ترجمة رعد زامل/ بغداد
واحد من اهم القصاصين والروائيين المكسيكيين كما انه مصور فوتوغرافي. جاءت شهرته لكتابين، الاول هو مجموعته القصصية (السهل المحترق وقصص اخرى) سنة 1953 والكتاب الثاني هو روايته باراماو سنة1959) لم ينتج رواية بعدها وقد تم وضع صوره في ارشيف خاص وهي ستة الاف صورة فوتوغرافية. يعتبر احد اهم كتاب القرن العشرين الذين لهم تأثير على كتاب امريكا اللاتينية مثل ماركيز الذي قال عنه " بعد اصدار كتبي الاربعة الاولى شعرت بنضوبي حتى قرأت رواية جوان رولفو فشحذت همتي لكتابة مائة عام من العزلة". تشير معظم قصصه الى الصعوبات الواقعية على هذه الارض التي لا مكان لنا غيرها نعيش فيه وقسوة العالم.
هذه القصة يرويها طفل واهن العقل انها تشبه الفصل الاول لرواية وليم فوكنر الصخب والعنف.
ماكاريــو
جالس انا قرب بالوعة المجاري بانتظار خروج الضفادع. بينما كنا نتناول العشاء في الليلة الماضية بدأت الضفادع بضجة عظيمة ولم تكف عن الغناء حتى الفجر لذا تقول العرّابة ان نقيق الضفادع يطرد عنها النوم والان في الحقيقة تريد ان تنام فقد أمرتني بالجلوس هنا. قرب البالوعة وفي يدي لوحة لأسحق بها كل ضفدعة ربما تقفز علي.
الضفادع خضراء كلها سوى البطن منها.
ذكورها سوداء. عينا العرابة ايضا سوداوان.
الضفادع اكلة جيدة. الذكور ليست كذلك.
فالناس لا تأكل ذكور الضفادع. الناس لا تفعل ذلك. لكنني افعله. فالذكور منها ايضا بطعم الضفادع.
فيليبا هي من تقول ان أكل ذكور الضفادع أمر سيء. ان فيليبا لها عينان خضراوان كعيني القط.
هي تطعمني في المطبخ متى ما اردت الطعام. هي لا تريدني ان أوذي الضفادع ولكن العرابة هي من لها ان تأمرني فقط.
أعشق فيليبا اكثر من العرّابة. ولكن العرّابة هي من تخرج النقود من محفظتها حتى تشتري فيليبا كل الاطعام. وفيليبا وحيدة تظل في المطبخ تعد لنا الطعام، نحن الثلاثة. هكذا هو حالها منذ ان عرفتها. هذا ما عليها فعله. اما غسل الصحون فعلي وكذلك حمل الحطب للموقد اما العرّابة فهي من تصف الصحون لإطعامنا. بعدما تأكل تعد كومتين صغيرتين واحدة لفيليبا وواحدة لي لذلك احب فيلبيا لأنني دائما على جوع ولا اشبع حتى عندما أأكل طعامها.
انهم يقولون ان الفرد يمكنه ان يشبع بالأكل ولكني اعرف تماما اني لا اشبع حتى لو اكلت كل ما يُقدم لي. فليبيا تعرف ذلك جيدا. انهم يقولون في الشارع انني مجنون لك لأنني لا أكفّ عن الجوع. العرّابة سمعتهم يقولون ذلك. اما انا فلا. العرّابة لا تدعني اخرج للشارع لوحدي.
وعندما اخرج معها فإنما للكنيسة لسماع ماس. هناك تجلسني بجوارها وتربط يدي بحاشية شالها. لا اعلم لمَ تربط يديَّ هكذا ولكنها تقول لانهم يقولون انني اقوم بأعمال مجنونة.
أحد الايام وجدوني اشنق شخصا ما، كنت اشنق سيدة لا لشيء سوى لأفعلها فحسب. لا اتذكر. ولكن العرّابة بعدها هي من تقول ما افعل وهي لا تكف عن الكذب.
عندما تناديني للأكل فانما لتعطيني حصتي من الطعام هي ليست كالأخرين حينما يدعوني للأكل معهم وعندما اقترب يرمونني بالحجارة فاهرب دون تناول طعام ما. كلا العرّابة طيبة معي لهذا انا مقتنع في بيتها كما ان فيليبا تعيش فيه ايضا فليبيا طيبة جدا معي لذا اعشقها.
