د. غيـلان / سيدني
عمت الفرحة عموم العراق بإدراج الاهوار العراقية ضمن التراث العالمي، وقد تأخر هذا القرار كثيراً رغم جدارة الاهوار العراقية بالحصول عليه وذلك بتوفر الشروط الطبيعية والثقافية فيها، وهي الشروط التي نصت لائحة اليونسكو على توفرها في المعالم المرشحة لنيل الشمول بلائحة التراث العالمي، وقبل أن أتوغل في دلالات مقالي هذا ينبغي علي أن أعرض وبغية الفائدة لمحة عن التراث العالمي وبنود اليونسكو وقوانينها المتعلقة بشمول المعالم التي تستوفي شروط اليونسكو. وسنمر مروراً يتسم بالإيجاز على طبيعة عمل التراث العالمي كالترشيح ومعايير الاختيار بشقيها الثقافي والطبيعي. الترشيح ينبغي للبلد الراغب في ترشيح إحدى آثاره أو ممتلكاته أن يُجري أولاً جرداً لممتلكاته الثقافية والطبيعية الفريدة. وهو ما يُطلق عليه القائمة الارشادية المؤقتة (Tentative List) لمواقع التراث العالمي ويتم وضع الموقع المرشح في ملف مع المسندات، ويتم رفعه إلى المجلس الدولي للمعالم والمواقع، ومنظمة اليونسكو تقدم خدماتها لاستكمال عملية التقديم.
عند هذه النقطة، يتم تقييم الملف من قبل المجلس الدولي للمعالم والمواقع، ويرفع الملف الى لجنة التراث العالمي التي تجتمع مرة واحدة سنوياً لتحديد إمكانية تسجيل الممتلكات المرشحة على قائمة التراث العالمي، وأحيانا ما يؤجل هذا القرار لطلب المزيد من المعلومات من البلد الذي رشح الموقع.
وهناك عشرة معايير للاختيار - ويجب على الموقع المرشح أن يستوفي واحدا منها على الأقل لإدراجه على القائمة معايير الاختيار.
حتى نهاية عام 2004، كانت هناك ستة معايير للتراث الثقافي وأربعة معايير للتراث الطبيعي.
في عام 2005، تم تعديل تلك المعايير لتصبح مجموعة واحدة من عشرة معايير.
المواقع المرشحة يجب أن تكون ذات "قيمة عالمية استثنائية" وتستوفى على الأقل واحداً من تلك المعايير العشرة.
المعايير الثقافية
- أولاً : تمثل تحفة عبقرية خلاقة من صُنع الإنسان.
- ثانياً : تمثل إحدى القيم الإنسانية الهامة والمشتركة، لفترة من الزمن أو في المجال الثقافي للعالم، سواء في تطور الهندسة المعمارية التقنية، أو الفنون الأثرية، أو تخطيط المدن، أو تصميم المناظر الطبيعية.
- ثالثاً: تمثل شهادة فريدة من نوعها أو على الأقل استثنائية لتقليد ثقافي لحضارة قائمة أو مندثرة.
- رابعاً: أن تكون مثالاً بارزاً على نوعية من البناء، أو المعمار أو مثال تقني أو مخطط يوضح مرحلة هامة في تاريخ البشرية.
- خامساً : أن يكون مثالا رائعاً لممارسات الإنسان التقليدية، في استخدام الأراضي، أو مياه البحر بما يمثل ثقافة (أو ثقافات)، أو تفاعل إنساني مع البيئة وخصوصا عندما تُصبح عُرضة لتأثيرات لا رجعة فيها.
- سادساً: أن تكون مرتبطة بشكل مباشرة أو ملموس بالأحداث أو التقاليد المعيشية، أو الأفكار، أو المعتقدات، أو الأعمال الفنية والأدبية ذات الأهمية العالمية الفائقة. (وترى اللجنة أن هذا المعيار يُفضل أن يكون استخدامه بالتزامن مع معايير أخرى.).
المعايير الطبيعية
- سابعاً: أن تحتوى ظاهر طبيعية فائقة أو مناطق ذات جمال طبيعي استثنائي".
- ثامناً: أن تكون الأمثلة البارزة التي تمثل المراحل الرئيسية من تاريخ الأرض، بما في ذلك سجل الحياة، وكبير على ما يجري العمليات الجيولوجية في تطوير تضاريسه، أو ملامح شكل الأرض أو فيزيوغرافية كبيرة".
- تاسعاً: أن تكون الأمثلة البارزة التي تمثل كبيرة على الذهاب البيئية والبيولوجية في عمليات التطور والتنمية من الأرضية، والمياه العذبة الساحلية والبحرية النظم الإيكولوجية والمجتمعات المحلية من النباتات والحيوانات".
- عاشراً: أن تحتوي على أهم وأكبر الموائل الطبيعية لحفظ التنوع البيولوجي بالموقع، بما في ذلك تلك التي تحتوي على الأنواع المهددة بالانقراض وذات قيمة عالمية فريدة من وجهة نظر العلم أو حماية البيئة.
