نامق عبد ذيب/ تركيا
لم أكن أريد الحديث عن بيتنا في الرمادي، فقد رويتُ ما جرى له قبل عام تقريباً ، وشاركني الكثير من الأصدقاء بمشاعرهم النبيلة التي قللت من ألم ما حدث لي ولعائلتي من نزوح وهجرة ما زالت مستمرة منذ سنتين، كذلك فليس بيتي وحده الذي تهدم بل هو ربما أقل ضرراً مما حدث لآلاف البيوت في الرمادي وغيرها!
ولكن.. ولأن الرمادي تحررت..ولأننا لم نعد إلى الآن.. ولأن صديقي د. سليم رفيقي في الغربة التركية قد عاد هو وعائلته الكريمة قبل شهر تقريباً، فقد سألني الكثير من الأصدقاء في حواراتي الخاصة معهم وفي تعليقات كثيرة بمحبة ظاهرة عن زمن عودتنا إلى الوطن!
السبب يا أصدقائي الأعزاء في عدم عودتنا هو لأن بيتنا في الرمادي غير صالح لاستقبالنا حتى الآن، فقد تهدم جزء مهم منه، ولا نستطيع السكن فيه إلا بعد إعماره إعماراً يسد الفتحتين اللتين حدثتا نتيجة القصف الأولى في سطح الطابق الثاني والثانية في سطح المطبخ الموجود في الطابق الأرضي على الأقل، فضلا عن الكثير من الخراب الذي حدث في جزئيات كثيرة منه لا مجال لتوضيحها في هذا المنشور!
فحين عاد صديقي د. سليم إلى الرمادي، ذهب في اليوم الثالث لوصوله مشكورا إلى بيتنا في منطقة التأميم ونقل لنا صوراً تفصيلية عما حدث فيه من خراب، لم نكن نتصوره حين وصلت لنا الصور الأولى قبل عام تقريباً، فقد كانت من خارج البيت ولا توضح الخراب في الداخل!
والآن ماذا سأفعل؟
اتفقت مع د. سليم والصديق المقاول الذي بنى البيت على إعادة إعماره، ولكن المشكلة إن الصديق المقاول أيضاً نازح في أربيل ولا يعود إلا بعد العيد إن شاء الله كما قال، هذا أولا، أما ثانيا فقد أخبرني د. سليم عن لجان في الرمادي تمر على البيوت لتسجيل درجة الدمار الذي حدث فيها من أجل التعويضات، وقد عمل لي صديقي د. سليم ملفاً وقدمه إلى لجنة التعويضات لكي يكشفوا على البيت، ولكن المشكلة إن هذه اللجنة ربما تركب سلحفاة في تنقلها بين البيوت المهدمة، فهي لم تصل بيتنا إلى الآن، مع أني قلت لصديقي د. سليم: بعد العيد إذا لم تصل اللجنة إلى البيت وعاد صديقنا المقاول إلى الرمادي فعليه أن يبدأ بإعمار البيت ولا أريد تعويضاً أو ما شابه ذلك، وهو شاهد على هذا القول.
كذلك لو كان هناك مكان في الرمادي، كأن يكون بيتاً للإيجار أو بيتاً فارغاً نستطيع السكن فيه بشكل مؤقت إلى حين إعمار البيت لعدتُّ والله، ولكن أنتم تعرفون بأن البيوت الصالحة للسكن هناك صارت نادرة، ولا نريد أن نثقل على صديق أو قريب فالناس قد أتعبها كل شيء ولم تعد تتحمل المزيد!
هل وضح أمر سبب عدم عودتنا إلى الرمادي إلى الآن؟ بمجرد أن يكون بيتنا صالحاً في حدّه الأدنى لاستقبالنا سأعود إليه. كيف لا أعود يا أصدقائي ولي هناك بيت وأهل وأصدقاء؟ كيف لا أعود وأنا منذ سنتين ألوبُ مثل طائر في قفص؟ كيف لا أعود وأستاذي الشاعر الكبير سامي مهدي يخاطبني في تعليق على أحد منشوراتي جعل قلبي يرفرف في قفصه: أما آن لهذا الفارسِ أنْ يترجّل؟ كيف لا أعود وصديقي الشاعر علي وجيه ينتظر عودتي لنلتقط صورة هناك في كازينو على فراتٍ ساحر في الرمادي؟ كيف لا أعود وصديقي الشاعر عبد الزهرة زكي يغمرني بين حين وآخر بما لا أستطيع تحمله من ياقوت الكلمات المتوهجة؟
وصديقي الشاعر علاوي كاظم كشيش يرسمني بين عينيه، وصديقي الشاعر أمير ناصر تشيلني محبتُه وتحطّني. وصديقي الشاعر رياض الغريب رفع بيتي هناك.. إلى أعالي الشعر و د. انقاذ العاني. ود. حسين الجبوري والفنان على حمزة وآخرون لا يسع المقال لذكر أسمائهم الطيبة.. هم مثل نجوم في ليل العالم نعم: على قلقٍ كأنَّ الريحَ تحتي.. (تحرّكُني) جنوباً أو شمالا، لهذا سأترجّل.. فليس وجودي هنا في تركيا بطراً ولا حباً في غربة طويلة ! سأترجّل قريباً.. هناك في العراق، في الرمادي، في منطقة التأميم، في بيتنا..
عليه السلام!