د. غيـلان / سيدني
نحن كشعب يضعنا المؤرخون في خانة ضحايا الانقلابات العسكرية ويقف في مقدمة هذه الانقلابات ما حدث في شباط 1963 لاعتبارات تاريخية تصنف 14 تموز في خانة الثورة باعتبارها جاءت لتحقيق أهداف الغالبية من الشعب وهذا التصنيف تدعمه حقائق كثيرة وإن استمر الخلاف المعرفي عليه، وجاء انقلاب 68 والذي وصفه القائمون عليه بالأبيض ربما للكم الذي اختزنوه من سواد سيغلفون به العراق والعراقيين لأربعين عاماً، وفي 2003 حدث انقلاب بصبغة دولية عليها مآخذ كثيرة في القانون الدولي ولم تزل قاعات مخصصة لجلسات الاستماع إلى صناع هذا الحدث وآخرهم توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق والشريك الحيوي للرئيس الأمريكي جورج بوش باتخاذ قرار الحرب الذي أحدث الانقلاب الأخير الذي أطاح بالدكتاتورية وتم منح السلطة فيه لسياسيين بالصدفة تتحكم بهم كل مسميات التخلف من مذهبية وطائفية وقومية مضافاً إلى ذلك جهلهم بعلوم السياسة كفن ذهني رفيع لأدارة الوقائع، وقد تم استبدال الوعود التي قطعتها أمريكا لنا وذلك بتحويل بلادنا إلى نمر آسيوي جديد بتحويلنا إلى وطن استهلاكي بامتياز يتناهبه الفاسدون من مذهبيين وطائفيين وسط هواء ملوث ومدن تحتل حدائقها النفايات.
المهم ما يلفت النظر هنا هو موقفنا من الانقلاب العسكري في تركيا، فأنا شخصياً لم أنم من الفرح، ولم يغادر الحزن ملامحي وأنا أسمع أخبار فشل الانقلاب، لست وحدي بل غالبية العراقيين، فكيف يتحول ضحية الانقلاب إلى نصير له؟
ولا يتردد عن تمني حدوث انقلاب عسكري في بغداد رغم علمنا أن هذا الأمر لم يعد بيد العراقيين بل هو من أمور غرف الدراية عند الصانع الأمهر وأعني الولايات المتحدة الأمريكية.
وكي أجيب على أسئلتي عدت إلى ذلك الحوار النادر بين فيلسوفين دقيقين في اختيار توجهاتهما وهما فيلسوف الحرية جان بول سارتر وسيد البنيوية ميشيل فوكو وكان الحوار بعد ثورة الطلبة التي عمت العالم 1968، يعالج الحوار الأسس المعرفية للتغيير.
يستند سارتر وحتى النفس الأخير إلى قاعدة تاريخية حيث يتطلب التغيير فيها الشرط التاريخي والتجربة، ويصر ميشيل فوكو وفقاً للأنساق على أن عالمنا، اليسار فيه يعاني من جهله المقدس واليمين من وهمه المقدس، اليسار ينتظر تحت المظلات الحتمية التاريخية واليمين يتذئبن لتحقيق وهمه بالسيطرة على العالم، وأمام هذا الإبهام يقترح فكراً جديداً يطرد الجهل والوهم ويؤسس من غير إعلام مرتبط للتغيير.
لننسحب من خارطة هذا الهم العالمي الكبير للفيلسوفين ونقترب من همنا الوطني، هل كنا نفتقر إلى معرفة المتغير الذي قادته أمريكا في بلادنا، أم أن أمر التعامل مع سقوط الدكتاتورية تمت تعبئته بعاطفة سخية باحتفالاتها المؤقتة وثاراتها المتشعبة فأنسانا صخب العواطف الهائجة مراقبة الذي يجري، وكانت النتيجة هو هذا الخراب الذي ازدهرت فيه النفايات والجهل على حساب العقل والمعرفة.
من شدة الإحباط واليأس صرنا نتفاعل مع أي انقلاب عسكري فربما يأتي العسكر بمثله إلى العراق، وأكثر ما يحتاجه العراق ليس الانقلاب العسكري بل المعرفة التي تضخ في عقولنا السؤال وتشذب عاطفتنا حيث لا نسلك سلوك الذي" على حس الطبل خفن يرجليه".