ان حليب فيليبا حلو كأزهار الخبيز.
لقد شربت حليب الماعز وحليب الخنزيرة ذات الصغار الذين وضعتهم مؤخرا. كلا، انه ليس حلوا كحليب فيليبا.
لقد مضى وقت طويل منذ ان دعتني اعالج نهديها التين تملكهما فوق اضلاعها ومنهما حيث يخرج، لو عرفت كيف الحصول عليه، حليب افضل من ذلك الذي تعطيناه العرّابة عند وجبة الغداء ايام الأحد.
اعتادت فيليبا ان تأتي كل ليلة الى غرفتي حيث انام وتلتصق بي طلبا للدفء وتنحني على جانب مني ثم تثبت نهديها لي كي امتص منهما الحليب الحار الحلو الذي ينساب كجداول على لساني. اكلت ازهار الخبيز لمرات عديدة في محاولة لنسيان جوعي.
لحليب فيليبا طعم ازهار الخبيز تلك لكنني أحبه اكثر لسبب مفاده ان فيليبا تدغدغني عندما ابادر نهديها. وتقريبا تبقى معي على الدوام ننام حتى الفجر.
كان هذا شيئا جيدا لي لأني لا اقلق بسبب البرد ولا أخاف ان اكون ملعونا حد الجحيم ان مت هنا وحيدا في ليلة ما. احيانا أخشى الجحيم. واحيانا لا أخشاه. واحيانا أفزع نفسي بالذهاب الى الجحيم يوما ما.
لان راسي صلب وأود لو افجره ضد أول شيء اصادفه. ولكن تأتي فيليبا وتبدد مخاوفي فهي تعرف كيف تدغدغني بيديها وتبدد مخاوفي من الموت – ولو قليلا حيث اتناسى الامر – فليبيا تقول انها عندما تشعر بحب الاقتراب مني فأنها ستخبر الرب بكل ذنوبها ستذهب الى السماء وتحدثه وتطلب منه العفو عن كل الشر الذي يملأ جسدها من هامتها الى القدم. ستطلب العفو من الرب عني فلا قلق علي.
ولهذا فهي تذهب الى الاعتراف كل يوم ، ليس لأنها سيئة ولكن لأنني مليء بالشياطين. وانه عليها ان تطردهم من جسدي بالاعتراف عني. عن كل يوم. وكل ظهيرة في كل يوم. ستعمل هي ذلك المعروف لي طوال حياتها. هذا ما تقوله فيليبا. لذا انا احبها جدا. ان تحمل رأسا صلبا هو الشيء الأهم.
ضربته بأعمدة ساعات الرواق حتى النهاية دون ان يحدث له شيء. انه يضرب ولا يتصدع، ضربته على الارضية اولا ببطء ثم بشدة كما لو انه طبل.
الطبل الذي يمضي مع العود الخشبي عندما اسمعهما من نافذة الكنيسة وانا مشدود الى العرّابة واسمع دويا في الخارج، دوي الطبل.
وتقول العرابة ما وجود البعوض والصراصير والعقارب في غرفتي الا لأني سأحرق في الجحيم اذا ما بقيت على عملي هذا، ضرب الراس على الارضية. غير أن ما أحب سماعه هو الطبل. فهي يجب ان تعرف ذلك. حتى عندما أكون في الكنيسة بانتظار الخروج الى الشارع حالا لأرى الطبل وهو يُسمع من بعيد. وعميقا داخل الكنيسة وفوق لعنة القس. "طريق الصالحات مملوء بالضياء والسيئات بالظلام" هذا ما يقوله القس استيقظت وخرجت من غرفتي والظلام لا زال هناك كنست الشارع وعدت الى غرفتي قبل ان يطعنني ضوء النهار. في الشارع اشياء تحدث. ناس كثيرون ينهالون عليَّ بالضرب وعلى رأسي بالحجارة حالما يشاهدونني. حجارة حادة تمطرني من كل جانب.
وعلى قميصي ان يعاد اصلاحه وعليَّ الانتظار لأيام لكي تشفى الجراح والندوب على وجهي وركبتي. وأمضي بيدين مربوطتين مرة اخرى فإنني لو لم افعل فانهم سيسرعون بخدش الندوب وسيظهر مجرى الدم من جديد. للدم نكهة جيدة ايضا رغم انه ليس بنكهة حليب فيليبا. لذا انا دائما اغلق باب بيتي عليَّ حتى لا يرمونني بالحجارة .
