د. غيـلان / سيدني
رحل الاتحاد السوفيتي من حقل التداول السياسي ولم يرحل من ذاكرات شغيلة السياسة والتاريخ وصراع الحضارات وسعاة بريدها وهم يحملون بريد المطر بوميض برقه وصوت رعده، ولم يختف ذكر الراحل في انهيار جمهوريات العالم الثالث ودكتاتورييها الذين مارسوا أسوأ أنواع الغش مع السوفييت حين مدوا يد العون الأممي لهم وفق مبادئ خلت من قاعدة أن السياسة هي تحقيق المصالح، كان السوفييت يعطون من عرق جباه شعوبهم، وكانت الدكتاتوريات تنمو على حساب شعوبها.
أخطأ السوفييت حين عصروا راهن شعوبهم في قنينة المستقبل الأممي وكانت هذه الشعوب الكادحة تلهث طوال النهار لا لجني سعادة من عمل مضنٍ، بل لتشييد سد في مصر أو تدشين حقل نفط في العراق وليبيا وتأسيس مصنع في سوريا ولكل هؤلاء وغيرهم السلاح السوفيتي للدفاع عن جمهورياتهم، ولم يحصل السوفييت من كل ذلك إلا على الخيبة ونكران الجميل وبيع الأسرار إلى الامبريالية وألاعيبها الباهظة التكاليف. الروس كانت تدك وجدانهم قهقهات الغرب التي لم تكن أقل فتكاً من الصواريخ وهم يفككون هيكل الاتحاد الذي بنوه مكهرباً منذ العشرينات وحصنوه دفاعاً حين أهالوا التراب شيباً وشباباً نساء ورجالاً على جنازة النازية، فألحقوا هتلر بنابليون، فهابهم الغرب ومشت إليهم الشعوب المقهورة وهي تحمل ملفات الجوع والرغبة في الخلاص، وقد إنتهى كل ذلك إلى تفكيك الاتحاد أمام صناعه الروس ووجدانهم الملتهب.
يتفق الاختصاصيون في نقد الرواية ومنهم "بورخيس" –أن الرواية الروسية هي الأعمق في تاريخ الرواية ويعزون السبب في ذلك، إلى أن هذه الرواية لا تكتفي بفتح الجروح بل بتعميقها - فهل قرأ الروس رواية الراهن السياسي وفتحوا جروحه وباشروا في سوريا بتعميقه ليدخلوا إلى حلبة الصراع العالمي بمسمى روسي ولكن بعدة الاتحاد السوفيتي وكيف؟.
كأن الروس في راهنهم أكثر رشاقة فهم يبدون وكأنهم تخلصوا من هيكل الاتحاد الحديدي وما يحتاجه هذا الهيكل من صيانة وترميم فاستبدلوا حديده الثقيل بطاقة اللغة ودلالاتها التي تتفوق في صنع القناعات على الحديد، والمراقب يدرك بأن الجمل المنطوقة في هذا الصراع وأقصد الروسية تأتي قصيرة بدلالات عالية فحين سألوا بوتين عن سبب قصفه لداعش والمعارضة المعتدلة معاً قال بيسر "كلهم ارهابيون" وفي التفاصيل أن صفة الاعتدال هنا تتمثل بتهديد الوجود الروسي في البحر الأبيض المتوسط والمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين كما يقول العرب، ولذلك أيضاً عمد بوتين إلى سن قانون يتعلق بالإرهابيين محملاً العائلة والأقارب مسؤولية إخفاء المعلومات المتعلقة بالإرهابي فأكد القانون الجديد على تحميل كل هؤلاء الخسائر البشرية والمعنوية، فقال المحايدون من المراقبين هكذا يتم تنشيف منابع الإرهاب. الأمريكيون بالغوا في تسفيههم لعقول الناس في العراق فقالوا بتحالف ضم أكثر من ستين دولة بأرقى الأسلحة لمحاربة داعش ومثل هذا التحالف تفوق على التحالف الذي صنع هزيمة المانيا بتاريخها الفلسفي وقاعدتها الصناعية العظيمة وجيشها المتفوق فكيف لم يستطع هذا التحالف طرد داعش من العراق؟ ولا نريد هنا وعلى غرار الروس نبش الجرح وتعميقه بل نريد أن يندفع بوتين إلى أقصاه ونرى ماذا ستصنع أمريكا، خصوصاً وأن معركة الفلوجة وكما توقعنا بدأت تتضح ملامحها وأبرزها، عودة مشروع بايدن إلى المسرح وهلولويا لأحوالي شما خوبي وأقذر حرامية في التاريخ.