رحلة نضال لا تخصه بالذات وانما تخص الشعب العراقي كله
حاوره علاء الماجد/ بغداد
بعد الاحتفاء بالشاعر والكاتب والمناضل ألفريد سمعان الأمين العام السابق للاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق بمناسبة صدور ديوانه الشعري (لائحة اتهام) وكتاب ( مع المسيرة الثورية.. الخطوات الاولى).
راودتني فكرة اجراء حوار مع هذا الرجل الذي يحمل تاريخا مشرفا، إضافة الى كونه شاعرا كبيرا، والفريد سمعان، ولد عام 1928 ، حاصل على ليسانس حقوق ودبلوم عالي تخطيط معهد الامم المتحدة، ومارس العمل الصحفي منذ عام 1952 في مجالي الادب والقصة والرياضة والاعلام بشكل عام.
شارك في العديد من المؤتمرات الادبية والنشاطات الفنية والاجتماعية في عواصم متعددة في دمشق وبغداد وليبيا وبيروت وغيرها، صدرت له العديد من الدواوين الشعرية، (في طريق الحياة) عام 52 (كلمات مضيئة) عام 60 (طوفان) عام 62 (اغنيات للمعركة) عام 68 (عندما ترحل النجوم) عام 71 (الرطبان) عام 96 (مراحل في دروب الالام) عام 74 وله مسرحية شعرية ودراسات متعددة منها دراسة اقتصادية عن صناعة السكر في العراق، كتبت عنه الكثير من المقالات والدراسات وابرز من كتبوا عنه، الناقد الكبير الراحل جواد الطاهر. معنا في هذا الحوار الشاعر الكبير الفريد سمعان:
مسيرة حافلة
- ما هي الخطوات الاولى في المسيرة الثورية؟
- هي رحلة نضال كما قلت لا تخصني بالذات وانما تخص الشعب العراقي كله وتخص مجموعه من المناضلين الاشداء الذين ساهموا في هذه الرحلة.. ان لكل مناضل في هذا الوطن قصة ولكل منهم خطوات اولى واكثر من ذلك لهم مواقف وبطولات لم يسمح لهم الزمن والظروف وربما الاستشهاد بان تروى بالمجالس وتكون مثل عليا تشيد بالمواقف الشجاعة والجريئة والتحديات التي برزت خلال مسيرتهم ومساهمتهم في بناء هذه المسلة الرائعة والمشهد المتوهج والفكر المتألق في مسيرة الوطن مع كل الاحزاب الوطنية وانا اقر واعترف بان هنالك ابطال حقيقيين وهنالك ابطال قاموا بأعمال مجيدة من اجل الشعب العراقي وهذه السيرة هي صورة لفرد من الافراد، ولكل منا قصة في هذا الميدان، انا بدأت المسيرة عام 1946 وقتها جاء وزير للداخلية اسمه صالح جبر، هذا الرجل اجاز الاحزاب لأول مرة بزمن نوري سعيد لتعمل علنا فكان حزب الشعب بقيادة عزيز شريف وحزب الاتحاد الوطني بقيادة عبد الفتاح ابراهيم والجواهري وحزب الاستقلال بقيادة محمد مهدي كبه وحزب الوطن الديمقراطي بقيادة كامل الجادرجي.
وكان هنالك حزب التحرر الوطني ايضا قدم طلب لإجازته الرفيق الكبير المناضل الشهيد محمد حسين الشبيبي ومحمد حسين ابو العيس فلم يعطى اجازة، قالوا هذا الوجه العلني للحزب الشيوعي العراقي، والحزب الشيوعي العراقي وكل اليسار كان محكوم بمادة (89) في قانون العقوبات.
اتحاد الطلبة او رابطة المرأة كلهم اعتبروهم على الحزب الشيوعي ولذلك امتدت المادة وانتشرت وشملت عدد كبير من الناس، انا اتذكر عندما اتينا من البصرة الى بغداد وكنا متأثرين بالجواهري وبدر شاكر السياب، بدا نشاطنا وبدائنا بالحقيقة بعد 48 عندما اعلن عن معاهدة بورتسموث، سعد صالح ابن صالح جبر كان معي طالبا في الابتدائية في البصرة في الصف السادس في مدرسة فيصل الثاني فكنا في رحلة واحدة صالح جبر كان متصرف آنذاك أي محافظ، بعد ان رحل الى انكلترا عقد معاهدة استبدال لمعاهدة 36 بمعاهدة جديدة فثار الشعب العراقي وكانت الوثبة المعروفة وثبة كانون الثاني سنة 48 انا كنت طالب في كلية الحقوق.
