نورالدين مدني/ سيدني
إستمتعت بقراءة كتاب الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما
"أحلام من أبي.. قصة عرق وإرث"
ترجمة هبة نجيب سيد مغربي وإيمان عبدالغني نجم، الذي سرد فيه جانباً من سيرته الذاتية مقروءة مع تجربته الثرة التي خاضها بشجاعة في الولايات المتحدة الامريكية.
أتوقف هنا عند بعض المحطات والمواقف المهمة في حياته مثل قوله في مقدمة الكتاب أنه رأى بنفسه اليأس والإضطراب الذي يشعر به الإنسان العاجز‘ وكيف يشوه ذلك حياة الأطفال في جاكارتا وفي نيروبي بالطريقة نفسها التي يشوه حياة الأطفال في الجزء الجنوبي من شيكاغو.
حرص أوباما على العودة للجذور في كينيا حيث ولد والده الذي ينتمي إلى قبيلة "لوو" النيلية التي هاجرت من موطنها الأصلي السودان‘ ليتعرف على أهله في كينيا وأن يستلهم من حياتهم الصمود للتصدي لحقوق الإنسان الأمريكي ضد كل أنماط التفرقة العنصرية التي شعر بها لأول مرة عندما إنتقل إلى تكساس. حينها كبر في ذهنه السؤال المشروع:
ماذا فعلنا حتى نعامل بهذا الإحتقار؟!!‘
واسترشد بتساؤل الدكتور مارتن لوثر كنج المنطقي: كيف لاأمريكا أن ترسل رجالها للفضاء وهي ماتزال تبقي مواطنيها السود في العبودية؟!!.
يقول أوباما: أمي كانت تذكرني دائماً بقصة أبي وكيف أنه نشأ فقيراً في دولة فقيرة في قارة فقيرة لكنه لم يختر أسهل الطرق بل كان مجتهداً واميناً‘ لذلك إهتممت أكثر إلى جانب دراستي الجامعية بالعمل الإيجابي لتحسين أحوال الأقليات دون تمييز عرقي.
سرد اوباما بفخر قصة والده الذي طلبت منه الجامعة أن يلقي محاضرة بها‘ فتحدث عن نضال الشعب الكيني لينال حريته ويطور نفسه عبر العمل الجاد والتضحية‘ الأمر الذي نال إستحسان أساتذة الجامعة وطلابها بمن فيهم من كانوا يسألونه من قبل عن "اكلي لحوم البشر" في أفريقيا.
لذلك ظل يردد في نفسه بإصرار: أريد أن أصلح الأمور وأجعل من نفسي إنساناً ذو فائدة‘ وفي عام 1983م قرر أن يصبح منظماً للمجتمع المدني‘ وقبل تخرجه أرسل للمنظمات التي تعمل في مجال حقوق الإنسان.. بعدها عمل مساعد أبحاث في مكتب استشاري.
بدأ يهتم بشأن تنظيم الفقراء ورد الجميل للمجتمع‘ فقدم استقالته من المكتب الإستشاري وبدأ البحث عن وظيفه تتيح له الإحتكاك المباشر بالناس‘ وأن يلتقي بأناس جادين في فعل شئ من أجل تغيير حياتهم نحو الأفضل.
إبان زيارته لموطن والده في كينيا وصل إلى قناعة بأن أفريقيا بالنسبه له ليست مجرد مكان وإنما هي"فكرة"‘ وحكى مشاهداته الحية مع أهل والده وكيف أن عمته قالت له لقد كان والدك رجلاً كبيراً وكان يعطي بلا حساب.
في ختام زيارته لكينيا قال أوباما:
أخيراً أدركت أن الدائرة قد إكتملت وأن حياتي في أمريكا وسط السود والبيض مرتبطة بـ "هذه الأرض الصغيرة السحيقة"‘وهذا ما عززته المؤرخة الافريقية رقية وهي تقول إن أسوأ ما فعله الإستعمار "تغبيش" رؤيتنا لماضينا. هكذا قدم أوباما جانباً من تجربته الحية بصدق وشجاعة‘ والنقلة الكبرى التي ساهم في تحقيقها في الولايات المتحدة الامريكية التي خرجت من نفق العنصرية البغيضة إلى رحاب التعايش الإيجابي بين كل مكوناتها المجتمعية تحت مظلة وثيقة الإستقلال التي أكدت حقيقة أن جميع البشر خلقوا متساويين.