حالما يطعمونني اقفل الغرفة على نفسي واضعا القضبان خلف الباب حتى لا تجدني آثامي في الخارج. لأنها مظلمة. حتى اني لا اشغل المصباح لأرى من اين تتسلق الصراصير على جسدي.
الان هادئ انا. الى السرير أذهب بأكياسي وحالما أشعر بصرصار يسير على رقبتي بأرجله التي تخدش اصفعه بيدي وأهرسه ولكنني لا اوقد مصباحا. فسوف لن ادع آثامي تمسكني محترسا بمصباح يوقد من أجل الصراصير تحت بطانيتي. الصراصير تتطاير كالألعاب النارية عندما تُهرس. لا أعرف اذا ما كانت الصراصير تفرقع. فانا ابدا لم اقتل صرصارا.
فيليبا تقول ان الصراصير دائما تطلق ضوضاء بحيث انها لا تدعك تسمع اصوات الأرواح في عالم البرزخ. فاليوم الذي يخلو من الصراصير ستملأه صرخات الأرواح المقدسة وسنهرع كلنا فزعين فاقدين الصواب.
اضافة الى اني أتوق جدا الى الإنصات الى ضوضاء الصراصير. هناك الكثير منها في غرفتي. ربما أكثر من الصراصير التي في طيات أكياسي التي عليها انام. هناك عقارب حتى.
كل مرة تساقط من السقف وعليَّ ان اقطع أنفاسي ولا أرتعش حتى تعبر العقارب عبر جسدي الى الأرضية. لأنه اذا ما تحرك ذراعي او عظم منه فان وخز الإبرة سيحرق جسدي كله. هذا يؤذيني.
مرة وخزت فيلبيا في ظهرها، فشرعت تئن وتطلق صرخات صغيرة رقيقة الى العذراء المقدسة طلبت فيها ان لا يدمر ظهرها. فرحت أحك ظهرها بالبصاق طوال الليل كله مرددا معها الصلوات وبعد برهة علمت ان البصاق لا جدوى منه.
كذلك ساعدتها في الصراخ وعيوني كانت عليها. على اية حال، الافضل هنا في غرفتي لا في الشارع حيث شد انتباه من يحبون رمي الحجارة على الناس. هنا ليس بوسع احد ان يعمل شيئا لي. العرابة لا توبخني عندما تراني أأكل أزهار الخبيز او أزهار الآس او الرمان.
فهي على علم بجوعي المستديم وتعرف ان رمقي لا يُسد بوجبة حتى لو شرعت التقط كل الأشياء هنا وهناك طوال الوقت . تعلم باني أبتلع فضلات الطعام التي أعطيتها للخنازير السمان وفضلات الذرة الجافة التي أعطيها للخنازير الضعيفة.
انها تدري مقدار جوعي وأنا أدور من ساعة نهوضي الى خلودي الى الفراش ليلا. فطالما أجد شيئا يؤكل هنا في هذا المنزل فسوف أظل فيه. أعتقد انني يوم أكف عن الاكل فاني سأموت وسأمضي قدما الى الجحيم. ولن يخرجني أحد منه ولا حتى فيليبا التي هي طيبة معي تستطيع. ولا حتى التميمة التي منحتها العرّابة لي وجعلتني أقسم بحملها حول رقبتي، والآن قرب البالوعة انا جالس بانتظار خروج الضفادع، ولا ضفدعة منها قد خرج منذ أن جلست هنا اتحدث، ربما سوف يستغرق امر خروجها طويلا وعليَّ ان أذهب للنوم ولن تكون هناك طريقة لقتل الضفادع. والعرّابة لن تكون قادرة على النوم أبدا. لو سمعت غناء الضفادع فسوف تغضب. وستطلب من صف القديسين في غرفتها ان يرسلوا الشياطين ورائي. وان أصاب باللعنة الأبدية تماما الآن دون ان أعبر البرزخ حتى، ثم لن يكون بوسعي ان أرى أبي أو أمي وذلك لانهما هناك.
لذا من الأفضل ان أواصل التحدث وما أود عمله هو أخذ جرعات من حليب فيليبا، ذلك الحليب الحلو كالعسل الذي يأتي من تحت أزهار الخبيز .