كانت هذه الأجواء جيدة للعمل والمظاهرات وحماس الطلبة وحيويتهم فكنت واحد منهم كنا نذهب الى كلية الحقوق ودار المعلمين وكان هنالك كثير من الاخوان والرفاق الذين كانوا يشتركون بالمظاهرات، بعدها قاموا بحملة على النشطاء وكنت واحد منهم فسجنت وفصلت من الكلية لمدة عشر سنوات وسجنت سنة ونصف وسنة مراقبة الى ان قامت ثورة 14 تموز رجعت للكلية واكملت كلية الحقوق.
وفي عام 52 وفي انتفاضة تشرين، ايضا ساهمت فيها وحكمت لمدة سنة سجن او كفالة 200 دينار. والتحقت بدورة ضابط احتياط حتى انقلاب 63 وايضا صدر علي حكم بالسجن لمدة عشر سنوات ثم تم تعديل الاحكام لتصبح خمس سنوات، كان سجن نكرة السلمان يضم اكثر من 2000 شخص كانت جميعها وجوه جميلة رائعة وانسانية.
الشعر والسياسة
- كيف كانت بداياتك مع الشعر، هل هي مع بدايات وعيك السياسي؟
- انا لا ادري من اين ابدأ الحديث، ولكن لابد ان اتحدث عن السيرة الشخصية فانا واحد من العراقيين الذين قاموا بأعمال مجيدة بالنسبة للشعب العراقي، انا فرد من مئات الالوف من الذين كانوا حريصين على سعادة هذا الشعب والوطن ولكن يبدو ان الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، فقد عانى الكثير من العراقيين وقاتلوا من اجل سعادة عراقهم لكنهم لم يصلوا الى ذلك وازدادت عليهم الالام، ومع الاسف بدلا من الانفراج بدلا من ان يحققوا بعض الامنيات التي كانوا يشتهونها ويتمنونها الان لم تتحقق، انا لا اريد ان اتحدث عن نفسي لكني اقول، انا سعيد بكوني قدمت ما استطيع من خدمة لهذا الشعب سواء في القصائد او الكتابات او اي شيء من هذا القبيل.
وكانت بدايتي قديمة يعني منذ الاربعينات أيام الحرب العالمية الثانية، وكانت طبعا مليئة بالمتاعب ولا اريد ان اتحدث عنها كثيرا لأني اعتقد ان الابطال الحقيقيين هم الذين رحلوا ولم تعرف اسمائهم حتى الان، هؤلاء هم الابطال الحقيقيون نحن ما زلنا نتنفس ما زلنا نقول الكلمة وما زلنا نساهم مع شعبنا من اجل وطن نتمناه للجميع حرا وسعيدا ومباركا الحقيقة انا محرج ان اقول عن نفسي اكثر من ذلك.
في الحقيقة انا عشت في مختلف انحاء العراق بسبب وظيفة والدي حيث كان يعمل ضابطا وكان في ذلك الوقت في ثلاثينات القرن الماضي يتقن اللغة الالمانية واللغة الانكليزية بالإضافة الى العربية، طبعا هذه المعرفة جعلت من السلطة ان تضعه اينما يوجد الاجانب اي في مراكز الحدود فنحن عشنا في الرمادي وخانقين وعلى طريق كركوك قطار الشرق السريع وفي البصرة وفي مطار بغداد ايضا بسبب معرفة ابي لهذه اللغات، ثم انتقلنا من الموصل الى البصرة وكنت في الصف السادس الابتدائي في مدرسة فيصل الثاني الابتدائية سنة (1941) حيث قامت حركة رشيد عالي الكيلاني وامتحنت البكلوريا وكانت المفاجأة حصلت بالرياضيات على درجة 100 وفي هذا الوقت الغوا درس اللغة الإنكليزية على اعتبار انهم اعدائنا وهذا طبعا خطأ كبير لأنه المفروض ان تفهم لغة عدوك لكي تعرف أن ترد عليه.
