حيدر جاسم/ العراق
لم يكن ليفت الاب الروحي للثورة الهندية المهاتما غاندي، وهو يصف ما يدمر الانسان من وجهة نظر انسان حكيم خاض أمرَّ التجارب واقساها في صنع الانسان الهندي الحر، اذا لم يكن وصفه تعميما عالميا شاملا، حيث قال:
((يوجد سبعة اشياء تدمر الانسان، السياسة بلا مبادئ، المتعة بلا ضمير، الثروة بلا عمل، المعرفة بلا قيم، التجارة بلا اخلاق، العلم بلا انسانية، العبادة بلا تضحية)).. بلا شك كان هذا تشخيصا دقيقاً لما تمر به الشعوب المظلومة تحت وطأة قيادات النزوة والمصالح، ومصادري الحريات، والمفسدين في الارض.
لكني اتدارك مقولته الشهيرة بان هناك نقطة مهمة، لا اظن ان الرجل غافل عنها، اذا ما بررتها بانها سقطت سهوا، فسرني الحاقها: (الحرية بلا احرار).
ان مشكلتنا الاكبر عندما نتعامل مع الحرية على انها مولود لقيط، فنجرم به ونقتص منه، لا لسبب معين بقدر ما نفتقد نحن مقومات التعاطف مع الاخرين، هو ذا تعاملنا مع الحرية، الوليد غير الشرعي الذي اسكنته امريكا في ربوع امة اعتادت على حياة ممنهجة على القهر والاستلاب، مكبلة في وهم الماضي وحلم المستقبل.
امة لم تبرح قادتها بروجها العاجية، لترى اكواخ الفقراء المصابة بطاعون العوز والحرمان..
القادة الذين بلغوا مرافئ السلامة لألف عام أو أكثر، بينما بقيت الجماهير تنشد العافية.
ان ما قامت به امريكا في العراق من بسط الحريات كان لأجلها، قبل ان يكون لمصلحة الشعب العراقي، لانها طرحت نظام الحرية المفرطة والتي لا تخلو من امراض وبائية لتغليب الفوضى في بناء الدولة الحديثة غير المتماسكة، وهي اشبه ما تكون بديمقراطية الفوضى.
خاصة عندما اوعزت لصناع القرار من اعداد دستور لا يحمي المواطن بمقدار ما يحمي الساسة ويخولهم السلطة المطلقة، وهذه واحدة من اشد البلاء على المواطن الكادح، الذي ضاع بين اماني مسربة ورغبات مهربة، لا يملك ان ينال ابسطها مهما كان كدحه وكده.
ولم تقف امريكا لهذا الحد وحسب، بل انها قوضت كل مقاعد المعارضة بمنحها زمام المبادرة والشراكة الحصصية في حكومة شكلية، انتخبت على اؤسس طائفية وحزبية واثنية، بعيدا عن العقلائية كالكفاءة والخبرة؛ فكانت الديمقراطية مستوردة ككل السلع الصينية التي لم تخضع للسيطرة النوعية.
فكان للأحزاب والمليشيات حق السطوة والسطو، وللطائفة نعيب ونعيق، وللعشائر الاسلحة للثأر دائم من الكل تحت مسميات الدم، في حين أن الكل يدرك ان "وسط الاسلحة تصمت القوانين".
ويبقى للسياسي حق المناورة، كأن يملك اكثر من جنسية، ويكون جنسياً على ابن جلدته، وينتمي الى فصائل مسلحة داخلية كانت او خارجية بكل العناوين وتحت كل المسميات، وما ان يثبت ادانته بالجرم المشهود، تكون الحكومة قد سهلت كل اوامر الترحيل لأحضان الديمقراطية المنفتحة، بطائرة خاصة مشفوعة بالتحايا والامتنان. الحرية التي ينشدها الامريكان وتجدها في كل ادبياتهم هي خلاف ما حصدناه، فهم القائلون:
((تنتهي حريتك عندما تمس يدك الممدوة انف رجل اخر)). واضافوا: ((لا احد يحب قيوده ولو كانت من ذهب)).
لكننا بلونا برزء عظيم وخطب جلل، بما تسمى (الحرية المتبادلة) وهي أن نمنحك العيش كمواطن حر، شريطة ان نبقى اسيادك مدى العمر، ونقرر لك المصير.. لا تسألنا عن حقك وحقوقك.. ماذا تريد بيتاً.؟ نحن وهبناك حق الحواسم، فخذ ما اتسع له صدرك.
تريد عملا.؟
افتح بسطة في كل مكان، المهم ان لا تتجاوز على ملكية حزب ما، اما بالنسبة للبلدية والرقابة كلها افلام هندية. تريد عملاً في الدولة.؟
كن حزبيا.. أو قدم رشوة.. زوّر شهادة، فنادرا ما نبحث في اصول الشهادات.
لم توفق في رأس المال، عليك بابيك خذ منه على امل التعويض.. او اسرق امك ان لزم الامر، فالام دائما ما تكون غفورة، وغررها بالمنافع.. لا تنس صداق اختك تقاسمه معها، فهي اهم ما يهمها ان لا تعترض زواجها، ليس مهتمة بالخراخيش.
اما اذا وجدت في ذلك صعوبة.
امامك ان تتبرع بأعضائك.. او هاجر.. وان قست معك الظروف فافسرق؛ فبفضل الديمقراطية وجمالها، يغرم السارق ويطلق سراحه، بتصفيق.!
وبما اننا كحكومة لا ننصحك ان تكون ارهابيا.. لكن ان شئت ذلك، فستحكم بالمادة(4) ارهاب وتعيش ببحبوحة تكون بها منعما مكرماً، يحسدك البعيد والقريب عليها؛ لحين مصادقة السيد رئيس الجمهورية على الاحكام، وبما ان الرئيس رجل حريص على شعبه متمسك بوطنيته، فهو يأنف من اراقة الدماء، ولو كانت لأجل الدماء. فانت اذاً في حل من ذلك فلا ينقصك سوى محام فذ..
والعادة انك لست بحاجة الى محام بارع بقدر ما انت بحاجة الى محام يعرف القاضي؛ فينهي المشكلة بجرة قلم.
وترجع سالما غانما مدعوما بتأييد كبير وحظوة واسعة، لا تقل تسميتها عن صفقة العمر؛ فهل ثمة حقوق افضل مما انت عليه. المهم ان يدنا الطولى لم تزكم انوفكم، بل تطول جيوب الدولة كتحسين معيشة؛ فانتم لم ترضوا ان يكون مسؤولكم قليل الحيلة.
والقيود الذهبية التي تحدث عنها ابراهام لنكولن قالها للمزحة فمن منا لا يرض بالذهب وهي افضل المصوغات التي تحررك من الفقر.!
المهم ان واجبنا كرعاة للحرية، ان نوفر لك كل وسائل الموت بكل انواعه وبالمجان، وما عليك الا ان تتكفل بمراسيم الفاتحة.!!