يلاحظ القارئ العارف بالأهوار العراقية والذي اطلع معنا على البنود أعلاه بأنها من العاشر إلى الأول تنطبق على الاهوار العراقي، فهذه الأهوار هي موطن الأسئلة الإنسانية الأولى من أسرار الخليقة إلى تفاصيل ملحمة كلكامش التي أشرت الانتقال الإنساني من الوحشية إلى الواقعيات الجديدة، والاهوار تضم في أعماقها تلك الكنوز التي كشفت والتي لم تكشف بعد وسكان الأهوار يطلقون عليها تسمية خاصة (الأيشان) وهذه الأيشانات متوفرة من هور الحويزة إلى الحمار والجبايش ومؤشر عليها، وسكان الاهوار ولهجاتهم وتقاليدهم وبيوت القصب التي يسكنون كلها تمثل ذلك الامتداد الوثيق مع تلك الحضارات وغير ذلك من التفاصيل التي تتعلق بالشق الثقافي من المعايير.
أما الشق الطبيعي فلا يوجد ما يضاهي الأهوار في قدمها الطبيعي ولا يمكن إغفال حفاظها على التوازن البيئي، ولا بد أن نذكر تعدد وندرة طيورها كوطن أصيل وكوطن مؤقت للطيور المهاجرة، وسأختم هذا الجزء من المقال بسؤال.. لماذا إذاً تأخر كل هذا الوقت إدراج الاهوار العراقية في لائحة التراث العالمي؟
وللبحث في هذا السؤال سنمر بتفصيلات نعتقد إنها ذات علاقة بالسؤال.
اللجان الأمريكية
تشكلت هذه اللجان وفقاً لرؤية الاستراتيجيين الأميركيين حول مستقبل العراق وتم اختيار الأعضاء فيها وفقاً لمعايير مختلفة لانعرف بتفاصيلها، لكنها أي اللجان تمت بلورة توجهاتها قبل سقوط النظام الدكتاتوري بسنتين أو أكثر، وتضمنت اهتماماتها الثقافية من مسرح وسينما وتلفزيون وغيرها كما تضمنت في جانبها العلمي الهندسة والبناء وكان للأهوار حصة فيها، وتحولت هذه اللجان التي كان يقودها جون غارنر، تحولت حين باشر برايمر بتنفيذ مهماته كحاكم للعراق تحولت إلى ما يشبه المكون في عملية سياسية اعتمدت المحاصصة مبدأً لها، فلهذه اللجان حصة في تقاسم مراكز الحكم الذي خطط له برايمر، فمن حكومة علاوي إلى العبادي أعضاء هذه اللجان ممن استمروا مع الأمريكيين تجدهم إما وزير أو وكيل وزارة أو سفير، مثلهم مثل المكون السني أو الكردي وأكثر طبعاً من التركماني والكلدو آشوري، وكان الدكتور حسن الجنابي عضواً في هذه اللجان ومتخصص بالاهوار، حيث عمل قبل سقوط النظام على هذا الملف وتم تعيينه في أول حكومة برئاسة علاوي وكيلاً لوزارة الموارد المائية التي كانت من حصة الاتحاد الوطني، وباختصار فشلت هذه الوزارة وزيراً ووكيلاً بأجراء أو اتخاذ اي خطوة من شأنها تطوير الموارد المائية بما فيها مياه الاهوار، لكنها نجحت كبقية الوزارات في الكذب والفساد، وتم نقل الدكتور حسن الجنابي من اختصاصه في المياه إلى العمل الدبلوماسي وهنا مصيبة، فكيف للجنابي قبول مثل هكذا انتقال من تخصصه العلمي إلى العمل الدبلوماسي؟
والذي إستمر عليه حتى كان آخر مرة سفيراً للعراق في اليابان؟
(بالمناسبة حسن الجنابي صديقي وتربطنا علاقة وثيقة لكن الصداقة تقود كما يقولون لحب الوطن وموضوع الاهوار من المواضيع الوطنية، وحسن الجنابي كان شيوعياً قبل أن يكتشف "أن الشيوعية فقر واجهاد"، وقد أكمل الدكتوراه في بولونيا على نفقة الحزب الشيوعي العراقي). وهو اليوم وكعضو في اللجان الأمريكية وزيراً للزراعة والموارد المائية، فهل يمكننا الوثوق بأمريكا ولجانها بعد كل هذا الخراب؟
والسؤال شديد الصلة بالأهوار ماذا تريد أمريكا من الاهوار العراقية وقد أوصلت واحداً من أعضاء لجانها إلى المفتاح؟؟
خلاصة
مما تقدم تبين لنا ان عملية إدراج الاهوار ضمن لائحة التراث العالمي لا تحتاج إلى مفاوض تحتاج إلى وصول الملف إلى اللجنة المتخصصة بمطابقة المعايير وبينا توفر هذه المعايير في اهوارنا فمن منع وصول الملف كل هذه السنوات؟
يحق لنا أن نفرح ولكن علينا عامة العراقيين وسكان الاهوار تحديداً تشكيل لجان وطنية لمراقبة الذي سيحصل في اهوارنا ففيها تنام كنوز العراق الحضاري القديم عداك عن النفط الوفير وثروات أخرى..
وللموضوع صلة!