المهم نجحنا ودخلنا ثانوية البصرة، وفي الثانوية جاءنا استاذ من الحلة اسمه يوسف صالح الله يرحمه وهو مدرس تاريخ وعند دخوله الصف لم يتكلم عن مادة التاريخ بل القى علينا محاضرة كيف يكتسب الانسان شخصيته وكيف يثقف نفسه وختم محاضرته بإعطائنا اسماء مجموعة من الكتب على رأسها القران الكريم وكتب لطه حسين والعقاد والمنفلوطي اي الاسماء التي كانت في الساحة الادبية، فانا اصابني الحماس جدا فأول دخولي للبيت طلبت من ابي مبلغ من المال وذهبت لشراء الكتاب الاول وهو قصة سارة لعباس محمود العقاد وبدأت اهتم بمكتبتي واخذت كم كتاب من والدي وكتاب المطالعة خاصتي وقصة سارة حتى اقنع نفسي اني بدأت بأنشاء مكتبة، وكانت فكرة ناجحة فعلا وبعدها عملت على مراسلة دار المعارف المصرية الذي كان يديره طه حسين، كان عندهم كتاب فيه اسماء جميع الكتب التي كانت موجودة في المكتبة مع اسعارها طبعا ففي الحرب العالمية الثانية كنت ارسل لهم حوالة بريدية ورسالة باسماء الكتب التي اريدها ويتم ارسالها لي بعد اسبوعين فهذا شجعني على الكتابة ومن ثم اشتركت في اكثر من مجلة ومن جملتها المصور والكواكب واخبار اليوم فكانت هذه البداية واحسست برغبة للكتابة، وكنت احب الافلام الهندية والافلام العربية واذهب لمشاهدتها في السينما وكنت مبهور بالرقص الهندي ومازلت، ومن ثم بدأت اكتب اغاني على الطريقة العربية.
البدايـات
- ما هو اول نص شعري كتبته ونشر؟
- كانت هناك مجلة الصباح وكانت تصدر في مصر كان صاحبها اسمه مصطفى القشاشي وفيها صفحة للشعر يديرها شخص اسمه محمد لا اذكر اسمه الكامل وكنت ارسل له القصائد ويصححها وينشرها، فمثلا ارسلت له قصيدة غزل تقول (لماذا احبك ياحلوتي وفي مقلتيك ارى جنتي) فصححها لي ونشرها وهذا شجعني وحفزني.
وفي الرابع الثانوي بدأت اكتب على صحيفة الحائط للثانوية وفي الخامس الثانوي كان محمود البريكان معنا في الرابع الثانوي وكنا ننشر في جريدة الحائط للثانوية بقيادة الاستاذ رزوق فرج رزوق المشرف ومدرس اللغة العربية حيث علمنا قواعد اللغة ليس في درس القواعد وانما في درس المطالعة ومن ثم سنة 1946احيل والدي الى التقاعد وانا تخرجت من الثانوية ورجعنا الى بغداد طبعا قبل تخرجي ورجوعي الى بغداد تعرفت بالشاعر بدر شاكر السياب وكان من مجموعة طلبة الكليات ويأتون للثانوية وكنا مبهورين بهم ونلتقي بهم ونتمنى ان نصبح مثلهم وفعلا صرنا مثلهم ودخلنا الكلية، ومعرفتي ببدر أدت الى ان التقي به عدة مرات وكان يوجهني ويعلمني، اثناء هذه الفترة ارتبطت سياسيا واصدرت اول مجموعة لي سنة 1952 واسمها (طريق في طريق الحياة) وقد قام بتقديمها بدر شاكر السياب وقال بأن شاعرا سيولد وهذا طبعا شجعني وحفزني على ان استمر بالكتابة طبعا في تلك الفترة صارت احداث سياسية كثيرة والانتماء السياسي جعلني اندفع في كتابة القصائد التي تهم الناس مثل القصائد الشعبية التحريضية.
- ما علاقتك ببقية الايقونات الشعرية مثلا حسين مردان والحصيري؟
- الحصيري جاء فيما بعد نحن في اتحاد الادباء وجاء الحصيري، انا اكلمك الان عن القدماء.. الزهاوي والرصافي والجواهري، هؤلاء الذين كانوا مشهورين ومن جاء حسين مردان عمل ضجة وكان ايضا موجود في الوسط البياتي وكان رشيد ياسين وكان شاعر جيد ايضا.
