وامه وابيه وكل محبيه.
لقد انتصرت الابتسامة على الكراهية التي زرعها الارهاب ورعاها الفساد.