- هل صحيح ان حسين مردان رائد النثرية في العراق؟
- حسين مردان صديقي وهو من اهل بعقوبة وفي وقتها جاء الى بغداد اشبه بالمتشرد، رجل مفلس لكنه استطاع ان يثبت شخصيته، وطبعا في ذلك الوقت انتشر التيار الوجودي لسارتر وكان ينادي بالوجودية وكان هناك مقاهي ادبية في بغداد والمقاهي الادبية الجيدة كانت قرب سينما الزوراء كان هناك مقهى يدعى البرازيلي كان يرتاده عبد الملك نوري وعبد الوهاب البياتي وانضم لهم (يحيى الحيدري) وكان من ابناء العوائل المتمكنة لكنه ايضا وجودي هو ومعه اخوه ايضا ثم انضم لهم حسين مردان وحسين مردان احدث ضجة بسيطة في البداية فهو دؤوب وكان اشبه بالمتشرد فيعني خلق له كيان حقيقي ولفت النظر ونشر كم قصيدة ثم نشر ديوان (قصائد عارية) وسجن بسببه شهر في سجن بعقوبة وتعرف هناك على الشيوعيين واثروا عليه فعند خروجه من السجن خرج متأثرا بالفكر الشيوعي.
رحلة الموت
- تاريخك السياسي ونضالك معروف وانت من اقدم المناضلين الموجودين حاليا الله يعطيك طول العمر، باختصار تتحدث لنا عن قطار الموت مع حسن سريع في عام 1963وعن معاناتك الشخصية في هذا القطار؟
- نحن نقول انخرطنا بالعمل السياسي وتمسكنا به ونساهم بالنضال حسب توجيهات الحزب ولها اهمية كبيرة طبعا انا اول مرة اعتقلت فيها سنة 1948 وفصلت من كلية الحقوق لمدة عشر سنوات ورجعت بعد ثورة تموز 1968 ونرجع لعام 1963 كنت ضابط احتياط واعتقلت لأني كنت ضابط في كتيبة الهندسة الثالثة واعتقلت في نقطة الانضباط لعسكري في الطريق وتعرضت طبعا الى ضرب وتعذيب.
اعتقلت بعد ان نقلوني من كتيبة الهندسة الثالثة الى الهندسة في معسكر الرشيد ومن ثم الى رقم 1 وعند قيام حركة حسن سريع نحن كنا في رقم 1 وكنا (12) شخص في غرفة طولها مترين ونصف وعرضها مترين فقط حيث لا يوجد نوم، ننام ونحن جالسين والاكل يأتي ونحن جالسين ولا اعرف كيف تحملنا تلك الفترة، نحن مرات في كل هذا الجو الفسيح ونتضايق لكن عجبي كيف تحملنا تلك الوضعية آنذاك لا اعرف ومعرضين للتحقيق وللاعتداء في اي لحظة، وعند اعلان حركة حسن سريع كانت تصل لنا بعض الاخبار انه سوف يحصل شيء لكن ما هو هذا الشيء غير معروف، لكننا سمعنا في الفجر اطلاقات نارية والجنود قالوا هذا حازم الاحمر ضابط مصلاوي وكانت السيكارة لا تفارق شفتيه، جاء للساحة وهو خائف وكان عادل الخشاب ايضا ضابط شرس موجود وهو الذي قام بتعذيبي واول ما دخلت للباب ضربني بكابسة الورق وتحاشيتها المهم الى العصر سمعنا صوت سيارات وقالوا تهيئوا وحضروا اغراضكم واغراضنا عبارة عن حقيبة صغيرة جدا لكن للطرفة كانت عندي (الكليجة) وضعتها في قدر سبحان الله وصلت الى نكرة سلمان ولم يصبها اي شيء بقدرة قادر.
المهم اركبونا بالسيارات وذهبنا الى محطة قطار البصرة ومن ثم جاء يحيي الضابط وغيرهم لم تحضرني اسمائهم لكنهم جميعا أعدموا فيما بعد ومن ثم صعدنا بالقطار كل 12 شخص بعربة حديدية او فاركون حديدي ولم نعرف الى اي نذهب.
وطبعا هذا الفاركون مليء بالأزبال والاوساخ لان هو اصلا للحمل وللحيوانات في الليل كانت الامور سهلة لكن عند شروق الشمس لا يستطيع احد ان يتنفس، وتوفى سجين معنا اسمه رائد من اهل الحلة ولو ماشي القطار لنصف ساعة بعد كان متنا جميعا لكن سائق القطار الذي يعمل كان في جريدة المدى أسرع وكان يمشي بسرعة هائلة بحيث وصلنا قبل الموعد المحدد.
ونحن كنا في المحطات التي نقف فيها ننادي نحن سجناء وطنيين نحن مظلومين كانوا بعض الناس ينتبهون لنا وكانت المحطات آنذاك تعتبر متنزه لأهل المدينة يقضون وقتهم فيها فيبدو ان بعضهم اوصلوا خبرا للسائق كي يسرع، وبدأ يسرع بشكل رهيب والحمد لله انا اتذكر كنت أساعد من معي من السجناء فنحن كنا 16 شخص وكان هناك شق صغير في الباب وعليه ستة انوف تتنفس من خلاله، ووصلنا للسماوة ووجدنا الناس قد هيئوا لنا الماء والطعام وهو فخر لهم، واكيد قد وصلت الاخبار اليهم.
عطاء ثـر
- اخر انجازاتك وكم مجموعة شعرية اصدرت الى الان؟
- اصدرت عشرين مجموعة شعرية وثلاث مجاميع قصصية ومسرحية شعرية ومئات المقالات في الصحف فأنا اكتب في صحيفة التأخي والحقيقة وفي طريق الشعب. واخر انتاجي كتاب المسيرة الثورية وديوان الشعر لائحة اتهام واخر قصيدة كتبتها رسالة الميلاد وانا بكل تواضع الكثير من الناس يقولون لي انت بعدك تكتب مستغربين فأنا نعم اكتب وابقى اكتب.
- كيف ترى مستقبل الادب في العراق؟
- طبعا انا عضو اتحاد منذ سنة 1959 أي منذ تأسيسه مع الجواهري، لكني لست من المؤسسين، بل كنت أساهم مع الاساتذة الكبار دكتور ماجد المقدوني وعلي جواد الطاهر وفرح خالص اسماء كبيرة فأنا كنت محاسب ومن ثم بالإدارة وايضا مثل الان كنت ابقى اخر واحد يطلع من الاتحاد، المهم استطاع الاتحاد ان يقدم سبع نشاطات اسبوعية وضمن الامكانات المحدودة ولم يدعمنا اي شخص او اي جهة حتى الدولة نحن من يدعم الاتحاد ليس انا شخصيا وانما الجميع. ومستقبل الادب والثقافة والفنون في العراق زاهرا بمبدعيه واعلامه.
قالوا في الفريد سمعان
* الشاعر الاستاذ الدكتور محمد حسين آل ياسين
ابو شروق اكبر وانبل واجمل من ان استطيع ان اوفي حقه رأيي فيه لا يشاركه فيه احد مع اني اعرف الالاف المؤلفة من الناس، انه يختص برأي في قلبي، ابو شروق شخصية لا تتكرر ابدا قياسا الى سجاياه وشمائله وصفاته، لا يتكرر ولا يشبهه احد هذه المراقبة والحب والعلاقة اوقفتني على اني اعرف شخصا لا ثاني له في شمائل وخصائص وسمات غريبة عجيبة ملائكية، شيوعي متصوف اسمعه ولم اسمع من غيره نقدا، انه اراد شيئا لنفسه خلال هذا العمر الطويل، لا يريد شيئا لنفسه، هل هناك انسان على وجه البسيطة لا يريد شيئا لنفسه، كل الذي اراده لغيره كما علمتم من المسيرة العظيمة هائلة العطاء، لم اسمعه يريد شيئا لا ماديا لا معنويا لا كبيرا ولا صغيرا، كانه بلا رغبات، هل هناك شخص بهذه الصفات، هل تعرفون سوى ابي شروق بهذه الصفات النادرة، قلت له مرارا في جلسات خاصة انت صامتا تكسب للحزب لو صامت تكسب بهذه الصفات والسجايا العظيمة النادرة انا اقل من اعطيه حقه اصارحكم لأول مرة اني عندما اتذكر هذه الصفات وحدي اشعر بالرغبة بالبكاء لأنه لا يتكرر وحقكم اشعر انه لا يتكرر.
* الشاعر عمر السراي
الشكر الاكبر للفريد سمعان لانه سمح لنا ان نكون معاصرين له رغم ارتفاعه، الفريد سمعان سمح لنا ان نكون في زمنه، كم سنفتخر امام اولادنا لأننا جلسنا قربه، كم سنتبجح امام حبيباتنا باننا نعرفه، كم سوف نحرق قلوب صبايا عدة لان العاشق ما زال عاشق منذ مجموعته الأولى عام 52 (في طريق الحياة) الى (لائحة الاتهام) ما زال عاشقا ويحب، وتلك هي المسألة، ان يحب هي بصمته الاجمل.
ازعم باني قرأت الفريد سمعان كله ليس لأني اكتب عنه وادرسه دراسة اكاديمية، بل لأني احبه فعلا وان شغلنا الفريد سمعان بنضاله وبثورته التي هي كبيرة جدا اقول بان مستواه الادبي ينبغي ان يشغلنا اكثر من كل الاهتمامات الاخرى لأنه شاعر حقيقي، ان نفصل بين شاعر وبين حياته تلك صعوبة، ربما حاولها النصيون لكني اضعها في منطقة غير حقيقية وغير واقعية، من منكم قرا المتنبي دون ان تغريه حياة المتنبي بانه يريد ولاية او ضيعة، ومن منكم قرا لابي العلاء المعري دون ان يحس بانه اعمى، من منكم قرا الفريد سمعان دون ان يقول انه الشيوعي الاخير وليس غيره من تبجح بلحظة ما واصبح طائفيا ويدعي النضال، اضن انه لا يرتقي لكعب حذاء ابي شروق، الفريد السمعان ولكي نكون منصفين نجعله في زمنه ارجعوا الى مجموعته عام 52 بتقدمة السياب (في طريق الحياة) هو شاعر عمودي كل القصائد قصائد عمودية وليست تفعيلة ويشير السياب بانه لم يحثه على ان يكتب التفعيلة لأنها كانت تمثل الحداثة لكن كل قصيدة للفريد سمعان كانت حقيقية لدرجة انها تضل حداثية، الفريد في ذروة تألقه في مجموعة طوفان وفي مجموعة عندما ترحل النجوم، يمس مناطق درامية متعددة الاصوات يبتكر شخصيات في عوالم عدة، الفريد سمعان يفوق قامات احتفي بها شعريا لدرجة كبيرة ربما انشغلنا بكفاحه ونضاله وادبه وبعمله وبانه دؤوب اكثر منا، لكن لو اخذناه شاعرا انه متفوق على الكثير ثمانية عشر مجموعة شعرية ومسرحية اسمها ليمونة من اروع ما يكون ومجموعتين قصصيتين وربما هناك اشعار اخرى كما ونوعا تفوق الكثير ، لغته تلك التي تخلط بين الوزن وبين اللا وزن هي التي استطاعت ان تشير الى الفريد سمعان لانها بصمته الحاضرة، من الذي دفعه لكي يكتب الشعر ربما يقول البعض بانه شاعرا كان يكتب من اجل الحزب، الفريد سمعان كتب من اجل الوطن اولا ، يهزه جمال عبد الناصر وجميلة بوحيرد وجيفارا وكل الشخصيات ويهزه الوطن واللقمة والحياة قبل ان تهزه ايديولوجيا على عظمتها، يهزه الصديق وقد كتب لأصدقاء ما يفوق كل الذين كتبوا للصداقة والأصدقاء، كتب للعائلة فهو شاعرا يحترم العائلة ولا شاعر بدون عائلة، كتب لابنه وابنته، لزوجته لوالده كتب لكل شي، كتب الحياة كما رأها، لا ادري ربما البير كامو قال (انا اكتب الحياة كما اراها، اكتب عن الجنود، عن البساطيل واذا لم يكن ما اكتبه ادبا فليذهب الادب الى الجحيم ) اننا نتعلم منك ان نكون اقوياء رغم وحدتنا، ان نكون مشاكسين رغم وحدتنا، ونغار منك لانك تزاحمنا حتى بان تختطف منا الحبيبات.
* النائب جوزيف صليوا
كنا نقرا ونسمع عن هذا الانسان العظيم، هذا الشاعر والمناضل وهذا العراقي المميز، ابو شروق كم انا محضوض وكم انا سعيد عندما اتيت الى بغداد من شقلاوة لكي اتعرف على حضرتك، وراينا مهرجانات كثيرة تحضر فيها ولكن السعادة الحقيقية عندما نكون قريبين منك، حين نرى هذا البريق في عينيك حينما نلمس هذه الحماسة وهذا الحب وهذه الوطنية وهذه الانسانية المميزة عن كثب وعن قرب، للأسف الشديد انا ليس لدي كلمات اخرى اضيفها ومهما قلنا بحقك سوف لا نفي، اريد ان اشكرك على عطائك هذا وعلى انسانيتك وعلى صمودك، لتكون مثالا للأجيال الصاعدة، انا مواليد 73 واليوم اجلس الى جانبك رغم كل هذه الصعاب التي مرت عليك ولازلت لنا مدرسة حب وانسانية ونضال، الف شكر لك على هذا العطاء.
* الشاعر عدنان الفضلي
الفريد سمعان من الادباء الذين انشغلوا بالهم العراقي على مستوى الشعر وعلى مستوى السياسة ايضا ، الفريد سمعان بكامل وعيه وثقافته يعد منظومة وعي مختلفة، منظومة فيها الشعر فيها القصة فيها المسرح فيها الكتابة الاعلامية الصحفية، وايضا الكتابة التاريخية. اتذكر قول الفيلسوف الكبير جان جاك روسو في واحدة من عباراته التي خلدها التاريخ وبقيت راسخة في الذاكرة الجمعية للمجتمعات "إذا أردت أن تحيا بعد موتك فأفعل واحداً من أثنين: أكتب شيئاً يستحق أن يقرأ، أو أفعل شيئاً يستحق الكتابة"، وهذه العبارة أراها تنطبق تماماً على إنسان قدم لنفسه والآخرين مالم يقدمه كثير من العراقيين المحبين لوطنهم وشعبهم، فهذا الرجل تميّز عن الآخرين بكثير من المميزات التي صاحبت تاريخه الطويل. أنا أتحدث عن الشاعر والقاص والكاتب المسرحي والإنسان والمناضل الكبير (الفريد سمعان) الذي لم يبق سجناً في العراق الا وأدخلته فيه القوى الدكتاتورية الظالمة والظلامية، كونه كان يشكل لهم شوكة مغروزة في عيونهم التي لا تعشق سوى مناظر البشاعة والقتل والدمار والخراب والظلم والاضطهاد والتعسف، لكن كل تلك السجون لم تفت من عضده، ولم تقلل من صبره وإيمانه بقضيته التي آمن بها ودافع ومازال يدافع عنها. نعم الفريد سمعان بطل نقرة السلمان بكل ظلمها وقسوتها، وبطل قطار الموت بكل وحشيته ومرارة ساعاته، وبطل التظاهرات والانتفاضات التي كان دائماً يقف في مقدمتها ولا يخشى رصاص الأوغاد الذي يوجهونه لصدور الشيوعيين والوطنيين من القوى التقدمية الأخرى، فهو ومنذ نعومة اظفاره كان ملتحقاً بالصف الوطني ومشاركاً في جميع فعاليات حزب الفقراء والكادحين، رغم انه ابن عائلة شبه برجوازية، وكان يستطيع ان يعيش حياته بكل سلاسة ويسر، لكنه لم يكن من الذين يرفعون شعار (شعليه) بل كان يشعر بالألم والوجع وهو يرى شعبه يقهر ويضطهد وتسلب حقوقه، فنذر نفسه ومنذ اكثر من سبعة عقود للكفاح والنضال من أجل استعادة كامل حقوق هذا الشعب المبتلى بساسة وحكام يملكون من الخسة والوضاعة والقسوة مالم تشهده بلدان العالم كلها.
نعم الفريد سمعان الإنسان الذي لم تبعده ديانته المسيحية عن مشاركة جميع أبناء الديانات الأخرى، في الدفاع والمطالبة بالحرية والعدل والإنصاف والمساواة لكافة أطياف الشعب العراقي، فهو المنادي والمطالب بحقوق الشيعة والسنة والعرب والكرد والمسيحيين والشبك والايزيديين والتركمان والصابئة المندائيين، وهو المتصدي لكل أشكال الطائفية المقيتة التي تحاول قوى الظلام تكريسها بداخل المجتمع العراقي.
نعم الفريد سمعان الأديب المخلص لأدبه وثقافته ومنجزه الكبير في الشعر والقصة والكتابة المسرحية والكتابة الصحفية، فهو وطوال عمره الممتد ثمانية عقود ونصف، لم يتوقف عن البث عبر منظومة وعيه وثقافته، مانحاً المشهد الثقافي العراقي منجزاً ثرياً في جميع الوان الأدب العربي.
كما انه وبعد سقوط النظام الدكتاتوري نذر نفسه لخدمة اتحاد الأدباء والحفاظ على إرثه الكبير، فقد وقف وقفة شجاعة بعد سقوط الصنم البعثي ليحمي الاتحاد وممتلكاته، وكذلك وقف ببسالة أثناء احتدام الصراع الطائفي ليمنع الظلاميين من التأثير على خط اتحاد الأدباء البعيد عن كل ماله علاقة بالطائفية، في وقت هرب كثيرون عن تلك المواجهة الكبيرة، ويشهد على ذلك كثير من الأدباء الذين تواجدوا معه في تلك المواجهة، كما انه مازال يضع نفسه أميناً حقيقياً على مصالح الاتحاد عبر تواجده اليومي ولساعات طوال من أجل خدمة أعضاء الاتحاد..
وبعد كل هذا ألا يستحق منا هذا الرجل الإشادة والتقدير والانحناء لمشوار معطر بالنضال..؟
* الدكتورة جبرا الطائي
بالنسبة لي احب هذا الرجل احبه بدون ان اعرف لماذا؟ احبه لأني بعد عودتي ولقائي به قال انت ابنتي، هذا الانسان ظاهرة وهو صرح من الصروح العراقية ولكن دون ان يصاب بداء العظمة، هو يمتاز بالتواضع وهذه الميزة لها وجوه كثيرة اولها الانسانية والمحبة والعطاء والنضال والسياسة والشعر والادب والقانون الخ، فكيف لا تدرس هذه الظاهرة، انا عرفته الاب الحنون المخلص لشعبه، الانسان المناضل المخلص لحزبه، فكيف لا يكون ظاهرة كيف لا يكون صرحا من صروحنا العراقية التي نتفاخر بها، انا فخورة به وذات يوم كنت الى جانبه واحتضنني بكل حب وحنان.
ان كل كلمة قيلت هي قليلة بحقه. الفريد صورة للتواضع والعطاء كما قيل بانه يعطي ولا يأخذ لنفسه شيء وهذا نادر، هو صورة ناصعة للرفيق الجميل ابن الوطن العراقي الحقيقي.
*الكاتب حسين فوزي
عرفت الفريد سمعان شاعراً رقيقاً يتغزل بالوطن، ويرى عظمة الفقراء الذين يكدحون من اجل لقمة الخبز بشرف، ليبنوا العراق، فيما يسرق اخرون العراقيين ليجنوا الملايين، ليس من خلال السوق الحرة والإستثمار، لكن بسرقة المال العام او الاستحواذ على كل فرص الوظائف "المثمرة" وما ينجم عنها من مزايا، ضمنها الإيفادات "السياحية".
عرفت سمعان ثورياً توقع كارثة شباط 63، وعرفته ثابتاً في مواجهة الجلادين، في نقرة السلمان او عند نقله إلى الحلة. وهو طيلة حياته برغم كل مسؤولياته الخطيرة لم يتطرف فكرياً، بل ضمن نخبة من الماركسيين يعون روعة التشريعات الإسلامية بالأخص الفقه الجعفري، في انصاف الإنسان والمرأة، بحكم دراسته القانون بتفوق.
لم يلجأ سمعان المسيحي إلى الغرب الذي فتح ابوابه للأقليات العراقية، بالأخص المسيحيين، مصراً على البقاء في الوطن زمن النظام الشمولي، ورفض الإغراءات التي قبلها اخرون، واختار ممارسة مهنة المحاماة مدافعاً عن المحرومين والفقراء والنساء المظلومات، فيما كانت وظيفة "مدير عام" يسيل لها لعاب الكثيرين.
وحين رحل النظام الشمولي ظل الرجل على توازنه، لا يطالب بـ"ثأر" من جلاديه، إنما تطبيق العدالة الانتقالية مع عدم الخلط بين الأخضر واليابس، بل ورفض صراحة اي اجراء ضد اي عراقي بغير قانون مدني يحفظ حقوق المتهم. يظل ألفريد سمعان واحد من قلة من العراقيين السياسيين القياديين ممن رفضوا التحول من موقع "المجلودين" المعذبين (بفتح الباء) إلى موقع الجلادين المعذبين (بكسر الباء)، منطلقاً من الوعي بان جلد الناس وليس معاقبة القانون لهم يعني بداية الدكتاتورية التي تصدى لها في 8 شباط، وطالب قبلها الزعيم عبد الكريم قاسم بإقامة نظام حكم مدني ديمقراطي يضمن حقوق اطياف المجتمع جميعاً. سمعان وزملاءه بقوا في العراق وتحملوا عبء الاضطهاد والمحاربة حتى في الرزق، حد بعضهم افترش الشوارع لبيع كتبه الشخصية ليشتري الخبز لأطفاله.